عاجل/ نشوب حريقين بنفزة وباجة الشمالية وحالة تأهب بداية من اليوم..    اندلاع حريق بمزرعة قمح وشعير في الكاف    احالة يوتيوبر عربي وزوجته على القضاء    يوم 10 جوان.. انطلاق موسم الحصاد بمعتمديتي بلطة بوعوان و فرنانة    نقطة بيع الأضاحي بالميزان في وادي الليل و هذه التفاصيل    عاجل/من أجل فساد مالي وغسيل أموال: هذا ما تقرر في حق رجل الاعمال حاتم الشعبوني وثلاث اطارات بنكية..    مباراة ودية: الملعب التونسي يحقق الإنتصار أمام الأخضر الليبي    وزيرة الإقتصاد تتباحث مع وفد من الشركة السعودية الصينية SABATCO فرص الإستثمار والشراكة.    أبرز اهتمامات الصحف التونسية ليوم السبت 8 جوان 2024    نحو 11 ألف تونسي يستعدون للحج .. الثلاثاء آخر الرحلات باتجاه البقاع المقدسة    عاجل/ وفاة حاج تونسي في مكة..    تطاوين الديوانة تحبط محاولة تهريب كمية هامة من السجائر بقيمة تفوق ال1.2 مليون دينار.    الجلسة العامة السنوية للشركة التونسية للبنك: مؤشرات مرضية و آفاق واعدة    سعيّد والدبيبة يتباحثان إعادة فتح معبر رأس جدير    موعد جديد لنزال تايسون و'اليوتوبر' جيك بول    رئيس الجمهورية يثير مجددا ملف الشيك دون رصيد    وفاة رائد الفضاء وليام أندرس في حادث تحطم طائرة    قيس سعيد : يجب احترام كل أحكام العملية الانتخابية    بخلفية ثأرية: المنتخب الوطني في مواجهة قوية امام نظيره الناميبي    طقس: بعض الامطار المتفرقة بعد الظهر على المناطق الغربية بالشمال والوسط    نحو 11 ألف تونسي يستعدون للحج .. الثلاثاء آخر الرحلات باتجاه البقاع المقدسة    عاجل/انتشال 11 جثة مهاجر غير شرعي من البحر قبالة سواحل ليبيا    الفلبين: تحظر واردات الدواجن من أستراليا لهذه الأسباب    جندوبة تحتفل باليوم العالمي لسلامة الأغذية تحت شعار "تأهّب لغير المتوقع "    خلال لقائه بالحشاني..سعيّد يطلع على نتائج مشاركة تونس في القمة الكورية الإفريقية (فيديو)    تداول صور فضائية لآثار قصف "انصار الله" لحاملة طائرات أمريكية    جيش الإحتلال يبحث عن متطوعين للقتال معه في غزة    بداية من الإثنين.. المبلغون عن الفساد في اعتصام مفتوح    مدرب البرتغال يكشف للملأ انطباعه عن رونالدو    محمد كوكة أفضل ممثل في مسرحية كاليغولا بالمسرح البلدي بالعاصمة    الفنان والحرفي الطيب زيود ل«الشروق» منجزاتي الفنية... إحياء للهوية بروح التجديد    في صالون الرواق جوهرة سوسة .. معرض «مشاعر بالألوان» للفنان التشكيلي محمود عمامو    من أعلام تونس .. الشيخ إبراهيم بن الحاج معمر السلطاني ..أوّل إمام لأوّل جامع في غار الدماء سنة 1931    بعد 17 عاما في السجن.. رجل متهم بالاغتصاب يحصل على البراءة    علي مرابط يشيد بدور الخبرات والكفاءات التونسية في مجال أمراض القلب والشرايين    وزارة التربية: 159 حالة غش خلال اليومين الأولين لاختبارات الباكالوريا    مريم بن مامي: ''المهزلة الّي صارت في دبي اتكشفت''    يوم تحسيسي حول المستجدات الدولية والوطنية في مجال مكافحة المنشطات    بقيادة مدرّب تونسي: منتخب فلسطين يتأهل الى مونديال 2026    الحرارة تكون عند مستوى 31 درجة هذه الليلة بالجنوب    مسؤول بال"شيمينو": هذا موعد عودة نقل المسافرين بالقطار بين تونس والجزائر    قبلي: انطلاق فعاليات المنتدى الاقليمي حول فقر الدم الوراثي بمناطق الجنوب التونسي    الرابحي: قانون 2019 للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية فرض عدة إجراءات والتزامات على مُسدي الخدمات    نابل: رفع 28 مخالفة واقتراح غلق 3 محلات لبيع اللحوم الحمراء    تشيلسي يتعاقد مع مدافع فولهام أدارابيويو    مناسك الحج بالترتيب...