ايداع 9 من عناصرها السجن.. تفكيك شبكة معقدة وخطيرة مختصة في تنظيم عمليات "الحرقة"    الرابطة الثانية (ج 7 ايابا)    قبل نهائي رابطة الأبطال..«كولر» يُحذّر من الترجي والأهلي يحشد الجمهور    أسير الفلسطيني يفوز بالجائزة العالمية للرواية العربية    حادث مرور مروع ينهي حياة شاب وفتاة..    حالة الطقس لهذه الليلة..    أولا وأخيرا: لا تقرأ لا تكتب    افتتاح الدورة السابعة للأيام الرومانية بالجم تيسدروس    إيران تحظر بث مسلسل 'الحشاشين' المصري.. السبب    إنتخابات جامعة كرة القدم: إعادة النظر في قائمتي التلمساني وتقيّة    بسبب القمصان.. اتحاد الجزائر يرفض مواجهة نهضة بركان    البنك التونسي للتضامن يحدث خط تمويل بقيمة 10 مليون دينار لفائدة مربي الماشية [فيديو]    بين قصر هلال وبنّان: براكاج ورشق سيارات بالحجارة والحرس يُحدّد هوية المنحرفين    نابل: إقبال هام على خدمات قافلة صحية متعددة الاختصاصات بمركز الصحة الأساسية بالشريفات[فيديو]    الكشف عن مقترح إسرائيلي جديد لصفقة مع "حماس"    بطولة المانيا : ليفركوزن يتعادل مع شتوتغارت ويحافظ على سجله خاليا من الهزائم    تونس تترأس الجمعية الأفريقية للأمراض الجلدية والتناسلية    المعهد التونسي للقدرة التنافسية: تخصيص الدين لتمويل النمو هو وحده القادر على ضمان استدامة الدين العمومي    2024 اريانة: الدورة الرابعة لمهرجان المناهل التراثية بالمنيهلة من 1 إلى 4 ماي    مشروع المسلخ البلدي العصري بسليانة معطّل ...التفاصيل    عميد المحامين يدعو وزارة العدل إلى تفعيل إجراءات التقاضي الإلكتروني    انطلاق فعاليات الدورة السادسة لمهرجان قابس سينما فن    بودربالة يجدد التأكيد على موقف تونس الثابث من القضية الفلسطينية    الكاف: قاعة الكوفيد ملقاة على الطريق    استغلال منظومة المواعيد عن بعد بين مستشفى قبلي ومستشفى الهادي شاكر بصفاقس    الدورة الثانية من "معرض بنزرت للفلاحة" تستقطب اكثر من 5 الاف زائر    تسجيل طلب كبير على الوجهة التونسية من السائح الأوروبي    بطولة مدريد للتنس : الكشف عن موعد مباراة أنس جابر و أوستابينكو    جمعية "ياسين" تنظم برنامجا ترفيهيا خلال العطلة الصيفية لفائدة 20 شابا من المصابين بطيف التوحد    جدل حول شراء أضحية العيد..منظمة إرشاد المستهلك توضح    تونس تحتل المرتبة الثانية عالميا في إنتاج زيت الزيتون    الأهلي يتقدم بطلب إلى السلطات المصرية بخصوص مباراة الترجي    كلاسيكو النجم والإفريقي: التشكيلتان المحتملتان    عاجل/ الرصد الجوي يحذر في نشرة خاصة..    اليوم.. انقطاع الكهرباء بهذه المناطق من البلاد    فضيحة/ تحقيق يهز صناعة المياه.. قوارير شركة شهيرة ملوثة "بالبراز"..!!    وزير السياحة: 80 رحلة بحرية نحو الوجهة التونسية ووفود 220 ألف سائح..    عاجل/ مذكرات توقيف دولية تطال نتنياهو وقيادات إسرائيلية..نقاش وقلق كبير..    ليبيا ضمن أخطر دول العالم لسنة 2024    بمشاركة ليبية.. افتتاح مهرجان الشعر والفروسية بتطاوين    بن عروس: انتفاع قرابة 200 شخص بالمحمدية بخدمات قافلة طبيّة متعددة الاختصاصات    برنامج الدورة 28 لأيام الابداع الادبي بزغوان    في اليوم العالمي للفلسفة..