دخل الجيش التونسي بقوة أمس على خط الأزمة التي تعيشها تونس منذ إطاحة الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، فارضاً نفسه "حامياً للعباد والبلاد والثورة"، ومحذراً من أن "ثمة قوى تدعو الى الفراغ، والفراغ يولد الرعب والرعب يولد الدكتاتورية"، في وقت استمرت التظاهرات المطالبة باستقالة الحكومة وخصوصاً أمام القصر الحكومي في العاصمة تونس التي شهدت مواجهات بين الشرطة وآلاف المتظاهرين الذين رفضوا الاستجابة لأوامر الجيش بحظر التجول لليلة الثانية على التوالي. الجنرال الاعلى رتبة في الجيش التونسي رشيد عمار، أعلن امس أمام متظاهرين قرب مقر الحكومة في العاصمة ان الجيش هو "حامي العباد والبلاد والثورة"، وحين سأله احد المتظاهرين عن الضمانات، اجاب "أنا هو، أنا هو". وأضاف الجنرال عمار في محاولة لتهدئة المتظاهرين الذين يطالبون باستقالة الحكومة الموقتة "لا تضيعوا هذه الثورة المجيدة، انا صادق وكل القوات المسلحة صادقة لكي تصل بالسفينة الى شاطئ السلام". وقال رئيس اركان جيش البر الاعلى رتبة في الجيش التونسي مخاطباً المتظاهرين المتجمعين منذ السبت امام مقر الحكومة في العاصمة مطالبين باستقالة الحكومة الموقتة، ان الجيش هو "حامي العباد والبلاد والثورة" التونسية. واضاف الجنرال عمار ان "الجيش حمى ويحمي العباد والبلاد(..) الجيش حامي هذه الثورة". وحرص الجنرال عمار على تأكيد احترام الجيش للدستور التونسي. وقال "نحن مع دستور البلاد وحماة دستور البلاد ولا نخرج عن دستور البلاد". وقال للمتظاهرين "مطالبكم مشروعة"، غير انه دعاهم الى اخلاء ساحة الحكومة محذرا من "ركوب ثورة الياسمين" ومن الفراغ. واضاف "ثورتكم ثورة الشباب ستضيع ويركبها اناس آخرون"، مشيرا الى ان "ثمة قوى تدعو الى الفراغ، والفراغ يولد الرعب والرعب يولد الديكتاتورية". غير ان مئات المتظاهرين تحدوا مجددا مساء أمس حظر التجول وإخلاء ساحة الحكومة بناء على طلب قائد الجيش، وكانوا يستعدون لقضاء ليلة ثانية في ساحة الحكومة وسط برد شديد. وكان احد المتظاهرين في ساحة الحكومة بالقصبة حيث جرت مواجهات محدودة مع شرطة مكافحة الشغب، توعد في النهار بأن يكون مصير القصبة كمصير الباستيل في فرنسا في 1789. ولم يحدث انحسار في موجة الاحتجاجات الذي يبدو ان الحكومة كانت تراهن عليه. واصطدمت جهود الحكومة لاعادة البلاد الى العمل الطبيعي ب"اضراب مفتوح" لمدرسي التعليم الاساسي (ابتدائي واعدادي) لاقى اقبالاً واسعاً للمطالبة برحيل وزراء حكومة بن علي في يوم أمس الذي اعلن موعدا لاستئناف الدراسة المعطلة منذ العاشر من كانون الثاني (يناير) الجاري. كما دعت النقابة العامة للتعليم الثانوي امس الى اضراب يوم الخميس 27 كانون الثاني (يناير) الجاري وإلى تنظيم مسيرات للمطالبة ب"حل الحكومة المنصبة". وأعلن وزير التربية والمتحدث باسم الحكومة التونسية الطيب البكوش أمس، عن تعديل وزاري وشيك "ربما بين اليوم والغد" مع تأكيده "بشكل شخصي" انه مع بقاء الوزراء الذين خدموا بن علي بداعي "استمرارية الدولة". واوضح الوزير "يجب ان لا ننسى ان هناك مناصب وزارية شاغرة"، مذكرا باستقالة خمسة وزراء الاسبوع الماضي هم ثلاثة يمثلون المركزية النقابية وواحد من المعارضة وآخر عضو في التجمع الدستوري الديموقراطي، الحزب الحاكم سابقاً. واضاف البكوش الذي يعتبر شخصية مستقلة منبثقة عن الاوساط النقابية "ربما تكون هناك استقالات جديدة (من الحكومة) وبالتالي سيكون لدينا على الاقل ست حقائب وربما اكثر يتعين توزيعها، وهذا يستدعي بالضرورة تحويرا وزاريا". واشار الى "اتصالات جارية" بهذا الصدد. في هذه الاثناء اجرى ارفع دبلوماسي اميركي لشؤون الشرق الاوسط مساعد وزيرة الخارجية جيفري فيلتمان، مباحثات في تونس مع وزير الخارجية التونسي كمال مرجان. وأقر الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الذي تعرض لانتقادات شديدة بسبب مواقفه خلال "ثورة الياسمين" التي اطاحت بن علي، بأن فرنسا "لم تقدر حجم يأس" الشعب التونسي. وقال ساركوزي أمس "وراء تحرير المرأة وجهود التربية والتأهيل والحيوية الاقتصادية وتبلور طبقة متوسطة، كان هناك يأس ومعاناة وشعور بالاختناق. يجب ان نقر بأننا لم نقدر حجم ذلك". وأعلن القضاء الفرنسي انه فتح تحقيقا حول املاك بن علي والمقربين منه في فرنسا اثر شكوى فساد تقدمت بها ثلاث منظمات غير حكومية قدرت ثروة بن علي والمقربين منه بنحو خمسة مليارات دولار.