من الإحرام حتى طواف الوداع    الإعلان عن موعد عيد الاضحى.. هذه الدول التي خالفت السعودية    نظّمه المستشفى المحلي بالكريب: يوم تكويني لفائدة أعوان وإطارات الدائرة الصحية بالمكان    موعد صيام يوم عرفة...وفضله    تطاوين : بدء الاستعدادات لتنظيم الدورة السابعة للمهرجان الدولي للمونودراما وإسبانيا ضيف شرف    البريد التونسي يُغطّي 25 % من قيمة الادخار الوطني    المنتخب الوطني التونسي يصل إلى جنوب إفريقيا    اكتشاف السبب الرئيسي لمرض مزمن يصيب الملايين حول العالم    هند صبري تلفت الأنظار في النسخة العربية لمسلسل عالمي    الإعلان عن الفائزين في المسابقة الوطنية لفن السيرك    مُفتي الجمهورية : عيد الإضحى يوم الأحد 16 جوان    عاجل/ قرار قضائي بمنع حفل "تذكّر ذكرى" المبرمج الليلة    اليوم رصد هلال شهر ذي الحجة 1445    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشيخ راشد الغنوشي في ندوة دار الأهرام :‏ نحن دعاة توافق‏
نشر في الوسط التونسية يوم 08 - 07 - 2012

أدار الندوة‏:‏ صلاح النقيب كتب ورقة الحوار‏:‏ محمد مطر أعدتها للنشر‏:‏ أسماء الحسيني
الشيخ راشد الغنوشي سياسي ومفكر إسلامي تونسي‏,‏ زعيم حزب النهضة التونسية ونائب رئيس الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين‏, خاض معركة نضال طويلة ضد الحكم الديكتاتوري للرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي,
وحوكم وسجن مرات عديدة ثم نفي خارج بلاده, التي عاد إليها مؤخرا بعد نجاح الثورة بعد21 عاما.وهو مفكر وكاتب طرح منذ وقت مبكر العديد من الأفكار والرؤي والأطروحات التي تميزت بالجرأة والعقلانية والتسامح والتصالح والإنفتاح علي الآخر..الغنوشي لبي دعوة الأهرام خلال زيارته الأخيرة السريعة للقاهرة, وجلس يحاور صحفييها وكتابها لأكثر من ثلاث ساعات, لم تغادره خلالها إبتسامته أو إنصاته العميق لمحاوريه, وتحدث بقدر كبير من الصراحة, ورد بهدوء وود وغير تكلف أو تعقيد علي هواجس دفينة وتساؤلات حيري, ورسالته الرئيسية للأطراف جميعا في مصر هي التوافق والمصالحة... وقد بدا متصالحا مع نفسه متقبلا للاختلاف في الرأي, سعيدا بوجوده في القاهرة وبانتصار ثورات الربيع العربي.
في بداية الندوة تحدث الشيخ راشد الغنوشي المفكر الإسلامي وزعيم حزب النهضة التونسي:, فقال أجدني مفعما بالمشاعر في الأهرام القلعة الإعلامية والفكرية التي كان لها الاثر الكبير في مصر والمنطقة, بما تحويه من قامات فكرية عالية, ويزيد هذه اللحظة التاريخية أهمية ما تمر به مصر من تطورات نوعية, لم أستطع أن أتحمل أن أكون خارج مصر هذه الأيام لأهمية التطورات الكبيرة, ولم أحب أن أحرم نفسي من أكون مع الشعب المصري في الإحتفال بإجتياز العقبات, وخروجه سالما منصورا, فقد مرت الثورة في مصر بإمتحان عسير, كاد يلقي بها في المجهول, ومصر لها أهمية خاصة بالنسبة لنا, فكل ما تصيبه من خير ينعكس علي المنطقة كلها بالخير, ولذلك فالأحداث التي تمر بمصر ليست خاصة بها وحدها, وهذا شرف لمصر ومسئولية عليها في نفس الوقت, صحيح أن الثورة انطلقت في تونس أولا, ولكنها لم تكن لتطمئن علي نفسها تأمن إلا بعد اندلاع الثورة المصرية, لتكونا معا حريقا كبيرا في المنطقة ضد الفساد والديكتاتورية.