مدينة الثقافة تحتضن ندوة بعنوان "نحو تفكرٍ فلسفي عربي جديد"    الإتحاد العام لطلبة تونس يدعو مناضليه إلى تنظيم تظاهرات تضامنا مع الشعب الفلسطيني    8 شهداء وعشرات الجرحى في قصف لقوات الاحتلال على النصيرات    مدنين: وزير الصحة يؤكد دعم الوزارة لبرامج التّكوين والعلاج والوقاية من الاعتلالات القلبية    الكاف: إصابة شخصيْن جرّاء انقلاب سيارة    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    وزير الخارجية يعلن عن فتح خط جوي مباشر بين تونس و دوالا الكاميرونية    السيناتورة الإيطالية ستيفانيا كراكسي تزور تونس الأسبوع القادم    بنسبة خيالية.. السودان تتصدر الدول العربية من حيث ارتفاع نسبة التصخم !    تألق تونسي جديد في مجال البحث العلمي في اختصاص أمراض وجراحة الأذن والحنجرة والرّقبة    منوبة: تفكيك شبكة دعارة والإحتفاظ ب5 فتيات    مقتل 13 شخصا وإصابة 354 آخرين في حوادث مختلفة خلال ال 24 ساعة الأخيرة    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دليل وزارة الأوقاف المغربية الموجه للأئمة والخطباء والوعاظ ما له وما عليه:

جاء دليل الأئمة والخطباء والوعاظ الذي أنجزته وزارة الأوقاف في إطار التدبير الجديد للشأن الديني وتتويجا لإصلاح هذا المجال بالنزول إلى حلقاته الميدانية الأخيرة والواسعة بعد هيكلة هيئاته المركزية والإقليمية ،وجاء تذكيرا كما قال الوزير في مقدمته" بما هو مؤصل في الدين وما جرى عليه عمل أسلاف المغاربة" للانتقال بالأخلاق الموروثة في هذا الإطار"من صيغة الاقتراح الإرشادي إلى صيغة التقنين التعاقدي"وذلك لتقوية"جانب الأئمة والخطباء والوعاظ"وحماية"المساجد من التشويش الذي ينافي الطمأنينة التي يتطلبها عامة الناس".فما هي أهم مكونات الدليل؟ وما هي الإيجابيات التي سيغني بها مجال تدبير الشأن الديني وما هي بعض الملاحظات والتساؤلات التي سيثيرها ؟ وهل ستتوفر له سبل وظروف النجاح في ظل ما يعرفه قطاع عريض من القيمين الدينيين من مشاكل مادية مزرية وحاجة ماسة إلى التوعية والتكوين ؟
احتوى الدليل على مدخل وست محاور،ثم جملة من الضوابط التي ينبغي أن يلتزم بها القيمون الدينيون،كما ذيل الدليل بثلاث ملاحق تشمل ظهيرا وقرارين وزاريين.
وهم المدخل: حفظ الخصوصية المغربية في الشأن الديني من خلال أربع ضوابط منهجية همت العقيدة الأشعرية والمذهب المالكي باعتباره ثقافة اجتماعية ونفسية والتصوف الذي حدد له مقصد التربية على المحبة ثم إمارة المؤمنين دعامة للأمن الروحي.
أما عن المحاور، فجاء المحور الأول: عن النظرية الاندماجية للشأن الديني،وتناول الدليل فيه ما ينبغي أن يكون عليه الإمام باعتباره ينوب عن الأمة من جهة احترام خيارات الأمة وحسن القدوة والأسوة وطاعة ولاة الأمر ولزوم الجماعة ونبذ الفرقة،والنظر للخلاف باعتباره شرا والسعي بدل ذلك في سبيل وحدة الأمة والأمن الروحي باعتبارهما هدفا ومقصدا،وفي مضون العمل لابد للفاعل الديني أن يستفيد من الجوانب التربوية للتصوف السني لمعالجة آفات النفوس وبناء القلوب على المحبة والتوكل وغيرها من المعني القلبية،واعتماد المذهب المالكي في الأحكام والفروع الفقهية ،وتؤكد على الإمام ترتيب الأولويات في فقه التوجيه والإصلاح والدعوة بالحكمة والتأني والتدرج في الإصلاح بتعليم الناس بصغار العلم قبل كباره ،وكذا اجتناب المضايق المثيرة للخلاف والتحلي بسعة الأفق ونبذ الجمود والانغلاق.
