خلال الفترة الأخيرة مني الرئيس الأمريكي باراك أوباما وحزبه الديمقراطي بنكسات كثيرة والتطورات الانتخابية والاقتصادية السلبية أبرزت بشكل واضح أن الديمقراطيين سيواجهون تحديات ضخمة مستقبلا ... على مستوى استعداداتهم لإعادة السيطرة على مجلس النواب وإبقاء أوباما في الحكم لولاية ثانية خلال انتخابات 2012 . استطلاعات الرأي التي قامت بها عدة مؤسسات أمريكية كشفت مدى خيبة أمل الناخب الأمريكي في الأداء الاقتصادي لأوباما في وقت يواصل فيه الحزب الجمهوري حرب استنزاف ضد أوباما وخططه لإنعاش الاقتصاد الأمريكي ،علما وأنّ كل هذه التطورات تأتي على خلفية بروز شكوك في أوساط الحزب الجمهوري بقدرة أوباما على التصدي للجمهوريين الذين بدأ المرشحون من بينهم لمنصب رئيس أمريكا سباقهم الطويل إلى البيت الأبيض عبر التركيز على مهاجمة أوباما وبرامجه في محاولة لاستمالة الجناح المتطرف في الحزب المسمى ب "حزب الشاي" وتخويف الناخبين المستقلين أوباما الذي استشعر هذا الخطر المحدق به أعلن في مطلع شهر سبتمبر 2011 عن خطته لتحفيز الاقتصاد كما بدأ جولات في انحاء الولايات لحشد الدعم الشعبي والضغط على المشرعين الجمهوريين للتصويت على تلك الخطة . وقد تمكن أوباما حسب بعض المراقبين الأمريكان من استعادة بعض جاذبيته التي كادت أن تضمحل بوصفه مرشح يعرف كيف يتواصل ويتعاطف مع الناخب الأمريكي العادي ، هذه الجولات المكوكية التي قام بها اوباما في عدد من الولاياتالأمريكية كان يقصد منها تذكير الناخب الأمريكي بأنه ما زال يحتفظ بحيويته وتألقه كرئيس شاب ، كما جاءت تلك الجولات في أعقاب أصعب صيف قضاه أوباما في البيت الأبيض سيطرت عليه خلافات عميقة وجذرية مع الجمهوريين حول رفع سقف المديونية التي انتهى بتخفيض القروض مما اعتبر نكسة لمكانة أمريكا المالية فلي العالم . العقد الضائع أوباما بدأ أولا في ترتيب بيت الديمقراطيين من الداخل حيث بدأ يطمئن قيادات الحزب وقاعدته بأنه قادر إذا قرر اللجوء إلى أسلوب الهجوم على تعزيز موقعه السياسي والانتخابي تمهيدا للدخول في السباق الرئاسي في مطلع شتاء عام 2012 لكن ما لم يتوقعه أوباما هو ما حصل في الفترة الأخيرة فقد أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة " بلو مبرغ" المالية أن 72 % من الأمريكيين يرون أن البلاد تسير في طريق الخطإ مقابل 9 % فقط عبروا عن ثقتهم في أن الحكومة الحالية لن تدفع إلى إدخال البلاد في فترة كساد اقتصادي آخر . وفي استطلاع آخر لشبكة تلفزيون" سي آن آن" قال 55 % من المستطلعين أنهم لا يثقون في الحكومة الحالية مقابل 45 % اعتبروا أن أوباما ما زال قويا وقادرا على تحسين أدائه . أيضا كشفت العديد من الصحف الأمريكية مؤخرا عن أن معدل دخل العائلة الأمريكية قد تقلص للسنة الثالثة على التوالي ووصل اليوم إلى المستوى الذي كان عليه عام 1996 ،كما ارتفع عدد السكان المصنفين كفقراء بمليونين ونصف عن سنة 2010 ووصلت نسبة الذين يعيشون تحت خط الفقر إلى أكثر من 15 % أي أن عدد الأمريكيين الفقراء ارتفع إلى أكثر من 46 مليون نسمة وهو أعلى رقم منذ 50 عاما وكل هذا يظهر عمق الأزمة الاقتصادية وبطء وتخبط عملية انعاش الاقتصاد،مما دفع خبراء الاقتصاد الأمريكان إلى وصف المرحلة ب " العقد الضائع". نكسة انتخابية وخلال الفترة القليلة الماضية أصيب الحزب الديمقراطي