جئت إلي مصر لأحتفل, وأعتبر القسم الذي أداه الرئيس محمد مرسي في ميدان التحرير حدثا عظيما, فلأول مرة في تاريخ مصر والمنطقة يتولي زعيم السلطة من الميدان, ويؤدي القسم مؤكدا أنه يستمد سلطته من الميدان, وهو حدث غير مسبوق في المنطقة تستحقه مصر بتاريخها ومكانتها. وقد كنت أتابع الوضع في مصر, وأري أن العداد يسير بسرعة بإتجاه التغيير, وكنت أتوقع أن تنطلق الثورة في مصر أولا, ثم تتبعها تونس, ولكن حدث العكس, وقيام الثورة في القطر الأصغر أسهل
لأهرام: هل تعتقد أن الثورة المصرية عبرت المخاطر المحدقة بها ؟
إن الثورة المصرية كانت تواجه خطر العودة للديكتاتورية أو الثورة المضادة, ولو أن الأحداث سارت في طريق آخر كانت مصر ستدخل في حالة إرتباك شديد أو فوضي, لأن شباب مصر لم يكونوا ليرضوا بعودة رموز العهد القديم, وقد ذهبنا في تونس نحتفل بنتائج الإنتخابات الرئاسية, ونحن نشعر أنها لحظة تاريخية تتعلق بنا. وقد كان الوضع عندنا في تونس مختلفا, فلا مجال في تونس للمنافسة بين قوي الثورة ورموز العهد البائد, ونحن دعاة توافق, والثورة تحتاج لعقلية التوافق, لكن التوافق يجب أن يكون مع دعاة الثورة, وليس مع رموز النظام القديم الذين منعوا بلدنا أن تتطور في وجودهم, ولو قارنا أوضاعنا مع الوضع التركي, نجد أنه رغم حكم العسكر في تركيا فإنهم سمحوا بوجود مجتمع مدني قوي وتعددية سمحت للحركة الإسلامية في النهاية بالوصول إلي السلطة, أما العسكر في مجتمعاتنا فلم يتركوا لمجتمعاتنا فرصة للتطور في إطار ديمقراطي, بل وفرضوا علي بعض مواطنيهم إمتشاق السلاح, إلي أن هدي الله الشعوب إلي اسلوب آخر أو طريق ثالث وهو طريق الثورة السلمية, وكان الجدل دائرا في مجتمعاتنا بين المصلحين ودعاة العمل المسلح, ولذلك فإن الذين منعوا مجتمعاتنا من التطور ليسوا ولا ينبغي أن يكونوا جديرين بالمنافسة مع أنصار الثورة, صحيح أنه تم حل أكثر من حزب في تركيا, لكنه كان يتم حل الحزب, وفي اليوم التالي ينشأ حزب آخر في نفس المكان, أما عندنا فعندما يحظر حزب فإن تكاليف ذلك لم تكن هينة.
إن العدالة الإنتقالية تفسح المجال أمام قوي الثورة لكي تعيد بناء الدولة, ولا يحتكر ذلك حزب أو جماعة, والحساب أو العقاب الجماعي ممنوع, لكن لابد أن ينال كل فرد نصيبه علي ما اقترفت يداه من فساد, وقد اسسنا في تونس مجلس تاسيسي لم يشارك فيه الحزب المنحل, ولايضم إلا القوي الثورية إسلامية ويسارية وقومية, واليوم هناك مشروع قانون جديد قدمه حزب الرئيس المنصف المرزوقي للمجلس التاسيسي من أجل حظر القوي المعادية للثورة وحزب التجمع الدستوري المنحل من المشاركة في الإنتخابات القادمة لحماية الثورة, ومن حق الثورة حماية نفسها من قوي الثورة المضادة, وهذا يلزم قوي الثورة بأن تسود بينها روح النعاون, وأن تنتفي روح الإستئثار والإحتكار والإنفراد.
