متعاطفون, مفجوعون, منددون, محتجون, ساخطون, متوعّدون... كلها مشاعر مرّ بها التونسيون في اليومين الأخيرين بل وفي لحظة ما تختلط كل هذه المشاعر بشكل فوضوي وعبثي فلا نعود نميّز أو ندرك أين الحقيقة وأين الإشاعة أو المغالطة في كل ما يجري.. الإعلاميان سفيان الشورابي ونذير القطاري رهينتان بأتمّ معنى الكلمة لدى إحدى الجماعات الإرهابية المسلحة ولا من يسأل أو يردّ الفعل إلا بعض المجهودات الفردية والتي أكاد أقول إنها منعزلة من طرف بعض الجمعيات أو المنظمات. حتى نحن الإعلاميين كنا مُقصّرين في حق زميليْنا ولم نعط للقضية الزخم الإعلامي اللازم لتحسيس التونسيين والعالم أجمع أن هناك صحافيين تونسيين معتقلان في ليبيا وآثارهما مفقودة. وهنا أتذكر ماذا فعلت قناة الجزيرة عندما اعتُقل مبعوثها إلى ليبيا زمن ثورة 17 فبراير, التونسي لطفي المسعودي وباقي فريق القناة المصاحب له. أقامت الدنيا ولم تقعدها رغم أنه زمن تقاتل شديد بين الثوار والكتائب وكان وطيس الحرب في ليبيا على أشده. وبفعل الضغط الشديد الذي مارسته القناة تمكنت بالفعل من تحرير ''أسراها''. في تونس لم نر رئاسة الجمهورية تحركت في شأن الشورابي والقطاري منذ أربعة أشهر ولم نر الحكومة أو نواب الشعب يتحركون جديا وبات أمر اعتقالهما مسكوتا عنه. حتى نحن الإعلاميين عندما نلتقي كان بعضنا يسأل الآخر هل من أخبار عن الشورابي والقطاري في ليبيا وعندما يأتي الجواب فورا بالنفي نسكت ولا نزيد ربع كلمة حول الموضوع ثم نمرّ إلى موضوع غيره كأننا مقتنعون بالذي يجري. وفجأة, وكأنما الجماعة الإرهابية التي تعتقل زميليْنا في ليبيا تملك جهاز التحكم عن بعد لتحريك رئيس الجمهورية والحكومة التونسية. فما إن أعلنت عن خبر ''إعدامها'' للزميلين حتى تحرك الجميع واجتمعت خلية أزمة هنا وخلية أزمة هناك وباتت الاجتماعات متواصلة ورئيس الجمهورية يستقبل عائلتيْ المحتجزيْن ويواسيهما وكأنه لم يسمع من قبل بقضيتهما. رد الفعل الرسمي جاء متأخرا وتحكمت فيه إرادة الإرهابيين ووجّهته كما أرادت ولم يكن نابعا من قرار سياسي حكيم ورغبة من أعلى هرم السلطة في تحرير مواطنيْن تونسييْن محتجزيْن دون وجه حق. إلى متى نظل نردّ الفعل حسب ما يجري من أحداث ولا يصنع المسؤولون في الدولة التونسية الأحداث فلا يبادرون ولا يتصلون. فعلى الحكومة كما على رئيس الجمهورية الاستشراف واستباق الأحداث والأخذ بزمام المبادرة دون أن نضيف إلى رهينتيْنا في ليبيا رهينتيْن أُخرييْن. رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية رهينتا الجماعات الليبية المسلحة التي وإلى حد الآن وفي قضية الشورابي والقطاري تحديدا حرّكت الأحداث كما أرادت ولفتت الأنظار إليها وربما فتحت بابا للتفاوض مما قد يفتح أمامها المجال لرفع سقف مطالبها في صفقة المقايضة.