أماالمحور الثاني،فكان عنوانه: الوعظ والإرشاد من التنمية الروحية إلى التنمية الوطنية،وتناول الوعظ والإرشاد باعتباره تنميةٌ روحيةٌ،وكذا النظر إلى تنمية الروح على أنها أساس التنمية البشرية،واعتبار التعارف الروحي أساس الاندماج الوطني،ثم بيان مَعَالِمُ التنمية الوطنية في سياق الوعظ والإرشاد،والحث على الإخلاص للأسرة الوطنية الكبرى،والإيمان بالوطن محبة وخدمة،واعتماد مبدأ الإيجابية الإنتاجية وكذا صناعة النفسية الاستيعابية بدل السلبية والعدمية والإقصاء.
وتناول المحور الثالث: تدبير الشأن الديني ومراعاة المحيط الدولي،أكد فيه أهمية الوفاء بالعهود والمواثيق ،وأشار إلى أن الإسلام ينعم في ظل الحوار وحسن الجوار مؤكدا على أهمية لزوم النمط الأوسط ونبذ ظاهرة الغلو والتطرف داعيا إلى ترك الدخول في المضايق المثيرة للفتن،وكذا مراعاة التكريم الإلهي للإنسان وأهمية رعاية حقوق الإنسان من مثل حق الحرية وحق العيش الكريم والحق في المساواة وحرمة الدماء والأموال والأعراض ورعاية حقوق المستضعفين في الأرض وكذا رعاية حقوق غير المسلمين.
وتناول المحور الرابع: ضرورة مراعاة المذهب في العبادات و الأحكام فبين فيه معنى المذهب ،وأهمية المذاهب الفقهية عند المسلمين،ومبررات اختيار المذهب المالكي في الغرب الإسلامي وعوامل استقراره وكذا ضرورات التقيد بالمذهب الواحد ومقتضياته،باعتباره أداة لصيانة الإرث الثقافي الوطني ،وأداة لتحقيق الأمن الروحي.
وبسط الدليل في المحور الخامس، نماذج من الشعائر الدينية التي جرى بها العمل في المغرب،محاولا تأصيلها وإيجاد تخريج شرعي لها مثل قراءة الحزب الراتب والأذان المترسل السمح، والخروج من الصلاة بتسليمة واحدة و الذكر والدعاء جماعة عقب الصلوات والأذان ثلاثا يوم الجمعة والإنصات أو الاستنصات يوم الجمعة.
وفي المحور السادس: تناول الدليل خطبة الجمعة ودور الخطيب معتبرا خُطْبَة الْجُمُعَةِ عِبَادة وصناعة بحاجة إلى ضوابط موضوعية وأخرى منهجية وحثت فيه الخطيب على اعتماد أساليب التقريب والتحبيب،وتجنيب المنبر المعارك الشخصية والسياسية والإعلامية وكذا تجنب الخطيب إعلان الفتوى من فوق المنابر ،واجتهاده في مراعاة المستويات الثقافية والتخصصات المختلفة لمن يستمعون خطبته،واعتماد الإيجابية في الطرح بدل العدمية،وإخلاص القصد لله،ومن الضوابط الصناعية اعتماد الاختصار والتركيز في سقف زمني بين عشرين وثلاثين دقيقة بين الخطبة والصلا ة،واعتماد وحدة الموضوع والفكرة وحسن الإلقاء الخطابي والحرص على جمالية الهندام بما يناسب عرف المغاربة في اللباس كالتزام الجلباب والسلهام.
ثم تحدث الدليل عن الدور الاجتماعي للإمام والخطيب،وما ينبغي له من مساهمة في تمتين العلاقات الاجتماعية بين الناس والسعي في الصلح بين المتخاصمين ونشر المحبة والسلام بين الناس،وكذا السعي في مصالح الناس وقضاء حوائجهم.
وبعد هذه المحاور تم إدراج جملة من الضوابط التي ينبغي أن يلتزم بها القيمون الدينيون،استهلها الدليل بالتذكير بوظائف المسجد على ضوء المبادئ التي تؤطر الشأن الديني المغربي، هذه الوظائف التي تتجلى في الوظيفة التعبدية، والوظيفة الدينية التوجيهية ؛والوظيفة العلمية والثقافية ؛والوظيفة الاجتماعية.كما اهتم الدليل بالتفصيل فيما يعتبر تشويشا في المساجد مثل: الدعوة إلى ما يخالف العقيدة الأشعرية أو المذهب المالكي أو مخالفة ما جرى عليه العمل في المغرب ؛وتناول موضوعات في الخطب والمواعظ قد يثير الخوض فيها الفتنة بين الناس، أو يخل بالأمن العام، أو يحرض على الشغب والخروج عن الجماعة.معتبرا المتصف بصفات التشويش المخالف لثوابت الأمة "لا يكون إماما، ولا خطيبا، ولا واعظا، ولا قيما دينيا، بأي صفة من الصفات "
ثم بين الدليل الضوابط التي تتعلق بالعبادات داخل المساجد وما جرى به العمل في الآذان وصلاة الجمعة وصلاة العيدين،وما يتعلق بالمصليات ،وإعادة التذكير في نقط محددة بمهام الإمام ومسؤولياته وكذا مهام الخطيب ومسؤولياته.