الأهرام: لكن البعض يخشي أن تحتكر القوي الإسلامية المشهد السياسي المصري والعربي ؟
الإسلاميون بدوا القوة الرئيسية في المشهد, وهذا أمر طبيعي, فقد كانوا خلال الخمسين عاما الماضية الأكثر تعرضا للإضطهاد,وهم العناصر الأكثر إستعداد للتضحية, والثورات العربية تعود بمجتمعاتنا لأصولها, والشعب المصري متدين بطبيعته منذ آلاف السنين, لذا فإن التيار الإسلامي بأجنحته المختلفة هو الأكثر تعبيرا عن المخزون الحضاري للأمة, ومع ذلك فإن هذا لايعطيه مشروعية احتكار المشهد والإعتماد علي أنه الأغلبية, وأنه يحق له تبعا لذلك إعطاء نفسه مشروعية الإنفراد بالسلطة, ورغم أن الديمقراطية تمنح السلطة لمن يحوز50%+1 من الأصوات في الإنتخابات, إلا أن هناك حاجة أكبر لتوسيع القوي المشاركة في الثورة من أجل الدفاع عنها, فلا تكفي أو يمكن معارضة الديكتاتورية بمشاريع متباينة, وذلك حتي تطمئن كل الأطراف لإقامة نظام ديمقراطي تعددي لايقصي أحدا ويحقق المساواة في العلاقة بين الجنسين وفقا لمدونة الأحوال الشخصية التي صدر في بداية الإستقلال, بإعتبارها مكسبا وطنيا ينبغي الإتفاق عليها, كما تم الإتفاق علي الثقافة العربية والإسلامية ومباديء حقوق الإنسان, ولم نجد صعوبة في الإتفاق مع حزبين كبيرين, لنا معهم علاقة منذ أيام المعارضة, ولم نضيع وقتا, فكانت هناك أرضية ثقافية متوافرة, وقدرنا ألا نعتمد مع شركائنا نظام المحاصصة, وفقا للنسب التي حصلنا عليها في الإنتخابات, وقمنا بإقتسام الرئاسات الثلاثة, وكان يمكن لحزبنا النهضة جمع أكثر من رئاسة لكننا لم نفعل, وكذلك حدث نوع من التقاسم الكريم في كل المناصب والوزارات.
الأهرام: هل تعتقد أن الصراع في تونس قد حسم... وهل هناك تشابه بين التجربتين المصرية والتونسية ؟
أعتقد أن الحكم الإئتلافي أصعب أنواع الحكم, لأنه يكون له أكثر من رأس, والسلطة كما الإنسان تحتاج إلي تواءم, ولكن الأمور تسير حتي الآن بنوع من التوافق, في ظل بلد محكوم ب3 أحزاب, وبدت تلك الصيغة مقبولة علي المستوي الدولي, ونفت عن الإسلاميين تهمة الإستحواذ, ومثل عامل اطمئنان للأقليات الفكرية والأيدولوجية, وهذا الشكل منع الإستقطاب الأيدولوجي, وقد اختار أحد الأحزاب القديمة أن يدخل معارضا النهضة, بإعتباره مشروعا حداثيا يقوده الآخر الأصولي, وكنا في النهضة نري خطر هذا الإستقطاب الأيدولوجي, ونري أن الإستقطاب ليس كما يراه البعض علمانيا إسلاميا, بل نراه بين قوي الثورة والقوي المضادة لها.
وإنتصار الثورة في تونس لايعني أن الصراع انتهي, فهو صراع متعدد بين القوي الحاكمة وحزب التجمع المنحل, الذي اتخذ أسماء جديدة تندد بالإقصاء, وكل مشروع ضد القوي المضادة للثورة يصنف بأنه إقصائي, ولعل شيء من ذلك وقع في مصر, فهناك تشابه كبير بين البلدين, فطبيعتهما مدينية, وهناك تشابه كبير بينهما منذ القرن ال19, وقد شهدتا قيام حركات إصلاحية, وبهما ميل نحو العمل السلمي وليس العنيف, والحركات الإسلامية في البلدين تتشابهان كذلك في ميلهما للوسطية وعدم الميل للدعوة العنف. وقد تولي جيش مصر الحكم لأكثر من50 عاما, بينما جيش تونس لاصلة له بالعمل السياسي. وهناك تشابه أيضا في المشكلة الإقتصادية بين البلدية, وهناك نسبة بطالة في كليهما, وليس هناك تقاليد راسخة في البلدين في إدارة التعددية.
