ضعنا بين اعلام فاجر لايرى في التقدم والنمو الا هتك حياء المرأة وتحويلها الى متاهة جنسية لتخدير الشعوب والحيلولة دون اهتمامها بالقضايا المصيرية , ومن ثمة اعاقة وتدمير مساهمتها الواعية في مشاريع البناء الاجتماعي والاقتصادي والمعرفي الشامل..., أو بين اعلام رجالي يسطو عليه أصحاب "فقه التعبيس والتيئيس" ليحولوا حياتنا الى نغص لايتعدى الحديث عن الموت وعالم البرزخ وأفاعي جهنم .., وفي أحسن الحالات تحويل الاسلام الى فتاوى تستند الى التحريم ثم التحريم ولاشيء غير التحريم...!!! دعونا نتفق أولا على أن الحجاب بمفهومه الحضاري والاسلامي فريضة مطلوبة ومبررة من منطلقات الوحي الصحيح , ومن ثمة فلا شرعية للحاكم والمحكوم في التعدي على اللواتي يرتدينه عن قناعة وتعلق بمقتضيات الرؤية الواعية بقضايا الالتزام ... اشكالية تم حسمها لدى الفقهاء والعلماء والربانيين من منطلقات ثابتة في الدلالة والتأويل , غير أن مقتضيات الحرية وعدم الاكراه في الاختيار الديني والعقدي ترفع الحرج عن اللواتي ذهبن مذهب السفور من منطلقات تتعدد وتتغاير بتعدد المدارس والطرائق المجتمعية.. أدافع عن الحجاب من منظور رؤية وسطية للاسلام , غير أنني أتصدى للوصاية والقهرية حين يصبح فرضه بطرائق القمع والاستبداد نهجا سالكا لدى البعض من أجل الاقناع باسلامية الدولة ونهجها العام .., وعلى العكس من ذلك أقف مناوئا لأنظمة القهر والاستبداد حين تجعل من مناوئة أزياء المرأة المسلمة ركيزة سياسية أساسية في الترويج للائكية الدولة أو لقراءة التحديث القهري والشوفيني لبنية المجتمع ... لنذكر حينئذ بأن التحديث لمجتمعاتنا العربية والاسلامية أكثر من مطلوب , غير أن مجالاته تتعدى عالم الأزياء والأعراف والتقاليد وطرائق الناس في التواصل والاجتماع على أساسات الهوية الوطنية , اذ أن تخلفنا غير مرتبط على الاطلاق بما يرتديه الرجل أو المرأة , أو بماذهبت اليه نحلنا من ملابس وأزياء استقيناها من موروث ديني وخلقي واجتماعي نحترمه... فالمجتمعات الاسلامية لاتعاني من أزمة أزياء بقدر ماأن معاناتها ذات متعلقات بقضايا العلم والمعرفة والتقانة وتطوير منظوماتنا التعليمية والاتصالية والبحثية والادارية والاقتصادية والسياسية... فقضايا الحريات وحقوق الانسان وحقوق المواطنة وحقوق الاجتماع والتنظم والمأسسة والاصلاح الشامل , تظل بيت القصيد في مجتمعات عربية اسلامية تخلفت علومها وتقانتها واقتصادياتها وارادتها وحصانة تخومها حين تخلف العقل المسلم وبات محور البحث فيه مرتبطا بهوامش جزئية وغير محددة في طرائق ومسالك الاحياء والالتحاق بركب الأمم المتقدمة ... نخب سياسية تلبست عليها طرائق ومسالك النهضة الحقيقية , فربطت تقدمنا وصعودنا من أنفاق التخلف والمرض والفقر والانحطاط بمحاربة الحجاب ...! , أو على العكس من ذلك نظم أخرى شغلت الشعوب وأقعدتها بالبحث في قضايا التسوك والالتحاء وارتداء القمصان الطويلة وارتداء السواد الكامل بالنسبة للنساء المسلمات ؟! تاهت شعوبنا بين لائكيات متطرفة أو مستبدة , وبين نظرة اسلامية جائرة استندت الى باب خلفي من أبواب التشريع .., فانشغل رجالات الشرطة بمهام انحرفت عن وظائف حفظ الأمن والاستقرار وضمان سير الدولة وفق أحكام وقواعد القانون والمؤسسات ... خياران فرضا علينا بدوافع علمانية يعقوبية تارة أولى , أو بدوافع سلفية منغلقة , لم تر في الاسلام الا لباس المرأة ولحية الرجل وطرائق استياكه تارة أخرى... أما بنية العقل المسلم وحجم المعارف فيه وماحدث للناس من قضايا وحاجات , ومايتطلبه عالمنا من ثورات علمية وتقنية , مع