تمت صباح أمس الجلسة الثانية في محاكمة محافظ الشرطة أعلى سمير الفرياني الذي وجهت له تهم خطيرة تتعلق بالمس من أمن تونس الخارجي.... ويمكن الحزم بلا تردد أن هذه المحاكمة التي تمت في المحكمة العسكرية بالعمران شهدت أكبر حشد تجمع أمام المحكمة وداخل قاعة الجلسة. فقد تجمع عدد هام من المناضلين رافعين شعارات تؤكد براءة سمير الفرياني ونادوا بإطلاق سراحه. ورغم الإعداد الكبير للحاضرين فإن قاعة الجلسة كانت منظمة باحكام ولاحظنا وجود عدد مهم من الصحافيين وممثلي المجتمع المدني تتقدمهم السيدة سهام بن سدرين ممثلة للمجلس الوطني للحريات وكان حضور المحامين كثيفا حيث تقدم قرابة الأربعين محاميا للمرافعة في القضية. ولم تخل جلسة يوم أمس من المفاجآت التي كانت عديدة وكان أولها إصرار هيئة المحكمة على إنهاء القضية في الجلسة القائمة وذلك من خلال حثها لسان الدفاع على المرور مباشرة إلى المرافعة لكن محاميي سمير الفرياني لم يكونوا متفقين على استراتيجية جماعية فاختلفت مواقفهم وطلباتهم بين مناد بالتأجيل للإطلاع على وثائق جديدة تهم القضية والقبول بالمرافعة الخ..وفي آخر الأمر طلب لسان الدفاع من المحكمة قلب الملف بمعنى النظر في قضايا اخرى حتى يتمكنوا من التشاور مع بعضهم واتخاذ موقف موحد. وقد أكد الأستاذ سمير بن عمر الذي كان آخر من قابل سمير الفرياني أن منوبه طلب منه المرور إلى المرافعة في هذه الجلسة ولعب الأستاذ عمر السفراوي دورا كبيرا في التنسيق بين زملائه ليتفقوا في نهاية الأمر على إنابة الأستاذ محمد عبو ليطلب التأجيل على أساس ان القائم بالحق الشخصي قدم وثائق جديدة مما يستوجب الاطلاع عليها. استياء من تصرفات بعض المحامين وما تجدر الإشارة إليه في هذا الصدد أن العديد من المحامين الذين حضروا هذه الجلسة لم يتابعوا القضية بالمرة وقدموا إنابتهم للمحكمة عند افتتاح الجلسة وهو ما ادخل الفوضى في موقف المحامين عند انطلاق الجلسة لأن المحامين الآخرين تأبعوا القضية فصلا فصلا وتابعوا التحقيق بينما لم يتابع أي محام من المحامين الجدد الذين تقدموا للدفاع هذه القضية ويجهلون كل تفاصيلها وقد عبر لنا الأستاذ سمير بن عمر عن استيائه من تصرفات بعض زملائه الذين أحدثوا الفوضى المشار إليها فضلا عن كون بعضهم لم يأت من أجل القضية بل جاء لاستغلالها مشيرا إلى ان عددا من المحامين لم يشارك مع بقية الزملاء في الجلسة التي جمعتهم لاتخاذ قرار موحد للدفاع عن موكلهم بل كانوا يركضون وراء الكاميراهات ومصادح الإذاعات أي أن حضورهم كان للبروز وهذا أمر مسيء جدا. ما حكاية الشاهد المفاجئة؟ إذن كان الأمر كذلك وأستانفت الجلسة أشغالها وتم جلب الموقوف (سمير الفرياني) الذي دخل إلى القاعة بلباس أنيق (آخر شيّاكة) وبمعنويات مرتفعة جدا ومعه وثائق وهو يبدو على أتم الاستعداد للدفاع عن نفسه. أما المفاجأة فقد جاءت من قبل أحد المحامين الذي قدم بطاقة تعريف مواطن كان آخر من اتصل بسمير الفرياني يرغب في الإدلاء بشهادته وتبين في آخر الأمر أن هذا الشاهد محام ولدى اتصالنا به صرح لنا أن بحوزته ما يفيد أنه وقع تدليس محتوى الإرساليات التي بعثها وتلقاها سمير الفرياني. تم أخذ الكلمة الأستاذ رؤوف العيادي الذي أكد في مرافعته صحة كل ما صرح به وقال سمير الفرياني مشددا على ضرورة أن تقع دعوة وزير الداخلية وجميع الشهود من الإطارات الذين تم ذكرهم في الملف وتجدر الإشارة إلى أن كل المحاكمين تمسكوا بهذا الطلب. أما الأستاذ محمد عبو فقد