ثم ذيل الدليل بثلاث ملاحق وتهم الظهير الشريف المعتبر بمثابة قانون والمتعلق بالأماكن المخصصة لإقامة شعائر الدين الإسلامي فيها،وقرار لوزير الأوقاف والشؤون الإسلامية متعلق بتسمية المساجد وفتحها في وجه المصلين، وقرار لوزير الأوقاف والشؤون الإسلامية خاص بتحديد شروط التعيين للقيام ببعض المهام الدينية.
وقد صادق المجلس العلمي الأعلى على الدليل بتاريخ: 16 صفر 1427 الموافق 17 مارس 2006 وقال عنه إنه :"متكامل ومستوف لأهم المقتضيات العلمية والعملية،وهو بذلك يلبي حاجات الأطر الشرعية ويوحد التصورات ويحدد الضوابط." وبأنه " يمثل نموذجا معرفيا صحت معانيه وقويت أركانه ومبانيه وسلمت شواهده ونقوله من التحريف وتناسقت أفكاره وترابطت أجزاؤه"
الناظر في هذا الجهد العلمي الرصين لا يمكن إلا أن يثمنه بالنظر إلى أهدافه ومقاصده المعلنة،ولكونه ينقل الممارسة الدينية المؤطرة رسميا في مساجد المملكة من الحالة العرفية والتداول الشفوي والتوارث العملي إلى حالة من التوثيق والتعاقد الواضح المكتوب الذي يضبط العلاقات ويحدد المسؤوليات ويحسم الجدل في جوانب من الأمور الموروثة على مستوى الممارسة العملية في مساجدنا،أو على الأقل يفسرها ويشرح مستندها بغض النظر عن قوة أو ضعف الاستدلال.
ومن جهة أخرى وكما هو مصرح به جاء الدليل لصيانة وظائف المساجد وحفظ حرمتها ؛وضمان الطمأنينة اللازمة للمصلين ورواد المساجد. ويضع مرجعا يسهل التعامل بين مختلف الفاعلين الدينيين أو بينهم وبين الجهات الخارجية من سلطة وإعلام وهيئات مختلفة،وهو بين أيدي الأئمة والقيمين الدينيين، يذكرهم بالثوابت المغربية في الشأن الديني، ويوحد الاختيارات في جزئياتها، ويساعد على الالتزام بها؛ويقصد إلى تطوير وظيفة الإمامة والخطابة والوعظ بالمملكة المغربية شكلا ومضمونا؛ويشجع القيمين الدينيين على تعميق معارفهم وإتقان أدائهم ؛ ويساهم في تأطيرهم وحثهم على التكوين الذاتي المستمر، وعلى متابعة المستجدات العلمية في إطار الثوابت المغربية،
كما يسهل العمل بالمذهب المالكي بعرض منهجيته العامة عرضا مبسطا، و بيان خلفيته الفكرية والثقافية والاجتماعية.
ويساهم في تعميق فهم طبيعة الوظائف الشرعية بالمملكة المغربية، وإدراك معنى النيابة عن الأمة بكل مكوناتها في تحمل المسؤولية الدينية،والشعور بجسامة هذه المسؤولية دينا ودنيا.
ومن إيجابيات الدليل ما جاء فيه من النظر إلى مذهب مالك الذي تبناه المغاربة عن رغبة واختيار على أنه ليس مجرد اتباع في فقه الفروع وإنما أيضا على مستوى الاعتقاد ،فقد جاء فيه:"استهوى المغاربة من المذهب المالكي أنه ليس مذهبا فقهيا فقط، وإنما هو مذهب يبرز من نصوصه حرص مؤسسه على إبراز موقفه الصريح من كبرى القضايا العقدية، وهو ما حدد انتماء المذهب إلى تيار أهل السنة والجماعة".وكذا القول بأن"المذهب المالكي إرث حضاري، وثقافة اجتماعية، وهوية دينية، وقدرة تأليفية على المستوى النفسي والاجتماعي والسياسي".
