"فتحت" نقابة القضاة التونسيين "النار" على وزارة العدل، متهمة إياها بضرب استقلالية القضاء والتعامل مع القضاة بالطريقة القديمة التي كان ينتهجها النظام السابق بضرب مطالبهم عرض الحائط. وجاءت هذه الاتهامات على لسان أعضاء نقابة القضاة التونسيين، على هامش مؤتمر صحفي عقدته اليوم الإربعاء بقصر العدالة بتونس، لتدقيم ايضاحات بشأن دعوتها لشنّ إضراب لمدة ثلاثة أيام.
وانطلق إضراب النقابة منذ يوم الثلاثاء الماضي ويتواصل إلى يوم الخميس 30 جوان الحالي، حيث من المحتمل أن تتأجل غدا محاكمة الرئيس المخلوع بقضية حيازة مخدرات وأسلحة بقصر قرطاج.
وقد هدّدت رئيسة النقابة روضة العبيدي بإمكانية مواصلة هذا الإضراب ليكون مفتوحا في صورة ما صادق أعضاء المكتب التنفيذي لنقابة القضاة، الذي سيجتمع السبت المقبل، على هذا التحرّك، في صورة ما وقع الرئيس المؤقت علىقانون تنظيم مهنة المحاماة.
وانتقدت روضة العبيدي البيان الذي أصدرته وزارة العدل ردّا على إقدام النقابة على شنّ إضراب بثلاثة أيام، عندما ذكّرت بالفصل 18 من القانون الأساسي للقضاة الذي يحجر على القضاة القيام بإضرابات.
وقالت العبيدي إنّ هذا الفصل وقع سنه عام 1985 (في عهد الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة) خصيصا بعد عزل 13 قاضيا شابا بسبب إضراب قاموا به آنذاك لإصلاح القطاع، رافضة بذلك مصادرة حق القضاة في الإضراب.
ويأتي إضراب النقابة احتجاجا على مصادقة الحكومة الانتقالية على قانون تنظيم مهنة المحاماة وغيرها من المسائل المتعلقة بإصلاح المنظومة القضائية وملفات الفساد داخل وزارة العدل، التي رفضت الكشف عنها حسب قول أعضاء نقابة القضاة التونسيين.
ولم يوقّع الرئيس المؤقت فؤاد المبزع إلى حدّ الآن على المرسوم المتعلق بمهنة المحاماة، لكن من شأن التوقيع على هذا المرسوم أن يصب الزيت على النار ويشعل فتيل الأزمة بين القضاة والحكومة.
وانتقدت رئيسة النقابة روضة العبيدي التعجيل بالمصادقة على مشروع قانون تنظيم مهنة المحاماة، دون التشاور مع جميع الأطراف لاسيما القضاة والخبراء المحاسبين وعدول الإشهاد، باعتبار أن المحاماة هي أحد أجنحة المنظومة القضائية.
وينتقد القضاة خاصة الفصل الثاني من القانون الأساسي لمهنة المحاماة الذي يمنحهم عدم المؤاخذة الجزائية، والحال أنّ الفصل 38 من المجلة الجنائية تمنح هذا الحق فقط لكل من لم يتجاوز سنه 13 عاما عند ارتكابه جريمة أو لكل الأشخاص المختلين عقليا.
وحسب الكاتب العام للنقابة عصام لحمر فإن الفصل الثاني من القانون الأساسي لمهنة المحاماة وسع صلاحيات المحامين بشكل كبير بشكل يجعله متحصنا من التتبعات الجزائية ومتحديا للقضاة.
واعتبر أنّ مشروع القانون الأساسي لمهنة المحاماة سيجعل من تونس "دولة للمحامين"، بدعوى أنهم سيتمتعون بحصانة قانونية من كل تتبعات مدنية من قبل المواطنين في صورة اقترافهم لخروقات.
وأفاد عصام لحمر بأن هناك "لوبي" معلن وغير معلن لدى المحامين، قائلا إنّ وزير العدل الحالي وعميد المحامين السابق لزهر القروي الشابي هو من أشرف على صياغة القانون الأساسي لمهنة المحاماة.
كما أشار إلى وجود عدّة وزراء آخرين في الحكومة الانتقالية ينتمون إلى قطاع المحاماة كالوزير الأول ووزير الشؤون الاجتماعية ووزير الفلاحة، وهو ما ساعد على المصادقة على قانون تنظيم مهنة المحاماة، حسب رأيه.
ورغم أن الحكومة الانتقالية صادقت منذ أيام على مشروع قانون مهنة المحاماة، إلا أنّ رئيس النقابة روضة العبيدي كشفت بأن هناك عديد الوزراء الآخرين رفضوا المصادقة عليه، وطالبت بأن يكشف هؤلاء الوزراء عن وجهة نظرهم تجاه هذا المشروع.
من جهة أخرى، انتقدت روضة العبيدي تعامل وزارة العدل مع النقابة، قائلة إن "تعاملها لم يرتق إلى مستوى تطلعات القضاة"، واتهمت وزارة العدل واللجنة الرباعية الممثلة عن المجلس الأعلى للقضاء بعدم نزاهتها.
وأكدت بأن أساليب التعامل خلال التفاوض مع نقابة القضاة لم تقطع مع أساليب النظام السابق، واصفة بأنها أسليب "مذلة" و"تعسفية".
وطالبت بتغيير جذري في صلب وزارة العدل، مشددة بأن النقابة لن تسمح لأي كان ب"إذلال" القاضي، وأوضحت بأنّ إقالة وزير العدل وتعيين إسما جديدا بدلا عنه لا يعني نهاية الأزمة، داعية إلى تغيير عقلية وزارة العدل واستراتيجية تعاملها مع القضاة.
كما وصفت العبيدي وزارة العدل بأنها "وزارة التكذيب"، قائلة إن جميع المفاوضات التي التأمت من قبل وجمعت بين النقابة أو جمعية القضاة التونسيين مع وزارة العدل كانت تنتهي بالتوصل إلى اتفاق ثمّ تعود وزارة العدل لتكذيب ذلك، حسب قولها.