بنكسة انتخابية حين خسر مقعدين في انتخابات تكميلية خاصة بمجلس النواب في نيويورك ونيفادا ،والملاحظ أن خسارة مقعد بنيويورك هزت الحزب وقياداته لأن الناخبين اليهود صوتوا هذه المرة ضد المرشح الديمقراطي وهو يهودي وانتخبوا جمهوريا يترشح للمرة الأولى. وفي هذه الحالة فسرت نكسة الديمقراطيين على أنها رفض لسياسات أوباما الشرق الأوسطية وتحديدا لسياسات إسرائيل الاستيطانية إلا أن آخرين رأوا أن نتائج انتخابات نيويورك إنما قرعت جرس الإنذار للحزب الديمقراطي حتى لا يتصرف وكأن أصوات اليهود مضمونة في نيويورك التي تعد منذ عام 1923 معقلا للديمقراطيين والتي تتواجد فيها أيضا تجمعات يهودية نافذة . والأكيد أن الناخبين اليهود من أنصار الكيان الصهيوني سوف يراقبون موقف أوباما في الأممالمتحدة يوم 23 سبتمبر الجاري إزاء المسعى الفلسطيني لطلب العضوية لدولتهم في الأممالمتحدة وهذا الشيء لا يخفى عن اوباما وربما هذا ما يفسر رفضه القطعي للاعتراف بالدولة الفلسطينية ودفاعه المستميت عن إسرائيل وتعهد باستخدام الفيتو ضد الطلب الفلسطيني . ويحظى المرشح الديمقراطي لمنصب رئاسة أمريكا تقليديا ب 4 أصوات من بين كل 5 أصوات يهودية وأي خلل في هذا الصدد سوف يلحق بأوباما ضررا كبيرا . تطرف ومبالغة الجمهوريون حاولوا استغلال هذا الوضع لصالحهم وأظهروا مدى تطرفهم بل ومدى استعدادهم لتشويه الحقائق والمبالغة في مواقفهم وطروحاتهم من أجل كسب أصوات اليهود وهذا التطرف دفع المرشح الجمهوري للرئاسة " ريك بيرن" وهو حاليا حاكم لولاية تكساس والمتقدم على غيره من المترشحين في استطلاعات للرأي إلى حد القول أن خطة التحفيز الاقتصادي التي وضعها الديمقراطيون لم تخلق ولو وظيفة جديدة واحدة مما يتناقض مع احصائيات مكتب الميزانية التابع للكونغرس التي تؤكد أن الخطة إما أضافت او تعدّت حوالي 3 ملايين وظيفة . وفي معرض " هرسلة" أوباما إن جاز القول إدعى الجمهوريون لوسائل الإعلام الأمريكية أن أوباما طالب اسرائيل بالانسحاب إلى حدود 1967 بينما هو طالب بأن تبدأ المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية من تلك الحدود وأن يتم التوصل إلى تسوية للحدود يقبلها الطرفان وتبدأ الأمور بتبادل الأراضي . أيضا قال الجمهوريون أن الأممالمتحدة لم تجد رادعا من أوباما حين فرضت الدخل العسكري في ليبيا متجاهلين ان أمريكا هي التي حثت على إصدار قرار من مجلس الأمن يؤيد التدخل العسكري لحلف الناتو في ليبيا . عمق التحدي لم يحدث ان فاز المرشح للرئاسة في أمريكا أو جدد فترته الرئاسية لولاية ثانية إذا كانت معدلات البطالة تفوق ال 7.5 % منذ فترة الكساد العظيم في ثلاثينات القرن الماضي وإلى حد الآن ما زال معدل البطالة في أمريكا في حدود 9 % ولا يتوقع الاقتصاديون أن تتقلص تلك النسبة إلى اقل من 8 % خلال عام 2012 ، وهذه النسب تبيّن بحق عمق التحدي الذي يواجهه باراك اوباما، وعلى هذا الأساس فإن مستقبل أوباما الانتخابي أصبح مرتهنا في ملفي البطالة والناخب اليهودي فهل ما زال في جراب أوباما مخزونا من القدرات والجاذبية التي تخول له تخطي تلك الصعاب والفوز بولاية رئاسية ثانية لأمريكا ؟ أوباما بدا منزوعا من كل قدرة وشخصية وهو يعبّر عن رفضه القاطع الاعتراف بالدولة الفلسطينية ومنحازا للمحتلّ الذي وراءه لوبي يهودي صهيوني بيده مفاتيح البيت الأبيض !