ومن الإيجابيات أيضا التفسير الذي أعطي لبعض اختيارات المغاربة كقراءة الحزب والدعاء بعض الصلاة حيث جاء في الدليل:"عدد من هذه الأعمال لا يفعلها الناس باعتقاد أنها سنن شرعية منقولة، وإنما بنية مشروعيتها الدينية العامة ولمقاصد تعليمية وتربوية، كالدعاء جماعة عقب الصلوات، وترتيب قراءة الحزب عقب صلاة الصبح وصلاة المغرب".
ومن الإيجابيات أيضا في نظري التنصيص على إمكانية الاعتكاف الفردي والجماعي بالمساجد خلال الأيام العشرة الأخيرة من رمضان. بل وحتى قيام الليل وذلك بعد الحصول على إذن من الوزارة.وهي خطوة مهمة وبادرة حسنة لإمكان إحياء تلك السنة التي نسمع عنها ونقرأها ولا نراها على مستوى الفعل والممارسة.
كما ويسجل لهذا الدليل توجيه العناية إلى الوظيفة الإجتماعية والثقافية التي كادت تفتقد من مساجدنا ومن ممارسة أئمتنا،فقد جاء في بيان
رسالة المسجد الاجتماعية:"للإمام أن ينظم مع رواد المسجد أنشطة اجتماعية تهدف إلى توثيق الصلة بين المسجد ومحيطه الاجتماعي" وكذا"تحيى بالمساجد التي تحددها الوزارة الأعياد و المناسبات الدينية والوطنية".
وجاء بخصوص الوظائف الاجتماعية للإمام على المستوى العملي :
- وصل العلاقات الروحية، وتمتين الروابط الاجتماعية بين المصلين، وذلك بتفقد أحوالهم، والسؤال عن متغيبهم، وزيارة مرضاهم، ومساعدة محتاجهم، والتخفيف عن معاناتهم، ومشاركتهم همومهم، والدعاء لهم.
- المبادرة الفعلية إلى الإصلاح بين المتخاصمين من الأزواج وذوي الأرحام، والمتنافرين من الأصدقاء والأصحاب والخلان، والمتدابرين من القبائل والعشائر؛ وذلك بتشكيل مجموعة من أهل الفضل والصلاح، ممن اشتهر بالتقوى والورع من أهل الحي؛ للسعي في إصلاح ذات البين، ورد المياه إلى مجاريها.
- تأليف قلوب المحسنين على فعل الخير، والإحسان إلى الخلق، والالتفات إلى ضعاف الناس، وتشجيعهم على كفالة الأيتام، وإيواء المشردين من الأطفال، والقيام بتربيتهم وتعليمهم، والإنفاق عليهم؛
- تشجيع الأطباء والصيادلة وغيرهم من أهل الاختصاصات؛ على العمل الخيري، والإنفاق مما علمهم الله من اختصاص مهني، وذلك بالتنسيق بينهم في تأطير التعامل الإحساني مع فقراء المرضى ومستضعفيهم، ممن لا طاقة لهم على تحمل تكاليف العلاج وشراء الأدوية.
- تشكيل فِرَقٍ من حكماء الوعاظ، بتنسيق مع المجلس العلمي ومندوبية الشؤون الإسلامية؛ لتفقد أحوال المسجونين، والإسهام في إعادة تأهيلهم نفسيا، وإدماجهم اجتماعيا.
- قيادة أعمال اجتماعية إحسانية – تحت إشراف المجلس العلمي- لصالح الإقامات الخيرية ودور العجزة.
- توجيه المحسنين إلى صلة الفقراء في المناسبات الدينية والوطنية بشتى أنواع أعمال البر، كتوزيع الأضاحي والملابس، وتوزيع الحقائب المدرسية على الأطفال بمواسم الدخول المدرسي.
وفي فقرة أخرى تهم النشاط الاجتماعي للإمام جاء فيها:" يحرص الإمام على تقوية مكانته الاجتماعية في مناسبات دينية اجتماعية مثل تسمية المواليد و في مراسم الختان و في حفلات الخطبة و عقد القران، كما يحرص على أداء دوره في المواساة عند مراسم التعزية و الجنازة، كما يبادر بزيارة دور العجزة والأيتام، و بعيادة المرضى ".
