توقّع جامعي تونسي أن تبقى حركة الترجمة ضعيفة في تونس ما دامت الإرادة الحقيقية لنقل المعرفة إلى اللغة العربية مفقودة، وما دام الحكّام يعتبرون الانكليزية والفرنسية لغات التقدم، ممّا يجعل الترجمة رهينة جهود فردية غير متكاملة وغير منسّقة لا تعدو أن تكون من باب تبرئة الذمّة. وقال عبد اللطيف عبيد في ندوة حول "الترجمة والمترجمون في تونس" نظّمها المركز الوطني للترجمة الأربعاء بالمكتبة الوطنية بتونس إنّ حركة الترجمة في تونس ضعيفة وستبقى على تلك الحال لأنّها غير مرتبطة عمليا بالتربية والعلم والثقافة، مؤكّدا أنّه لا ازدهار للترجمة إلاّ إذا كان هناك استغلال شامل لها وتم ربطها عضويا باستعمال اللغة الوطنية. وتساءل حول جدوى الترجمة ما دامت اللغة العربية مهمّشة مقابل هيمنة اللغة والثقافة الفرنسيّتين مؤكّدا أنّه إذا أريد للترجمة أن تزدهر لا بدّ من تدريس العلوم باللغة العربية وأن تكون لها الصدارة. وناقش عبيد علاقة اللغة بالتقدم فلاحظ أنّه لا توجد لغة تقدم ولغة تخلف ولا تعرف شعوب حققت تنميتها بلغة أجنبية، حيث يجب أن يكون هناك اعتقاد بأنّه "لا تنمية بغير اللغة الوطنية حتى تتوفر الإرادة لنقل المعرفة إلى لغتنا". واستدلّ على ذلك بازدهار الترجمة في القرون الإسلامية الأولى حين كان تدريس العلوم بالعربية مؤكدا أنّه "لو كان يتم باليونانية لقتلت الترجمة". وعي إصلاحي وتاريخي بالترجمة من جهته تناول الدكتور فتحي القاسمي تاريخ الترجمة في تونس بين القرنين التاسع عشر والعشرين منذ تأسيس المدرسة الحربية في باردو التي ساهمت بمن تخرج فيها وبعد غلقها في حركة الترجمة، ثم قدوم المستشرقين وتأسيس المطبعة في عهد خير الدين التونسي باشا وتأسيس قسم الإنشاء والترجمة. وأوجد دخول المستعمر وانتشار اللسان الفرنسي حاجة للترجمة وتأسست مدرسة الصادقية لتخريج موظفين يتقنون الفرنسية لتصريف المعاملات الإدارية مع التونسيين. كما أطلقت دعوات للعناية بالترجمة، فالشيخ بيرم التونسي اقترح إنشاء مدرسة للتكوين في الترجمة ولم يجد صدى في تونس في حين رحّب شيخ الأزهر بالفكرة، أمّا الشيخ محمد السنوسي فقد ربط الترجمة بالواجب الديني. وامتدت حركة الترجمة في بداية القرن العشرين بفضل الصادقية والجمعية الخلدونية والمدرسة العلوية ومعهد كارنو ومساهمة طلبة الزيتونة الذين كانوا يتابعون دروس الخلدونية. ولاحظ الدكتور القاسمي أنّ الكتابات التونسية كانت على حظّ من الحداثة الفكرية أهّلتها للترجمة خارج القطر التونسي ومنها رسالة في التسامح الديني لأحمد بلخوجة نشرت عام 1876، وترجم كتاب خير الدين التونسي "أقوم المسالك" للفرنسية والأنكليزية والتركية، وترجمت فتاوى الشيخ سليمان الحرايري في ستينات القرن التاسع عشر إلى الفرنسية، وترجم الصادق مازيغ معاني القرآن، هذا إضافة إلى ترجمة كتب اقتصادية واجتماعية تونسية أخرى. وأشار الأستاذ فتحي القاسمي إلى ما لقيته الكتب التونسية التي تناولت المسألة الجنسية من اهتمام أجنبي دفع إلى ترجمتها مثل كتب الشيخ النفزاوي والتيفاشي القفصي فقد طبعت ترجمة لكتاب الروض العاطر للنفزاوي في خمسة ملايين نسخة في أوروبا. واستشهد بنص للشيخ النفزاوي كشف فيه عن وعي لديه بالترجمة يقول فيه "أردت بهذا الكتاب أن يحيّر العرب والعجم. وإذا خطر للأعاجم أن يترجموه، فغروا أفواههم من الدهش". هذا وكشفت أرقام أعلن عنها خلال الندوة المذكورة عن حجم الترجمة في تونس، فالترجمات التونسية التي أحصاها المركز الوطني للترجمة تبلغ 800 كتاب. ومن العام 1956 تاريخ إعلان الاستقلال حتى العام 1998 ترجم 140 كتابا بمعدل 3.5 كتاب في السنة. ومنذ إنشاء مؤسسة بيت الحكمة للترجمة والدراسات عام 1983 حتى 2008 أشرفت على ترجمة 39 كتابا. وأعلن في تونس في شباط /فبراير 2006 عن تأسيس المركز الوطني للترجمة وخصّصت السنة الجارية سنة وطنيّة للترجمة يتوقع فيها أن يصل عدد الكتب المترجمة الخمسين.