الأهرام البعض يري أن الإحتقانات والتظاهرات المتصاعدة في تونس تهدد إستقرار الأوضاع وتجعل ثورتها في خطر ؟
النظام التونسي السابق كان قائما علي الخوف, وبسقوطه سقطت الدولة البوليسية, فسادت الفترة الإنتقالية بعد ذلك الإضرابات والإعتصامات وقطع الطرق, وزاردت المشكلات الإجتماعية والبطالة, وهو الأمر الذي تستغله بعض الأطراف للدفع نحو الفوضي, وستنتهي الفترة الإنتقالية الحالية خلال عام يقر خلاله الدستور,وبعدها تجري إنتخابات برلمانية ورئاسية, وليس هناك إتفاق بعد حول شكل الحكم المقبل إن كان سيكون رئاسيا أم برلمانيا.... لم تنقطع المظاهرات في تونس, والأوضاع الإقتصادية صعبة, وتوقعات الناس أصبحت كبيرة, وقد نفذ صبرهم, ولم تحقق السنة الأخيرة شيئا للناس في معاشهم, بل وازداد حجم البطالة من نصف مليون عاطل إلي800 ألف عاطل, كما ارتفعت الأسعار, بسبب الإعتصامات والإضرابات, وأيضا بسبب البضائع التي يتم تصديرها بشكل فوضوي لليبيا... في الواقع لدينا جرحي الثورة, وجرحي الإنتخابات, وجرحي الإنتخابات ينتقمون من الفائزين من خلال إثارة الأوضاع الإقتصادية, لكن هذا جزء فقط من المشهد العام, الذي يتميز بالإستقرار, ولن يصل الأمر إلي مستوي تهديد الأمن العام في البلد, والثورة قامت ضد الأمن الذي يعذب ويعتقل ويرتشي, وهناك نقمة شديدة عليه, والآن تحتاجه لتحقيق الأمن, والبلد يحتاج مشروعا كبيرا لإصلاح الأمن, وحكومة الباجي لم تحاسب أحدا, ومن المفترض أن تقوم الحكومة الجديدة بفتح ملف العدالة الإنتقالية, بعيدا عن الإنتقام, ونحن الآن في طور التحضير لذلك.
الأهرام: كيف تنظر للإنقسامات داخل الإسلاميين.. وكيف سيتسامحون مع من هم خارجهم وهم لايتسامحون مع بعضهم بعضا عند الإختلاف ؟
في الغرب تشكلت ثقافة ومؤسسات جعلت الحكم ديمقراطيا, وكوني أتسامح مع الآخرين هناك لايتعلق بشخصي, بل بوجود مؤسسات تحرم العدوان وتوقف المعتدي عند حده, وحرية الإختلاف سمح الله بها بين البشر.
الأهرام هل من المفترض أن يفرض الإسلاميون عند وصولهم للحكم الحجاب علي النساء أو يحرموا أمورا أخري ؟
مهمة الدولة توفير الأمن لمواطنيها, وليس حملهم علي نمط معين من الحياة, ولايجب أن يفرض علي النساء نمط محدد في معيشتهن أو لباسهن, ولو ذهبت الآن إلي شواطيء تونس ستجدها لم تتغير عن ذي قبل, فما زالت أنماط الأزياء التي ترتديها النساء علي الشواطيء موجودة كما هي, وربما جد عليها جديد. والقانون الآن لابد أن ينطبق علي الجميع, وكل من يعتدي علي الآخرين لابد أن يعاقب, وليس لأحد فرض أو منع لباس أو طعام أو شراب عن الآخرين.
الأهرام: هل اتصلت الحركات الإسلامية بالغرب للتفاهم معه أثناء اندلاع الثورات العربية ؟
هل المقصود أن الحركات الإسلامية وقعت عقودا مع الغرب... هذا إتهام خطير, يظهر الثورات العربية وكأنها مؤامرة علي الحكم, وليست مبادرات من شعوبنا... وهذا غير صحيح, فلا أحد يشك أن حسني مبارك كان قطعة ثمينة للغرب وكنز إستراتيجي لإسرائيل كما عبرت قياداتها, وكذلك كان الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي, ونحن نتابع ماتنشره الصحافة الإسرائيلية عن هذه الثورات, وماتتحسب له من أخطار, ولم أعلم أن أي حركة إسلامية في مصر أو تونس وقعت إتفاقا مع قوة أجنبية, لكن ما أنا متيقن منه أن هذه الثورات هي مبادرات من شعوبنا,وأن القوي الغربية بدأت تبحث عن مصالحها مع الحكام الجدد, الذين هم ليسوا عدميين أثوريين بالقدر الذي سيدفعهم ليشنوا حربا علي الغرب, لأنهم ثاروا من أجل إصلاح أوضاعهم الداخلية, وأبدوا استعدادهم للتعاون مع العالم كله علي قدم المساواة.