ومن الإيجابيات تحديد بعض المفاهيم والأهداف بشكل دقيق:مثل تحديد غاية الوعظ بالقول: "فغاية الوعظ والإرشاد إذن إنما هي تنمية حقائق الإيمان، وتطهير الأنفس ومجاهدتها في الله؛ تعليماً وتزكية"ً.ومن مهام الواعظ أيضا: "الاقتراب من المواطنين، وخاصة فئة الشباب منهم، والإنصات إليهم، وتلبية حاجاتهم العلمية والتعبدية، وإرواء عطشهم الروحي، بما يعمر حياتهم بالإيجابية، ويقضي على ردود الفعل العدمية".
ومن الإيجابيات أيضا عرض وثيقة الدليل على المجلس العلمي الأعلى للمصادقة مما يدشن تقليدا جيدا يضمن الترشيد أكثر للوثائق الصادرة عن الوزارة،ويبقى الأمل أن تتسع دائرة استشارة المجلس العلمي الأعلى من مختلف دوائر القرار الأخرى ضمانا للترشيد والتوافق مع الشرع الحنيف.
ملاحظات وتساؤلات:
وكأي عمل بشري مهما كانت له من مزايا وحسنات وما يسجل له من إيجابيات، لا بد أن تثار حوله بعض الملاحظات والتساؤلات التي تساعد على مزيد من التنقيح والتتميم والإكمال ،ومما سجلته من ذلك:
1 _جاء في مقاصد الدليل :"وضع خلاصات عملية تساعد الأئمة والخطباء وسائر القيمين الدينيين على تَمَثُّلِ العقيدة الأشعرية، وفقه الإمام مالك، والتصوف كما تمثله المغاربة".
وقد ألح الدليل في غير ما موضع على هذه الثلاثية في تكوين الشخصية المغربية، والتي شكلت نسيجها عبر تاريخ طويل،وأتساءل من الناحية العملية وباستحضار المعطيات الواقعية،والتحديات التي استجدت في حياة المغاربة في العقود الأخيرة،والتحولات الكبيرة التي أحدثت ما يشبه القطيعة مع كثير مما كان يعتبر إلى عهد قريب من المسلمات، هل عندنا ما يكفي من المؤهلات لوصل ما انقطع أو كاد وخصوصا عند حديثنا عن العقيدة الأشعرية والتصوف كما تمثله المغاربة ؟ وهل هناك ما يكفي من الاستعداد عند الأطر الدينية من جهة وعند المتلقين من جهة أخرى للانخراط في جعل ما أضحى نخبويا في رؤوس بعض العلماء وما يشبه الطائفة على مستوى السلوك ليصبح تيارا شعبيا شاملا يحمل الناس عليه في عموم مساجد المملكة؟
هل هناك استعداد في الناس الآن للتفاعل مع قضايا كلامية أثيرت في فترة تاريخية بعينها لتواجه تحديات زمانها الفكرية،من مثل نظرية الكسب الأشعرية،والقدم والخلق والكلام النفسي بخصوص كلام الله تعالى،ورؤيته سبحانه بالأبصار يوم القيامة وهل نثبتها أم ننفيها أم نثبتها من غير تحديد،وغيرها من القضايا التي تكل فيها عقول الراسخين فكيف بعقول العوام وأشباه العوام ؟
ولا يخفى وجود قطاع عريض من المتدينين ممن لهم نصيب من الثقافة الشرعية اختاروا العودة إلى العقيدة كما كانت عند السلف قبل ظهور الاختلاف و الفرق من قدرية ومرجئة ومعتزلة وأشاعرة وغيرهم ،أي الاكتفاء بما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام بالتزام النصوص الشرعية الواردة في الاعتقاد من غير تأويل أو تعطيل أو تشبيه.وسلوك ما هو أسلم عوض البحث عن ما يقال بأنه أحكم.
ونفس الشيء يمكن أن يقال عن "التصوف كما تمثله المغاربة" حيث تكونت شرائح واسعة في العصر الحديث على أدبيات شيوخ الإصلاح كأبي شعيب الدكالي ومحمد بن العربي العلوي وعلال الفاسي وغيرهم،ممن وجهوا انتقادات معتبرة للانحرافات التي لبست رداء التصوف،واختار كثير من المتدينين التزام روح ما يدعو إليه رواد التصوف من زهد وتوكل ومحبة ومقامات الإسلام والإيمان والإحسان وغيرها كما هي واردة في نصوص القرآن والسنة من غير صبغه باسم التصوف أو اتباع بعض طرقه.
