تجسّمت الأسبوع الماضي فكرة بعث نقابة للقضاة التونسيين بعد أن كانت شعارا محتشما في الجلسة الّتي عقدها القضاة يوم 5 فيفري الماضي (الصباح 6 فيري 2011). وقد جاء في طالع البيان التأسيسي لهذه النقابة الأولى من نوعها في تونس أن بعث نقابة للقضاة جاءت تكريسا لمبادئ استقلال السلطة القضائية وتجسيما لمبادئ الديمقراطية المستندة إلى ثورة الحرية والكرامة وما تقره من حق في الاختلاف وحرية في التنظّم دون إقصاء أو تهميش. ولمزيد إلقاء الضوء على طبيعة هذا المولود الجديد إلتقت " الصباح" السيد محمّد نبيل نقاش رئيس الهيئة التأسيسية للنقابة وأجرت معه الحوار التّالي: -يمكن أن نقول، أن نقابة القضاة التونسيين دخلت نطاق العمل الشرعي، فهل من توضيح لمنشإ فكرة بعث هذه النقابة، وكيف تبلورت هذه الفكرة؟ دخلت نقابة القضاة نطاق العمل الشرعي بداية من يوم 18 مارس 2011 تاريخ الإيداع واستكمال إجراءات التأسيس. وكان البيان التأسيسي بتاريخ 23 مارس 2011 الذي تضمّن الخطوط الأساسية لعمل النقابة. أما بخصوص نشأة فكرة النقابة فيعود ذلك إلى بداية العمل المنظم بالنسبة للقضاة، وهي فكرة قديمة متجدّدة اعتبارا لرفض السلطة الاعتراف بالحق النقابي للقضاة والتي كانت تعمد في كلّ الحالات إلى تمكينهم من أشكال تنظيم يغلب عليها الطابع الجمعياتي كودادية القضاة. وأهم مرحلة ظهرت فيها فكرة نقابة للقضاة كانت مع جمعية القضاة الشبان التي تأسست مع بداية السبعينات وتمكنت خلال سنة 1985 من تنظيم إضراب للقضاة أدى إلى مؤاخذة العديد منهم وعزل بعضهم وتعديل القانون الأساسي للقضاة لمنعهم من حق الإضراب بالفصل 18 منه، كما تأكدت ضرورة تكوين النقابة من خلال إحالة عديد الزملاء على مجلس التأديب ولم يجدوا أي ممثل نقابي يقف إلى جانبهم أو يبلغ صوتهم فتمت مؤاخذتهم دون توفير الضمانات اللاّزمة. أما عن كيفية تبلور هذه الفكرة في الظرف الراهن فإنها تعتبر إحدى النتائج الإيجابية لثورة الحرية باعتبار أن البيانات الصادر عن عديد القضاة بمختلف المحاكم دعت مباشرة غداة الثورة إلى بعث نقابة للقضاة، ثم انطلقت الأعمال المادية من خلال الموقع الإلكتروني الذي أنشأه بعض الزملاء القضاة على شبكة التواصل الاجتماعي والتي لقيت ترحيبا من قبل عدد كبير من القضاة الذين أمضوا عرائض يدعون فيها لتأسيس النقابة. - في الجلسة الّتي إنقعدت يوم 5 فيفري بقصر العدالة بتونس، طرحتم فكرة تكوين نقابة للقضاة ولكن لم يكن لكم موقف حاسم من الموضوع ، فما هو مردّ هذا التردّد؟ إن ما عُرض في جلسة 05 فيفري 2011 بقصر العدالة بتونس يندرج في إطار الحرص على أن تنبثق لجنة عن جمعية القضاة التونسيين تتولى الإعداد لبعث النقابة وإعداد القانون الأساسي بعد أن أعطى المكتب التنفيذي لجمعية القضاة موافقته على ذلك غير أن المكتب التنفيذي بجلسة يوم 05 فيفري 2011 المنعقدة بدعوة من قضاة المحكمة الابتدائية بتونس تراجع في موقفه ورفض الانخراط في مشروع تكوين نقابة، مع أن عددا كبيرا من القضاة وخاصة من ممثلي المحاكم بالجمعية سبق له أن أمضوا على العرائض الداعية إلى تأسيس نقابة للقضاة، وبالتالي فإن ما تصفونه بالتردد كان من قبيل التريث ومحاولة لإيجاد الحلول وبعث نقابة للقضاة من داخل الجمعية. - ألا تخشون أن يقال أن بعث نقابة للقضاة سيكرّس تقسيم القضاة؟ أعتقد جازما أن نقابة القضاة هي أداة لتكريس وحدة القضاة حول الهدف الأسمى وهو استقلالية القضاء وحماية المصالح المهنية للقضاة، وبالتالي فإن اختلاف أشكال العمل بين العمل النقابي والعمل الجمعياتي لن يؤثر على وحدة الهدف ولن يؤدي إلى التنازع والتعارض بين النقابة والجمعية خاصة أن كل المنتمين إلى النقابة يؤكدون على ضرورة المحافظة على انتمائهم للجمعية وحمايتها باعتبارها احد المكاسب الأساسية للقضاة التي لها مرجعيتها التاريخية والتي لا يمكن إنكارها. إن التعدد لا يعني بالضرورة الانقسام فضلا عن أن التجارب في بعض الدول الأوروبية أثبتت ضرورة التعدد والاختلاف ولم يشر يوما إلى الانقسام، والتعدد مساهمة في البناء الديمقراطي وليست تعطيلا له. -هل يمكن أن نتصوّر تعاونا بين الهيكلين في المستقبل ؟ بالطبع يجب أن يكون هناك تعاون بين نقابة القضاة وجمعية القضاة من أجل تحقيق الهدف الأساسي وهو استقلالية السلطة القضائية وإن نقابة القضاة التونسيين تبقى في كل الحالات مستعدة للتعاون مع جمعية القضاة. -هل هناك تنسيق بينكم وبين المكتب التنفيذي المنبثق عن مؤتمر ديسمبر 2010؟ لا يوجد أي تنسيق بين الهيئة التأسيسية لنقابة القضاة وأي مكتب تنفيذي سابق لجمعية القضاة التونسيين وقد تمّ التعامل مع كافة القضاة بصفتهم منتمين إلى الأسرة القضائية ومعنيين بالشأن القضائي دون اعتبار لانتماءاتهم أو أفكارهم. كل ذلك تجنبا لإثارة الفتنة وتغذية الشقاق داخل جمعية القضاة التونسيين فنقابة القضاة ليست بديلا لجمعية القضاة التونسيين وليست أداة لتقسيم القضاة، وإنما آلية للعمل المهني المنظم تجسيما للمطلب التاريخي للقضاة. - لقد جاء ببيانكم التأسيسي أن النقابة لن تنخرط في أي عمل سياسي تكريسا لمبدإ حياد القضاء، ولكن في نفس الوقت قلتم أن هذه النقابة ستعمل "على النهوض باستقلالية السلطة القضائية وتركيز الآليات الكفيلة بضمان استقلالية القضاء والمشاركة في دراسة وإعداد مشاريع القوانين الأساسية للقضاة"، ألا يعدّ هذا نشاطا سياسيا؟ إن من أهم مبادئ العمل النقابي الامتناع عن ممارسة النشاط السياسي وتنحصر مهام النقابة في الدفاع عن المصالح الاجتماعية والاقتصادية لمنخرطيها، وأن ما ورد بأهداف النقابة من نهوض باستقلالية السلطة القضائية وتركيز الآليات الكفيلة بضمان استقلالية القضاء والمشاركة في إعداد المشاريع الأساسية للقضاة يستند بالأساس إلى منظور مهني بحت لا علاقة له بالأنشطة السياسية بل يتعلق بالضمانات الأساسية المتعين أن يتمتع بها القاضي ليكون في مأمن من الاحتواء والاستقطاب والضغط أحيانا. - أكدتم أيضا في بيانكم التأسيسي أن هذه "النقابة منظمة مستقلة عن كافة الهيئات والمنظمات والاتحادات النقابية القائمة." ولكن لم تبيّنوا كيفية التعامل مع وزارة العدل وحقوق الإنسان، فهل لكم تصوّر عن هذا التعامل؟ تمّ التأكيد على استقلالية النقابة كهيكل تمثيلي مهني لا ينضوي تحت أية منظمة من المنظمات، ومن البديهي أن تكون هذه المنظمة مستقلة عن السلط القائمة بما فيها وزارة العدل والتي سيتم التعامل معها وفق تقاليد العمل النقابي باعتبارها طرفا اجتماعيا تخضع العلاقة معه إلى مبدإ التفاوض الثنائي والوطني. فالثنائي يتعلق بالمسائل الخاصة بشأن القضاة، والوطني في إطار المفاوضات الاجتماعية التي تشرف عليها الدولة بالنسبة لكافة القطاعات مرجعيتنا في ذلك الدفاع عن مصالح القضاة. - للعدالة جناحان كما يقال، جناح القضاة وجناح المحاماة، ولكن لا نجد أية إشارة إلى كيفية التعامل مع المحاماة وهياكله، فما هو مرد هذا التغييب؟ ليس هناك أي تغييب لأي طرف من الأطراف الفاعلة على الساحة القضائية بل تم التأكيد في البيان التأسيسي على مبدإ الاحترام لكافة الهياكل سواء ذات الصبغة القضائية أو الأعم منها في المجتمع المدني. وينصرف ذلك إلى كافة الأطراف والمنظمات الفاعلة في الساحة القضائية وهياكلها من محامين وعدول تنفيذ وعدول إشهاد وخبراء وخبراء محاسبين ومتصرفين قضائيين ومؤتمنين وكذلك الهياكل المهنية للهيئات الإدارية كنقابة أعوان وزارة العدل وسيكون التعامل مع كافة هذه الهياكل في نطاق التنسيق والتشاور لما فيه مصلحة السلطة القضائية. - إذا كان مرجعكم في تكوين نقابتكم مجلّة الشغل، ألا ترون أن هذا قد يفقدكم خصوصية سلطة القضاء ، وقد يطرح إشكاليات أخرى؟ إن مجلة الشغل هي النص العام المنظم لبعث وتأسيس النقابات في تونس ناهيك أن القانون عدد 112 لسنة 1983 المحدد للنظام الأساسي لأعوان الوظيفة العمومية اكتفى بالإحالة إلى مجلة الشغل مع إضافة شرط تسجيل القانون الأساسي بالقباضة وإعلام الإدارة الراجع إليها الموظفون بالنظر وطالما أن القانون الأساسي للقضاة أحال في عدّة مواضع إلى القانون عدد 112 لسنة 1983 فمن المنطقي أن يقع اعتماد أحكام مجلة الشغل غير أنه في الظرف الراهن واعتبارا لتجميد العمل بأحكام الدستور الذي كان يضمن بفصله الثامن الحق النقابي فإن مرجعيتنا الأساسية هي اتفاقيتا منظمة العمل الدولية عدد 87 وعدد 135 المصادق عليهما من طرف الدولة التونسية وكذلك المبدأ التأسيسي التاسع من المبادئ الأساسية التي أقرتها الأممالمتحدة بشأن استقلالية السلطة القضائية والذي مكن القضاة من حرية تكوين منظمات لتمثيل مصالحهم والنهوض بتدريبهم المهني وحماية استقلالهم القضائي وفي الانضمام إليها. واعتماد المرجعيات سالفة الذكر لا ينزع عن القضاء صفته كسلطة وإنما يدعم استقلالية القضاء كسلطة محايدة في الدولة فالدفاع عن المصالح المهنية للقضاة لن يخضع لأحكام مجلة الشغل بل لخصوصية العمل القضائي وما يستوجبه من استقلالية وبالتالي فإن مجلة الشغل تبقى الإطار العام المنظم لتأسيس النقابة فقط إلى جانب بقية المرجعيات المذكورة وليست إطارا للدفاع عن مصالح القضاة. -لقد كونتم هيكلا مؤقتا، فهل من توضيح لصلاحيات هذا الهيكل ومدّة توليه هذه المهام المؤقّتة ؟ إن من طبيعة الهيئات التأسيسية أن تكون وقتية وأن تتولى الإعداد لعقد المؤتمر الأول والقيام بكل الأعمال التي يقتضيها التأسيس مثل إحداث المقرات وتسجيل الانخراط إلى جانب الأعمال الضرورية والمتأكدة التي تندرج في الأهداف المرسومة بالقانون الأساسي للنقابة. أما بالنسبة للمدّة فلن تتجاوز موفى شهر ماي 2011 إن شاء الله موعد عقد المؤتمر الأول حيث سيتم انتخاب هيئة إدارية جديدة.