الحفاظ على الذات الأخلاقية الأساسية وتهذيبها بروح الاسلام السمحاء وثروته العظيمة في بناء الكيان الفردي والجماعي , فذاك اخر ماتتجه له الطاقات والامكانات والثروات ... ضعنا بين اعلام فاجر لايرى في التقدم والنمو الا هتك حياء المرأة وتحويلها الى متاهة جنسية لتخدير الشعوب والحيلولة دون اهتمامها بالقضايا المصيرية , ومن ثمة اعاقة وتدمير مساهمتها الواعية في مشاريع البناء الاجتماعي والاقتصادي والمعرفي الشامل..., أو بين اعلام رجالي يسطو عليه أصحاب "فقه التعبيس والتيئيس" ليحولوا حياتنا الى نغص لايتعدى الحديث عن الموت وعالم البرزخ وأفاعي جهنم .., وفي أحسن الحالات تحويل الاسلام الى فتاوى تستند الى التحريم ثم التحريم ولاشيء غير التحريم...!!! أما أن نعود بالاسلام الى سيرته الأولى , سيرة - اقرأ- التى كانت أول ماشرف جبريل وحيا بالنزول على محمد صلى الله عليه وسلم , فذاك مما تغفل عنه مئات الملايين من العرب والمسلمين..! وعودة الى قضية النقاب , والمقصود به ماتضعه بعض النساء المسلمات من غطاء على وجوههن , فانني أرى بأن الأصل في النص ماثبته دليل قاطع من القران والسنة , ومن ثمة فان اجتهادات الفقهاء تخضع في الغرض الى البئة والمجتمع , وهو مايعني أن اثارة هذه القضية وجعلها رحى احترام الاسلام وتقدمه في بلاد الغرب مسألة مغلوطة من الأساس , مع تأكيدي على ضرورة احترام الجميع للحجاب الذي يكشف عن الوجه والكفين , لأن فيه تثبيتا لكيان المرأة المسلمة وتعريفا بهويتها للعالم والتزاما بجلي الشرع ..., مع الحاح مواز على حق المجتمعات البشرية في اختيار أزيائها المحلية والوطنية حتى وان خالفت مايذهب اليه المسلمون في عقائدهم وشرائعهم.. وحينئذ فان التأكيد على النقاب في "المنطوق الاسلامي" لدى البعض من شأنه أن يعكس سوء قراءة للنص الديني ومقاصده , كما من شأنه أن يثير الفزع لدى المخالفين من أصحاب العقائد الأخرى , بل انه في تقديري الديني والعقلي ينزع عن المرأة المسلمة التكريم الالهي حين يعطل حاستين رئيستين لديها وهما حاستا النظر والشم , بل انه يظهرها بمظهر الكيان غير المرغوب فيه والطاقة المعطلة ... , فيكفي أن ننظر الى كيانها المتهم بالسواد لنعلم أن عقولا اسلامية معطلة حالت دون حقها في المشاركة والحياة الفاعلة الى جانب أخيها الرجل... واذا كانت البئة المجتمعية تتسع لارتداء النقاب في بلاد العرب والمسلمين , من منظور ماجبلت عليه بعض المجتمعات من مزيج بين العرفي والديني كما هو حال الكثيرات في بلاد الجزيرة العربية واليمن وبعض البلاد الأخرى ..., فان التنقب يصبح في بلاد الغرب مثار فزع المجتمعات الأصلية حين يعبر عن نزعة انطوائية وذهنية غير عاقلة في مجتمعات قامت نهضتها على اعمال العقل بدل تعطيله أو حصره في زوايا قاتمة ومسيئة للاسلام كما صورته عن المرأة... النقاب لم يكن ركنا من أركان الاسلام وعمودا فقريا في تاريخ نهضة المسلمين , واذا حولناه الى ركن من أركان الايمان وركيزة من ركائز صحته فاننا لم نفهم دورنا في الوجود ودواعي مساهمة المرأة في قضايا الاستخلاف... أزمة العقل المسلم نراها اليوم تزيح الحياء والخصوصية لتحارب الحجاب بدعاوى تحديثية مغلوطة ! , أو تحول النقاب الى ركن من أركان الايمان لتجعل قلق الغرب من اساءته للمرأة حجة جديدة لترويج نظرية الحرب الشاملة على الاسلام ! , وبينهما توسط في الفكر والرؤية ونباهة في العقل ويقظة في فهم النصوص مازال العالم الاسلامي يبحث عنها ! حرره مرسل الكسيبي بتاريخ 18 ماي 2010 - 5 جمادى الثانية 1431 ه . *كاتب واعلامي تونسي مقيم بألمانيا