قررت إيران عن سابق تصميم اختيار قوة الولاياتالمتحدة في الخليج العربي فأنذرتها بعدم إعادة حاملة طائراتها إلى مياه الخليج هرمز كانت... تلك الخلاصة التي أنهت بها إيران مناورتها الأضخم في مضيق هرمز والتي سمتها "الولاية 90". الإنذار الإيراني اتخذ شكلين: احدهما علني وصارم جاء على لسان قائد الجيش الإيراني الجنرال عطا الله صالحي والآخر اتسم بصرامة اكبر عاد به وزير الخارجية التركي احمد داوود أوغلو بعد زيارته الأخيرة إلى طهران مفاده "أن النتيجة سوف تكون غير سارة للأمريكيين" إذا ما تجرأت أمريكا مرة أخرى على إرسال فرقاطة أو بارجة أو أية سفينة حربية أمريكية إلى الخليج. وأكثر من ذلك طلب الإيرانيون من وزير الخارجية التركي إبلاغ أصدقاء بلاده الأمريكيين بأن عليهم المباشرة "بخطوات عملية" للانسحاب من الخليج العربي على غرار انسحابها من العراق. وإلى حد اليوم لم يصدر عن الولاياتالمتحدة ما يفيد بأنها عازمة على تحدي إيران. صورة مقلوبة المراقبون (عرب وغير عرب) كثيرون اجمعوا على اعتبار أن الصورة أصبحت مقلوبة بعد أن أصبحت إيران تهدد الولاياتالمتحدة التي تلوذ بالصمت وأكثر شيء ستفعله حسب ماهو معلن إلى حد الآن أنها ستجري مناورات مشتركة مع الجيش الإسرائيلي ردا على المناورات الإيرانية الأخيرة. هذه الخلفية المثقلة بالوقائع المقلقة للأمريكان إنما أردنا طرحها في محاولة منا لتفسير طريقة تفكير بعض الدول العربية في مقاربتها للمشهد الإقليمي المستجد الذي بدت فيه واشنطن أكثر من مهزومة في العراق وعلى يد الإيرانيين كما تبدو أكثر من منبطحة في أفغانستان حيث تجاهر اليوم باستجدائها مفاوضات مع حركة "طالبان" باستضافة قطرية حتى لا تباغتها طهران من حدودها الشرقية كما سبق لها أن باغتتها من حدودها الغريبة أي في العراق وفوق كل ذلك تعلن الولاياتالمتحدةالأمريكية رسميا في هذا الظرف أنها ذاهبة إلى الصين لمواجهة مخاطرها لمحتملة على الأمن القومي الأمريكي وهذا يعني أنها سوف تبتعد عن الشرق الأوسط وأوروبا لأنها في طريقها إلى تقليص أعداد جيوشها وميزانيتها الحربية بعدما اقتنعت أنه لم يعد بإمكانها خوض حربين معا واكتشفت أن هذه النظرية في إدارة الأزمات مهلكة وليست فقط غير مريحة. صفقات أسلحة بالمليارات ولكن ما لوحظ أنه رغم هذا التراجع الأمريكي على مستوى الهيمنة على العالم فإن واشنطن استطاعت إقناع المملكة العربية السعودية بتوقيع عقد معها ليبع 84 طائرة حربية من طراز "أف 15" وتحديث 70 طائرة مقاتلة أخرى في إطار صفقة ضخمة بقيمة 29 مليارا و400 مليون دولار. و"الرسالة القوية" التي أرادت الإدارة الأمريكية إيصالها من خلال هذه الصفقة هي إظهار تمسكها بالأمن في الخليج العربي حسب ما أعلن عن ذلك مسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية " آندرو شابيرو" معتبرا أن هذه الصفقة ستحسن قدرات الردع والدفاع للملكة السعودية ضد أخطار خارجية تهدد سياستها. الصفقة الثانية التي أبرمتها أمريكا بعد أيام فقط من