ولعل ما ورد في الدليل نفسه من القول:"استهوى المغاربة من المذهب المالكي أنه ليس مذهبا فقهيا فقط، وإنما هو مذهب يبرز من نصوصه حرص مؤسسه على إبراز موقفه الصريح من كبرى القضايا العقدية، وهو ما حدد انتماء المذهب إلى تيار أهل السنة والجماعة".وكذا القول بأن"المذهب المالكي إرث حضاري، وثقافة اجتماعية، وهوية دينية، وقدرة تأليفية على المستوى النفسي والاجتماعي والسياسي".
يعتبر هذا في نظري من أحسن المخارج ،أي اعتماد مذهب مالك ليس في الفروع الفقهية فحسب وإنما في أصول الاعتقاد وأصول الأخلاق والسلوك وأعمال القلوب.وهي في آخر المطاف ليست سوى إعمالا للنصوص الشرعية عبر مصفاة إمام جمع الفقه والحديث وكان فيهما النجم الثاقب.
ومن المكاسب الواضحة لذلك،الخروج قدر المستطاع من الاختلاف ، الذي يقل حتما كلما اقتربنا من المنابع أكثر،وكذا الاستفادة من الاستيعاب لشريحة أوسع من المتدينين وضمان انخراطهم في عملية الإصلاح، بخلاف الحرج الذي يوجده الاصطفاف الكلامي والسلوك الطائفي.
وكذا الانسجام قدر المستطاع مع الخطاب السائد خارج الأسوار الدينية،من حديث عن التسامح وقبول الآخر واعتماد التعددية .فإذا كان هذا يقبل بين الإسلام وغيره من المذاهب والأفكار والأديان،فكيف الظن بالتعايش بين المدارس والاجتهادات التي يشملها جميعا رداء الإسلام من سلفية وصوفية وكلامية وغيرها؟
2_ جاء في الدليل القول: "لا بد أن تكون التربية داخل المساجد منسجمة مع الاختيارات المذهبية والسياسية ..." و كذا"لا يجوز أن تستعمل المساجد للخروج عن هذه الاختيارات أو معارضتها".
وهذا الكلام يكون معقولا في المجال المذهبي كالتزام مذهب مالك أما في المجال السياسي فيصح الأمر إذا كانت السياسة رشيدة ومنسجمة مع ضوابط الشرع ومقاصده،وأما في غياب ذلك فهو إحراج للأئمة وتكريس للانحراف.ودفع بالأمور نحو الإجماع المستحيل في حق الأمة التي لا يمكن أن يجتمع علماؤها وحكامها على باطل.
3 جاء في الدليل عبارة:"تشغل مكبرات الصوت الخارجية للمسجد مع ضبطها بما لا يسبب الإزعاج في الحالات التالية:
الأذان؛ وفي أذان الفجر تخفض مكبرات الصوت إلى مستوياتها الدنيا، وبدرجة كبيرة في المساجد القريبة من المستشفيات ومن إقامات غير المسلمين".والتساؤل هو:متى كان الآذان مزعجا لمرضى المسلمين،وهم مطالبون كغيرهم للاستجابة للنداء الرباني في الوقت المخصص له بحسب قدرتهم مع تمتعهم بالرخص الواردة في استعمال الماء وفي هيئات الأداء إلا أن يغمى عليهم فلا يكون للحديث عن الإزعاج من معنى ؟
كما أن سماع الآذان من غير المسلم فيه إشعار له بأنه في بلد المسلمين، وأن هذا من دينهم وشعائرهم، وفيه تنبيه له إلى التساؤل عن مغزى هذه الكلمات التي ينادى بها على رؤوس الأشهاد، وتذكية للفضول لديه عسى أن يسأل عن الدين وربما عن الدخول فيه.والآذان بكلماته خير مما يقرع أذنيه من أجراس الكنائس يوم عطلة الأحد لديه إن كان من النصارى،ثم حسب اطلاعي المتواضع لا أعلم في تاريخ المسلمين صدور فتوى تأمر بتخفيظ الآذان حتى لا يسمعه غير المسلم.كما يستغرب هذا الطرح في الوقت الذي تطالب فيه الأقليات المسلمة وتناضل في ديار الكفر حتى تسمع للناس الآذان.