أكد في مداخلته الثانية أن هناك إخلالا قانونيا حصل من قبل المحكمة في الجلسة الأولى للمحاكمة, ذلك أن حاكم التحقيق أصدر بطاقة إيداع في حق موكله وهي بطاقة يبقى مفعولها ساريا حتى مثوله أمام المحكمة, وقد مثل فعلا أمام المحكمة في الجلسة السابقة ولم تقرر المحكمة إصدار بطاقة إيداع ولذا اعتبر الأستاذ محمد عبو أن منوبه في حالة سراح. وطلب سمير الفرياني الكلمة ومكنته المحكمة من ذلك فأكد أنه بريء من التهم الموجهة إليه وأن محضر التحقيق الذي قرأ أجزاء منه تضمن أسماء الذين ذكرهم والذين كانوا حقيقة موجودين في تالة والقصرين وسيدي بوزيد ولم يكونوا وقتها في سياحة بل كانوا مكلفين رسميا "بالتصدي للمظاهرات" وأن التصدي للمظاهرات معناة بالنسبة إليه قمع المظاهرات. وقد احتج القائم بالحق الشخصي على تصريحات سمير الفرياني التي اعتبرها تمسّ من شخص منوبه وطلب تسجيلها لتكون حجة ضده, فقام محامو الدفاع في وجهه مذكرين إياه بأن سمير الفرياني هو الذي طلب ذلك قبله لذا فإنه كمن يفتح بابا مفتوحا. هذا وألح محامو سمير الفرياني على كون منوبهم يطلب أن يتم تقديم الأرشيف إن كان موجودا ولم يتم إتلافه ويطلب بالتحديد جلب ملفات زهير اليحياوي وسليم بقة وسهام بن سدرين. رحابة صدر رئاسة المحكمة تحلت المحكمة برحابة صدر كبيرة تجلت من خلال تفهمها للخبطة التي وقع فيها محامو سمير الفرياني مع العلم أن المسألة حسمت بطلب قانوني تمثل في قلب الملف. ثم أن المحكمة غضت الطرف عن التجاوز الذي صدر عن والدة المتهم سمير الفرياني التي التحقت بقاعة المحكمة وصعد على كرسي وأخذت تصرخ (دون إذن من المحكمة طبعا) "ابني بريء سيبوه"وكان باستطاعة المحكمة الاذن باخراجها من القاعة ولم تفعل ذلك. وكان واضحا منذ البداية أن المحكمة كانت ترغب في حسم القضية حيث أكد السيد الرئيس أن القضايا المتعلقة بسمير الفرياني ليست من أنظار المحكمة العسكرية إلا قضية واحدة وهي المتعلقة بمسألة إتلاف الأرشيف التي اتهم فيها سمير الفرياني بالمس بأمن تونس الخارجي. وكان رئيس المحكمة قدم عرضا للمحامين أراد من خلاله وبكل وضوح أن المحكمة منتصبة من أجل السعي لبلوغ الحقيقة وإعطاء كل ذي حقق حقه مذكرا بعض المحامين الحاضرين بالجلسة أن عديد المسائل قد تغيرت فيما يتعلق باستقلالية القضاء حيث كانت عديد القضايا الأمنية تحسم لفائدة الأمن آليا لكن لم تعد المسألة كذلك حيث تم مؤخرا الحكم بعدم سماع الدعوى. فرحة عارمة عندما أعلن القاضي الفاضل رئيس المحكمة عن تأخير الجلسة إلى يوم 26 سبتمبر الجاري وإطلاق سراح سمير الفرياني عمت القاعة فرحة عارمة يصعب وصفها فهي لم تقتصر على عائلته (والدته وزوجته وأبنائه) بل هلل كل الحاضرين من صحافيين وحقوقيين ومحامين لإطلاق سراح سمير الفرياني لأن كل الحضور وحتى من كانوا خارج المحكمة على اقتناع تام بأن سمير الفرياني على حق ولم يفتر على أحد وبالتالي فإنه بريء من كل التهم الموجهة إليه. زوجته لم تستوعب ما حصل! كانت زوجته سمير الفرياني مأخوذة بفرحة عارمة أفقدتها القدرة على استعاب الحدث حيث كانت تصرخ لم افهم شيئا فزوجي حر طليق لكن هل سيبقى كذلك يوم 26 سبتمبر أم إنه سيعاد سجنه لا قدر الله. المحافظ الاعلى سمير الفرياني كان رائعا بكل ما في الكلمة من معنى خلال هذه الجلسة الثانية فنفسيته لم تهتز وإيمانه ببراءته لم يتزعزع...وبدا أمس من خلال مادخلته ومن خلال مظهره وكأنه على يقين من ان العدالة ستنصره وإنه لا مكان للظلم بعد الثورة...