الصين التي تعد أكبر دائن عالمي على الإطلاق للولايات المتحدة رأت من ناحيتها أنها ''باتت تملك كل الحقوق لمطالبة الولاياتالمتحدة بالتصدي لمشكلة دينها البنيوية'' كما أوردت وكالة أنباء الصين الجديدة. فقدت الولاياتالمتحدة تصنيفها الائتماني الرفيع ''AAA'' من قبل مؤسسة التصنيف الائتماني ''ستاندرد آند بورز'' أمس الأول في تعديل غير مسبوق لوضع أكبر اقتصاد في العالم، والتي حرمت الولاياتالمتحدة من الدرجة الأعلى للمرة الأولى في تاريخها، مبررة ذلك ''بمخاطر سياسية'' أمام رهانات العجز في الميزانية. وأعلنت ''ستاندرد آند بورز'' في بيان أنها خفضت درجة واحدة علامة الدين العام الأمريكي من ''AAA'' الدرجة الأعلى على الإطلاق، إلى ''AA+''. وأرفقت الوكالة هذا الخفض بتوقعات ''سلبية'' ما يعني أن ''ستاندرد آند بورز'' تعتقد أن التغيير المقبل الذي سيطرأ على هذا التصنيف سيكون للأسوأ وسيتم خفض علامة الدين العام الأمريكي مجددا. وبررت الوكالة قرارها ''بمخاطر سياسية'' مع اتخاذ البلاد إجراءات غير كافية لمواجهة العجز في ميزانيتها. وفي نظرها فإن النقاش السياسي حول هذه المسائل ليس بمستوى المشكلات التي تسبب فيها الدين العام الذي تجاوز 14.500 تريليون دولار. وأوضحت الوكالة أن ''خطة إعادة التوازن إلى الموازنة والتي اتفق عليها أخيرا الكونجرس مع السلطة التنفيذية ليست كافية قياسا بما هو ضروري من وجهة نظرنا، لاستقرار حركة الدين العام على المدى المتوسط''، مستندة إلى القانون المسمى ب ''ضبط الميزانية'' الذي تم التصويت عليه الثلاثاء. وقد احتفظت الولاياتالمتحدة بأعلى درجات تصنيف ستاندارد آند بورز ''AAA'' منذ تأسيس هذه الوكالة في عام 1941. وما زالت كذلك في تصنيف الوكالتين الكبريين الأخريين، ''موديز'' وهي الأقدم و''فيتش ريتينغز''. واتهمت الحكومة الأمريكية وكالة ''ستاندرد آند بورز'' بأنها استندت في قرارها إلى أخطاء خطيرة في الحسابات. وقال متحدث باسم وزارة الخزانة للصحافيين إثر إعلان قرار ستاندارد آند بورز تخفيض تصنيف الدين العام الأمريكي، إن ''تصنيفا مشوبا بخطأ قدره ألفا مليار دولار يتحدث عن نفسه بنفسه''. وأكدت وسائل الإعلام الأمريكية أن الحكومة اعترضت بقوة على توقعات محللي الوكالة بعد أن تفحصت نتائج ستاندارد آند بورز، لكن بدون جدوى. ويتوقع أن يكون لخسارة هذه العلامة الممتازة انعكاسات قاسية في الأسواق المالية يصعب تصورها في الوقت الحاضر. وسندات الخزانة الأمريكية تعتبر مرجعا مسلما به فهي معيار لتكلفة المال وأداة تستخدم عادة ''ضمانة'' في العديد من المعاملات وملجأ للمستثمرين في الفترات المضطربة. وأكد مصرف الأعمال ''جولدمان ساكس'' أخيرا أن ''احتمال انعكاس ذلك على السوق كبير''، لدى تفحصه النتائج المحتملة. ويتوقع أن يرغم خفض علامة الولاياتالمتحدة المستثمرين إلى إعادة تقييم شاملة للمخاطر. وهبط مؤشر ''ستاندرد آند بورز'' 500 بنسبة 10.8 في المائة خلال أيام التعامل العشرة الماضية نتيجة مخاوف من احتمال أن يدخل الاقتصاد الأمريكي فترة كساد أخرى نظرا لتفاقم أزمة الديون الأوروبية مع امتدادها إلى إيطاليا. وتصنف الآن سندات الخزانة الأمريكية التي كان ينظر إليها في الماضي على أنها أفضل أمان في العالم دون نزاع بأقل من السندات التي تصدرها دول مثل بريطانيا أو ألمانيا أو فرنسا أو كندا. ومع تحول تركيز المستثمرين من النقاش في واشنطن إلى مستقبل الاقتصاد العالمي حتى مع احتمال حدوث تخفيض شهدت سندات 30 عاما أفضل أسبوع لها منذ كانون الأول (ديسمبر) 2008 أثناء عمق الأزمة المالية. وهبطت عائدات أسهم عشر سنوات وهي مقياس لمعدلات الاقتراض في الاقتصاد بنسبة 2.34 في المائة أمس الأول وهو أدنى مستوى لها منذ تشرين