لا يخفى على احد الوضع المتردي الذي خلفته الثورة الليبية بعد سقوط الطاغية معمر القذافي من انهيار... اقتصادي و اجتماعي و سياسي يعمل اليوم المجلس الانتقالي الليبي على تدراكه و الخروج منه خاصة وان ليبيا تملك من الموارد النفطية و الطبيعية ما يساعدها على تجاوز محنتها و لكن تبقى المعضلة الكبرى في ليبيا افتقاره هذا البلد إلى كفاءات في كل المجالات تقريبا وهذا راجع بالأساس إلى سياسة التهميش العلمي التي فرضها نظام القذافي و كرس كل جهوده من اجل صياغة جتمع يشكو من نسبة هامة من الأمية و الجهل و انعدام الكفاءات العلمية التي من شانها أن تتجاوز زمة بعد الثورة.هذا التردي في الأوضاع وصعوبة إخراج ليبيا من أزمتها الراهنة و الشاملة استوجب حتما تدخلات دولية ومقترحات عالمية تساعد على حل هذه الأزمة خاصة مع غياب الكفاءات الليبية اللازمة في كل الميادين ومن ابرز الحلول"الناجعة"على حد تعبير السيد مصطفى عبد الجليل رئيس المجلس الانتقالي الليبي استقطاب كفاءات تونسية في مختلف الميادين لإعادة بناء الجمهورية الليبية بفكر عصري و تكنولوجي حداثي يقطع مع فكر الرجعي الذي عاشته ليبيا زمن حكم القذافي. ومن هذا المنطلق وللتأكيد على هذا التوجه صدرت قرارات ليبية تمنح التونسيين أولوية مطلقة للعمل في ليبيا، وعززت قراراها هذا بتمكين التونسيين دون سواهم من الدخول إلى ليبيا دون تأشيرة، إلى جانب إقرار حقهم في العمل والإقامة والتملك دون سواهم. وأبرزت مصادر ديوان العملة التونسيين بالخارج أن ليبيا يمكنها أن تستوعب في مرحلة أولى الآلاف من اليد العاملة التونسية، وهي أرقام تؤكدها متطلبات سوق الشغل في ليبيا واستحقاقات بناء الدولة الحديثة، وتفرضها قرارات الطرف الليبي التي أكدت عدم تعاملها مستقبلا من مع القوى العاملة الإفريقية والأسيوية على وجه الخصوص والتي كانت تبلغ أعدادها في ليبيا زمن حكم القذافي أكثر من مليوني مهاجر. أكثر من 2000 تونسي يدخلون ليبيا يوميا من اجل العمل
تشهد الحدود الجنوبية التونسية الليبية على مستوى معبري ذهيبة ورأس جدير هذه الأيام تدفقا هاما لليد العاملة التونسية باتجاه ليبيا. وقد قدرت مصالح الديوانة التونسية والأمن الناشطين على الحدود عبور أكثر من 2000 مهاجر تونسي في اليوم الواحد سواء من ذوي الكفاءات العلمية في الطب و الهندسة و اساتذة... أو من اليد العاملة والحرفيين، وذلك زيادة على الناشطين في المجال التجاري الذين يعبرون يوميا الحدود محملين بأنواع السلع من خضر وغلال وغيرها من الحاجيات الاستهلاكية اليومية للانتصاب في بعض المدن الليبية القريبة من الحدود ثم العودة إلى تونس في نفس اليوم أو خلال اليوم الموالي. تقنين هجرة الكفاءات التونسية نحو ليبيا وفيما يتعلق بطريقة الهجرة و مدى متابعتها من قبل السلطات التونسية فقد أفادت وزارة الشؤون الاجتماعية من خلال عديد المنابر الاعلامية أنه قد تم فتح مكاتب للغرض يتم من خلالها تسجيل الراغبين في الهجرة إلى ليبيا وتكوين ملفات كاملة حول لكل واحد منهم وذلك لحصر نوعية المهاجرين واختصاصاتهم وتوثيق كافة التفاصيل حول كل فرد منهم ضمانا لهم وتطويرا لظاهرة الهجرة وتحسينا خاصة في مستوى الضمان الاجتماعي الذي كان شبه مفقود في فترة حكم القذافي. كما أكدت أنه ينتظر أن تزداد ظاهرة هجرة اليد العاملة التونسية إلى ليبيا خلال الفترة القادمة ، لتشمل أصنافا متعدد من الاختصاصات والكفاءات في اختصاصات في مجالات الصحة والهندسة المعمارية وجميع أنواع التقنيات الحديثة في الاتصالات. كما أضافت أن ليبيا تحتاج إلى فنيين من ذوي الخبرة في مجالات مختلفة وذلك طبقا