إبرام الصفقة السعودية كانت مع الإمارات العربية المتحدة بقيمة 3 مليارات و480 مليون دولار وتشمل نظامين متطورين لبطاريات الصواريخ فضلا عن 96 صاروخا وجهازي رادار وقطع غيار وتدريب في إطار أوسع لتعزيز الدفاعات الصاروخية لحلفائها في الخليج لمواجهة إيران" وفق التصريح الذي جاء على لسان المسؤول الإعلامي في البنتاغون ويدعى "جورج ليتل". والملاحظة البارزة في الصفقتين مع السعودية والإمارات هي أن الأولى مع الرياض تولت الإعلان عنها الخارجية الأمريكية ولم تأت على ذكر التهديد أو المخاطر الإيرانية واكتفت بالإشارة إلى "مخاطر تهدد السيادة السعودية" أما في الثانية مع ابوظبي فتولى البنتاغون الإعلان عنها وحددت "إيران" بالاسم كطرف مستهدف من وراء هذه الصفقة وبالتالي مستهدف من قبل الصواريخ الإماراتية. جدول أعمال حربي خليجي ضد إيران قد لا يجادل أحد في المكاسب الاقتصادية التي ستجنيها أمريكا من وراء هذه الصفقات ولكن يمكن أن نجادل في ما يتعلق بالمكاسب العربية العسكرية من صفقات لطائرات وصفها بعض الخبراء العسكريين العرب بأنها من "الجيل المتأخر" من الصناعات الحربية الأمريكية كما تم وصف الصواريخ المباعة للإمارات بأنها "لا تساوي" تلك الموجودة في مخزن الأسلحة الإيراني" والمفارقة أن عملية البيع ذات الوظائف الإستراتيجية هذه تزامنت مع متابعة جميع وسائل الإعلام العالمية لتلك الصواريخ شديدة التطور التي صنعتها الخبرات والكفاءات الإيرانية وظهرت خلال المناورات التي أجراها الإيرانيون في مضيق هرمز وحملت أسماء وربما توصيفات لا تخلو من الدلالات مثل "نور" و"نصر" و"قادر" و"محراب" وطبعا قبلها عشرات الأنواع من الصواريخ والوسائل القتالية الجوية والبحرية والبرية والالكترونية التي أنتجتها المصانع الإيرانية والتي رفعت إيران إلى مصاف الدول الصناعية المكتفية ذاتيا في المجال العسكري وغيره. المفارقة الأخرى أن واشنطن التي تهرب من الشرق الأوسط تقربالهزيمة أمام إيران بعد أن كالت لها ما كالت من التهديدات بالحرب على خلفية برنامجها النووي دون أن تجرؤ على القيام بخطوة إلى الأمام تحاول أن تورط أطرافا عربية في اشتباك مع إيران رغم ان هذه الأطراف لا تملك ربع ما تملكه القوة الأمريكية المنتشرة في الخليج ومع ذلك لم تغامر هذه الأخيرة في مواجهة التحدي الإيراني فإنها لا تزال تكبح جماح جنونها في المغامرة مع "القوة الإيرانية" وهي تل أبيب التي دأبت على التصريح والتلميح بأنها لا تعرف إذا ما "جنت" عواقب اليوم التالي على الاعتداء على إيران ويكفي قراءة ترجمات الإعلام الإسرائيلي لمعرفة كيف أن إسرائيل وهي إحدى ابرز مصنعي السلاح في العالم عاجزة اليوم عن ترجمة أي من تهديداتها العسكرية إلى أفعال ميدانية في حين ان أمريكا تحاول أن تضع جدول أعمال حربيا لبعض الدول الخليجية بهدف توريطها في مجابهة ايران عن طريق تصويرها بأنها العدو الحقيقي للخليجيين والعرب حتى تبيعهم سلاحها لا يضاهي شيئا مما لدى هذا "العدو الافتراضي" من إمكانات.