الأول (أكتوبر) 2010 كما أنه مستوى منخفض جدا أيضا بالمعايير التاريخية. وكانت ستاندرد آند بورز حذرت منذ نيسان (أبريل) من أنها تفكر في خفض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة بسبب استمرار ارتفاع العجز في الموازنة وارتفاع الدين العام. وتأكدت مخاوف الوكالة مع الانقسامات الحادة بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري بشأن الموازنة العامة والتي تجلت في سجالات وخلافات كادت تؤدي بالبلاد إلى التخلف عن السداد لأول مرة في تاريخها، وهي كارثة تجنبتها واشنطن في اللحظة الأخيرة الثلاثاء الماضي بالاتفاق بين البيت الأبيض والكونجرس على رفع سقف الدين العام. وأكد جون تشامبرز رئيس لجنة التقييم في ستاندارد آند بورز عبر شبكة ''سي أن أن'' التلفزيونية أن واشنطن كان بإمكانها تفادي خفض العلامة لو رفعت سقف الدين في وقت أبكر. وقال إن ''أول شيء كان يمكن القيام به هو رفع سقف الدين في الوقت المناسب لتجنب بدء الجدل''. وأضاف أن سقف الدين رفع في الماضي من ستين إلى سبعين مرة ''دون أن يثير ذلك أي جدل''، ملمحا إلى المناقشات الحادة التي جرت في الأسابيع الأخيرة في الكونجرس الأمريكي والبيت الأبيض. وتابع المسؤول نفسه أن مسؤولية ذلك تقع على عاتق الجانبين وعلى إدارة الرئيس باراك أوباما، لكن كذلك على ''الإدارة السابقة''. وردود الفعل الأولى في واشنطن تؤكد الجمود الذي أشارت إليه ستاندارد آند بورز. وهكذا وصف ميت رومني المرشح إلى الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري لاختيار المرشح لخوض الانتخابات الرئاسية، خفض العلامة الأمريكية بأنها ''آخر ضحية لفشل الرئيس اوباما في مجال الاقتصاد''. في المقابل دعا الزعيم الديمقراطي في مجلس الشيوخ هاري ريد إلى ''مقاربة متوازنة لخفض العجز'' مع تخفيف النفقات وأيضا مع زيادة للضرائب على فئات محددة، الأمر الذي رفضه الجمهوريون تحت ضغط المحافظين المتشددين في ''حزب الشاي'' أثناء مناقشات أخيرة حول الدين. ويأتي إعلان ستاندارد آند بورز في وقت أقفلت فيه الأسواق لعطلة نهاية الأسبوع، لكن ردود الفعل الأولى أتت من آسيا. وأكدت اليابان الدولة الثانية في العالم التي تملك ديونا أمريكية، ثقتها في سندات الخزانة الأمريكية واستراتيجيتها لمشتريات هذه السندات لم تتغير. لكن الصين التي تعد أكبر دائن عالمي على الإطلاق للولايات المتحدة رأت من ناحيتها أنها ''باتت تملك كل الحقوق لمطالبة الولاياتالمتحدة بالتصدي لمشكلة دينها البنيوية'' كما أوردت وكالة أنباء الصين الجديدة. وأضافت وكالة أنباء الصين الجديدة في أول تعليق بعد خفض علامة الولاياتالمتحدة أن ''الأيام التي كان بإمكان أمريكا المثقلة بالديون، أن تبدد فيها كميات لا حدود لها من القروض من الخارج تبدو معدودة''. وحذرت من أنه إن لم تجر واشنطن اقتطاعات كبيرة في ''نفقاتها العسكرية الضخمة'' وكذلك في ''تكلفاتها المضخمة للمساعدة الاجتماعية''، فإن خفض علامة ستاندارد آند بورز لن تكون سوى ''مقدمة لتخفيضات أخرى مدمرة للعلامة'' الأمريكية. وقد تأثرت المالية العامة للولايات المتحدة سلبا بالانكماش الكبير الذي مر به اقتصادها من أواخر 2007 إلى منتصف 2009. ومنذ ذلك الحين عاد النمو الاقتصادي للانتعاش لكنه لم يتوصل إلى إعادة العافية إلى المالية العامة. وبحسب تقديرات صندوق النقد الدولي فإنه يتوقع هذا العام مع نحو 9 في المائة من إجمالي الناتج الوطني أن يسجل العجز في الميزانية أعلى نسبة بين دول مجموعة العشرين باستثناء اليابان. وما زالت هناك ست عشرة دولة تحظى بعلامة ''أي أيه أيه'' في تصنيف ستاندارد آند بورز، أربع منها من مجموعة السبع وهي ألمانياوكنداوفرنسا وبريطانيا. -تحديث 7 أغسطس 2011