لم أعرف الرجل لا من قريب ولا من بعيد، ولم يحصل لي شرف ملاقاته، وهذا من عيب المَهَاجر ومن مخلفات المنافي... عرفت الشيخ لما دخل معي في حوار شيق على الإنترنت حول التحاق بعض الإسلاميين بأحزاب المعارضة سنة 2003، وكنت رافضا لهذا الانسحاب والتخلي عن المشروع الإسلامي، وكان الشيخ الفاضل شفاه الله مدافعا عن هذا الالتحاق وكان لكل منا دوافعه ومراجعه، ولم يكن الاختلاف إلا تعبيرا عن حرية الرأي والسعي إلى خدمة المشروع الوطني للتغيير. كان الشيخ الكريم محبا للحوار الفكري وساعيا إلى مجاذبة أطرافه وإلى إيجاد القنوات لذلك. [email protected] لعل أتعس ما يعترض الفرد في مشوار حياته تلك اللحظات الغامضة والمرعبة التي لا يسبقها إنذار ولا انتظار ولكنها تطرق الباب دون استئذان وتحل ببيتك دون سابق إعلام، لم أكن أظن وأنا أعود من سفري أن يسبقني هذا الخبر المؤلم والمزعج عن مرض الشيخ الفاضل صالح كركر، لم ينتبني مثل هذا الشعور الغامض من أن أحدا من أفراد أسرتك قد نالته هذه المأساة، ولقد صفعني هذا الحدث وذكرني بأن كل تونسي هو جزء من هذه الأسرة وأن حق الجيرة والأخوة والمواطنة واجب يحمله الجميع للجميع مهما تعددت الرؤى وتشعبت الاختلافات، وأن المعارض والمنفي الذي ظلمه الأهل والعشيرة، ورماه الوطن جورا وعدوانا، وناله صقيع الغربة وغياب الأم والحي والبلد، ليس وحيدا في ظلامه، ليس وحيدا في مرضه، ليس وحيدا في مشواره، وأن المعارض للمعارض رحمة وسند ! لم أعرف الرجل لا من قريب ولا من بعيد، ولم يحصل لي شرف ملاقاته، وهذا من عيب المَهَاجر ومن مخلفات المنافي... عرفت الشيخ لما دخل معي في حوار شيق على الإنترنت حول التحاق بعض الإسلاميين بأحزاب المعارضة سنة 2003، وكنت رافضا لهذا الانسحاب والتخلي عن المشروع الإسلامي، وكان الشيخ الفاضل شفاه الله مدافعا عن هذا الالتحاق وكان لكل منا دوافعه ومراجعه، ولم يكن الاختلاف إلا تعبيرا عن حرية الرأي والسعي إلى خدمة المشروع الوطني للتغيير. كان الشيخ الكريم محبا للحوار الفكري وساعيا إلى مجاذبة أطرافه وإلى إيجاد القنوات لذلك. يبتلى المرء بقدر إيمانه، إيمانه بقضيته، إيمانه بربه، إيمانه بمبادئه وثوابته...كان الشيخ مبتلى في أسرته فهو لم يرها إلا من بعيد، ولم ينعم بتربية أولاده ولم ينعموا بحنان صدره طيلة عقد من الزمن وهو على مرمى من حيهم، وصبر الشيخ وصبر الأهل... وابتلي الشيخ في حركته، فهو الذي كان من مؤسسيها الأوائل ثم أقيل منها وغادرها، ولكم رأيت وأنا أطالع بعض ما كتبه الشيخ من نقد ومراجعة تجاه من صحبه في بداية المشوار، ذلك الألم المخفي بين السطور وتلك المرارة التي عجز قلمه أن يتجنبها، وصبر الشيخ على مضض... وابتلي الشيخ في مشروعه، فالمنفى لم يكن يساعد على ملئ فراغ البلاد وتهيئة المناخ السليم والضروري لتنزيل التنظير وملامسة الجماهير التي كانت قريبة منه أيام العز، وصبر الشيح وواصل المشوار... وها هو الشيخ يبتلى في جسده مرميا في غيبوبة ولا نخاله إلا صابرا، ولا نراه إلا صامدا، وعجبا للمؤمن فإن أمره كله خير إن أصابه خير شكر فكان خيرا له وإن أصابته مصيبة صبر فكان خيرا له..، وتلك الأيام نداولها بين الناس...، ومن الناس رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر..، فصبرا عم صالح فالصبح قريب، وصبرا آل كركر فإن موعدكم الفرج وإن الله غالب على أمره. هذه كلمات عاجلة ومبتورة، لا نرى أنها استوفت حق الشيخ الفاضل وهو على فراش المرض ولكنها آهات الألم المكنون في صدورنا ونحن نتألم لهذا المصاب الجلل، ويبقى أملنا ورجاءنا في الله كبير أن يحفظ الشيخ الفاضل ويعيده لأهله وذويه. باريس في 29 جانفي 2005 -أعيد النشر على الوسط التونسية بتاريخ 24 جوان 2012