المتابع للشأن الوطني في الفترة الأخيرة يلاحظ بالتأكيد العودة القوية للإضرابات والحركات الاحتجاجية في العديد من القطاعات الحيوية والمتصلة بالمصالح الحياتية واليومية للمواطنين بالرغم من إصدار الاتحاد العام التونسي للشغل لبيانات تمنع فيها الإضرابات إلى حين الانتهاء من انتخابات المجلس لوطني التأسيسي. غير أنّ موجة الإضرابات عادت بقوة في الأسبوعين الأخيرين وبصفة ملفتة للانتباه وتجلى ذلك من خلال إضراب أطباء الصناديق الاجتماعية وتهديد بعض البنوك بتوقيف العمل وبعض المجالات الأخرى في فترة حساسة تمر بها تونس والمتمثلة في ذروة الحملة الانتخابية للمجس التأسيسي.
إن تفاقم موجة الاحتجاجات وارتفاع وتيرة الإضرابات ليست عفوية حسب بعض المحللين والمتابعين للشأن السياسي في البلاد وهي مدروسة وتنمّ عن نية مسبقة ووصفها البعض بعمليات الاحتضار الأخيرة للإضرابات في الفترة الانتقالية التي تمر بها وقرب موعد انتهاء مهام الحكومة الانتقالية والمؤقتة التي قدمت العديد من التنازلات منذ 14 جانفي 2011.
للتذكير قدّمت كل من حكومة محمد الغنوشي والباجي القائد السبسي منذ فيفري 2011 العديد من التنازلات الاجتماعية ورضخت للمطالب النقابية المتعددة والمتنوعة وفي مقدمتها اعتبار الإضراب حق نقابي مشروع و إلغاء العمل بالمناولة الزيادة في أجور العاملين رغم الظرف الاقتصادي ولمالي لذي تمر به البلاد إل جانب تسوية وضعيات الآلاف من العاملين في الوظيفة العمومية بترسيم الأعوان المتعاقدين والعرضيين بعد أن قاموا بحركات احتجاجية ضاربين عرض الحائط الخدمة الدنيا المضمونة (service minimum garanti ) وتاركين المواطن البسيط يتخبط لوحده في مشاكل رفع الفضلات والنقل.
الأمثلة في هذا الصدد عديدة وكثيرة وقد رضخت الحكومة الانتقالية إلى سياسة لي الذراع التي توختها بعض الأطراف في التفاوض واعتبر المحللون أن هذه المسألة هي مجرد مناورة من الحكومة لتهدئة الأوضاع وعدم التصعيد وأن همّها الأساسي هو إنجاح المسار الانتقالي بإنجاح انتخابات المجلس الوطني التأسيسي من دون تعطيل لتصريف الأعمال.
ويرى المحللون السياسيون أن المضربين والمطالبين بالترفيع في الأجور استغلوا ضعف الحكومة المؤقتة للحصول على مطالبهم من دون مراعاة المصلحة الوطنية.
أمّا اليوم ولم يعد في عمر حكومة السبسي سواء بضعة أسابيع، فإن هناك محاولات من بعض القطاعات والهياكل المهنية للضغط على الحكومة لاقتلاع امتيازات أخرى وإضافية من قبل أن يُسدل الستار على هذه الحكومة.
هناك اقتناع من المتابعين والعارفين للشأن السياسي في تونس أن الحكومة القادمة ستكون لها من الشرعية الشعبية والمصداقية والقوة ما يُؤهّلها أن تتخذ القرارات الحاسمة والإجراءات الضرورية ومعالجتها للعديد من الملفات بدون خوف أو الرضوخ للأطراف التي ساومت الحكومة الانتقالية.
وهذا يعني أن المقاربة السياسية سوف تتغير بشكل جذري في اتجاه التعاطي مع مجمل المواضيع الاقتصادية والاجتماعية بأكثر جدية وصرامة من دون الرضوخ إلى المطلبية المُبالغ فيها.
الثابت والمتأكد أن الحكومة القادمة لن تغضّ النظر عن الحركات الاحتجاجية والإضرابات غير المُبرّرة وستتعاطى مع المسالة من زاوية مغايرة، وهناك من يتوقع أن الحكومة القادمة قد ُتراجع بعض الإجراءات التي اتخذتها الحكومة المؤقتة!!!