4_جاء في الدليل : "ولكي يتيسر على الخطيب والواعظ استثمار التراث الصوفي في ترسيخ القيم السامية في نفوس الناس، فعليه أن يتحدث انطلاقا مما قدمه المنتسبون إلى التصوف في خدمة الناس في الجوانب الدينية والتعليمية والعلمية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية".
ألا يفتح هذا التوجيه بابا لدخول بعض البدع والانحرافات التي يعج بها تراث التصوف ،وربما ترسيخ بعض المفاهيم السلبية في التواكل والتسليم للظلم حتى ولو كان من مستعمر محتل،إذا لم يحكم ميزان الأخذ ويقيد بضوابط الكتاب والسنة مما لا يحسنه غير الراسخين في العلم، وهو مما لا يتوفر لجميع الخطباء والوعاظ ؟
5_جاء في الدليل القول:" بالحض على احترام القانون " والأولى حسب فهمي أن تكون العبارة أدق أي "الحض على التزام القانون" حتى يحين وقت تعديل المخالف منه للشرع بالطرق القانونية الحضارية،ضمانا للأمن والاستقرار،وإلا كيف يؤمر المسلم باحترام ما يخالف شرع الله ،وهل هناك اطمئنان إلى أن جميع القوانين الصادرة في البلد موافقة للشرع ؟
6_جاء في الدليل: "والتصوف السني اصطلاح و يمثل تيارا ومدرسة للتربية والسلوك في زمن السلف، وقد سار في ركابه أقوام طلقوا الدنيا واعتزلوا غمرات السياسة، وعرفوا برسم الزهد في بداية أمرهم، وكان أعلامهم ممن لزموا الكتاب والسنة، كبشر الحافي، ومالك بن دينار، وأبي سليمان الداراني، والجنيد سيد الطائفة".
فهل بعد أهل الصلاح والتدين عن السياسة مسلك سليم ؟ وإذا انزوى أهل الصلاح أليس فيه خذلان الأمة وتركها فريسة لأهل الفساد ؟ ثم أليس الدفاع عن الاختيارات السياسية الرسمية كما هو مطلوب من الخطباء والوعاظ هو عين السياسة ؟
ثم أليس في قول: ابن عطاء الله السكندري كما جاء في الدليل: «لم يُبق من الجهل شيئا من أراد أن يُظهر في الوقت ما لم يُظهره الله فيه» تكريس للتواكل وعدم المبادرة لتغيير المنكرات ؟ والحال أن المسلم يأخذ بالأسباب الشرعية والله يقدر ما يشاء في الوقت الذي يشاء.
7_جاء في الدليل التوجيه بعدم"المس بمعتقدات أهل الديانات الأخرى".والسؤال الذي يواجه أهل التعليم والإرشاد الديني: ماذا عن ما ورد عن اليهود والنصارى في الكتاب والسنة، وما ورد من تحذير من اتباع مسلكهم في الاعتقاد والعمل، ومن نعت كثير من ذلك منهم بالكفر والضلال وبأنهم مغضوب عليهم وأن عليهم اللعنة ..فهل يتم تحاشي ذلك كله والقفز عليه أم الاكتفاء فقط بذكر إنصافهم والتسامح معهم دون ما سبق من أحكام الشرع في عقائدهم وأعمالهم ؟
وختاما جاء في سبل بلوغ مقاصد الدليل الموجه للأئمة والخطباء والوعاظ ما يلي:" وتقنين أحكام أساسية في مجال فقه العبادات، مما جرى به العمل في المغرب، وشكل خصوصيته الحضارية في هذا المجال، درءا للمفاسد، وتحقيقا للمصلحة، وجمعا للكلمة".
والسؤال :أليس جعل ما ليس بأصل أصلا يعمق الخلاف في الأمة أكثر مما يجمع الكلمة،ذلك أن ما يجمع الكلمة هي الأصول القطعية والفرائض الأساسية والمرونة في النوافل وفضائل الأعمال وقبول تعدد كيفياتها وحتى الاختلاف في أدائها،أما ما أحدثه الناس وله تعلق بالدين فأقصى التسامح معه السكوت عنه وعدم مهاجمته،لا أن يفرض على الناس ويلزموا بالدخول فيه،فما لم يكن زمن الني صلى الله عليه وسلم دينا يصعب جعله في زمن ما بعده من الدين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.