لما تتطلبه حاجتهم إلى كفاءات قادرة على إرساء نمط إداري ومؤسساتي عصري يستجيب لتطلعات الشعب الليبي بعد الثورة الرامية إلى بناء ليبيا حديثة في كافة المجالات. وكانت الأطراف الليبية قد عبرت خلال اللقاءات وخلال الزيارات التي أجرتها اللجان الصناعية و التجارية والسياسية الليبية عن حاجتها الماسة إلى الكفاءات التونسية لإعادة بناء ليبيا الحديثة. وقد تأكد في عديد المناسبات سعي الأطراف الليبية سواء السياسية أو الاقتصادية إلى الاستفادة أكثر ما يمكن من الكفاءات التونسية في هذا البناء إيمانا منها أن هذه الكفاءات قادرة على إعطاء كل طاقاتها من اجل إنقاذ ليبيا ولو من باب العلاقات التاريخية و التعاونية المشتركة بين الشعبين الليبي و التونسي. وعلى ضوء الملتقى الاقتصادي التونسي الليبي الذي احتضنته طرابلس تحت شعار"من اجل اقتصاد مكتمل وفعال" علق السيد طارق الشريف، رئيس الكنفدرالية لمؤسسات المواطنة التونسية على أمواج الأثير بالقول "ان هذا الملتقى الاقتصادي بين تونس وليبيا ورحلات رجال الأعمال التونسيين المتتالية إلى ليبيا هي من منطلق الإيمان بضرورة دراسة الأرضية الاقتصادية في ليبيا وتفعيل العلاقات الاقتصادية بين البلدين وتكوين شبكة علاقات ودراسة القطاعات والميادين الّتي يُمكن الاستثمار فيها. كما أكّد ضرورة التموقع في الاقتصاد الليبي خاصّة وأنّ عديد الجنسيات الباحثة عن سوق اقتصادية دخلت إلى ليبيا وهي تترصّد المشاريع هناك، وصرّح أنّه لا يُوافق الرأي الّذي يعتبر أنّ الظروف في ليبيا غير مواتية لبعث مشاريع وتصدير اليد العاملة ، وأشار إلى ضرورة اغتنام الفرصة والنفاذ إلى السوق الليبية، وبيّن أنّ عديد الأسواق تتطلّب الجرأة والشجاعة والمبادرة في الظروف الصعبة وذلك بهدف التموقع وأضاف أنّ رأس مال تونس على المستوى الاقتصادي في ليبيا هي الثقة الكبيرة الّتي منحتها ليبيا إلى رجال الأعمال التونسيين. وقال: "أنّ الوقت قد حان لتحضير خارطة طريق للمشاريع والاستثمارات التونسية في ليبيا". وشدّد السيد طارق الشريف على أنّ انتعاش الاقتصاد التونسي سيكون عبر الاقتصاد الليبي والعكس بالعكس، وأقرّ أنه بعد زيارة الوفد التونسي إلى بنغازي والّذي ضمّ قرابة 70 شخصا من رجال أعمال ونساء أعمال، تلقّت كنفدرالية المؤسسات المواطنة، عديد المراسلات من ليبيا تطلب كفاءات ويد عاملة تونسية خاصّة في مجال إعادة الإعمار وبناء البنية التحتية والفنادقية وهو مؤشر ايجابي يدعم مشروع التبادل والتكامل الاقتصادي بين البلدين وتصدير الكفاءات التونسية إلى ليبيا لخدمة الاقتصادين.ولكن يبقى السؤال المطروح"هل في هذه البعثات للكفاءات التونسية نحو ليبيا مردود ايجابي حقا للاقتصاد التونسي ام هو أن المستفيد هو الطرف الليبي فحسب؟ حول هذا السؤال كثر الجدال بين من يرى ان الفائدة ستعود على الطرفين و تخدم الاقتصادين وبعض آخر يرى ان الفائدة ستعم على ليبيا فحسب لأنها ستستنزف الطاقات التونسية و تستفيد منها بأكثر ما يمكن و ستظل مكانة الكفاءة التونسية في ليبيا متدنية مقارنة ببقية الكفاءات الاجنبية اليابانية و الايطالية و الفرنسية التي تحظى بمكانة مرموقة لدى الحكومة الليبية منذ حكم القذافي و ليس من المنتظر أن تتغير بين عشية و ضحاها مع النظام الليبي الجديد باعتبار ان العقلية الليبية لم تتغير وهو ما يؤكد ان هجرة الكفاءات التونسية إلى ليبيا وقتية إلى حين اكتمال اعمار ليبيا من جديد و تظل رهينة تغير العقلية السياسية الليبية و إيمانها بقيمة هذه الكفاءات و قدرتها على بناء الجمهورية الليبية دون أي رقابة من كفاءات أجنبية. إيمان الدجبي