الأهرام: وهل تتطور الحركات الإسلامية ؟
الحركات الإسلامية لاتعيش في فراغ, ففي الخمسينات والستينات نشأ فكر التطرف والتكفير في صفوف الإسلاميين في السجون تحت سياط التعذيب, وتلك المجموعات المتطرفة التي قامت بالأعمال المسلحة والتخريب, وبعد30 عاما رأينا الإسلاميين في مجلس الشعب.
الأهرام وكيف تتعاملون في تونس مع المجموعات السلفية ؟
عندنا في تونس بعض مجموعات من الشباب المتطرف, ونحن نحاول أن نغريهم بالعمل في الإطار السياسي والمشاركة في الإنتخابات, والديمقراطية ليست آلية سياسية فقط, بل ايضا عملية تربوية يجب ان يستدرج أعداؤها لحماها, وفي السياسة كل شيء نسبي, وموازنة بين المصالح والمفاسد, أما عند المتطرف فليس هناك إلا المتناقضات الخير والشر والحق والباطل والنور والظلام,وبمجرد الاختلاط بالعمل السياسي نجد أن كل ماهو متصور لايمكن أن يتحول إلي واقع... و هناك لاشك تطور في الظاهرة الإسلامية, وربما بل المؤكد أن ظواهر التطرف في الحركة الإسلامية وربما أيضا قبلها في الحركة اليسارية هي رد فعل علي التطرف في داخل السلطات الحاكمة,والآن وقد زالت الديكتاتوريات, ومن المنتظر أن يتوازن مجتمعنا, وينتج ظواهر إيجابية في مناخات صحية, عكس الظواهر المنحرفة والمعوجة التي ظهرت من قبل, فالآن لم يعد هناك قمع للحريات ولاسجون ولامعتقلات لتنتج متطرفين, والآن الحقوق متاحة للتعبير والتظاهر وتكوين الأحزاب, وهذا سيجعل مجتمعاتنا أكثر توازن, وأسباب التشدد ستزول, وبالتالي إذا بقيت مجموعات صغيرة متطرفة, فستكون مماثلة لما في كل المجتمعات, ولكنها لاتمثل الجسم الكلي الصحي الذي يعمل في إطار القانون, والتاريخ الإسلامي عرف الزنادقة والخوارج بعد إنحراف الحكم الإسلامي من خلافة راشدة إلي ملك عضود, والتصوف كان أيضا رد فعل, ولكن عندما تعتدل المجتمعات ستنشأ ظواهر صحية, وأهم خاسر في الثورات العربية هو تنظيم القاعدة, الذي كان يعيب مشاركة إسلاميين في أنظمة حكم فاسدة وظالمة, ويدعونهم للتغيير بالقوة كما تفعل, وهو الأمر الذي أدي لإحتلال أكثر من قطر عربي وإسلامي, في العراق والصومال وأفغانستان, حتي جاءت الثورات العربية وفتحت طريقا ثالثا, وهذاالطريق غير خلال سنة واحدة أكثر من نظام عربي, وهناك أنظمة أخري في الطريق, وفرض منهج التغيير السلمي, وقد أصبح له نتائج فعلية, و سيصبح له مزيدا من الأنصار.
الأهرام: هل ثورات الربيع العربي نهاية لمشروع الشرق الأوسط الجديد ؟
التخوفات في الكيان الصهيوني كبيرة, وهناك زمن جديد دخل المنطقة, وزمن التطبيع انتهي.
الأهرام هل تؤثر قضية تسليم البغدادي المحمودي آخر رئيس وزراء في عهد القذافي للسلطات الليبية علي الوضع بين الإئتلاف الحاكم في تونس, ولماذا وافقت النهضة علي تسليمه رغم معارضة الرئيس المنصف المرزوقي والخطر علي حياته ؟
البغدادي المحمودي صدر حكم قضائي بتسليمه, وقد طبقته الحكومة, لأنه تربطنا بليبيا إتفاقية تبادل المجرمين, ولانستطيع أن ندافع عن هذا الحق في تونس ونمنعه عن أشقائنا في ليبيا, والإختلاف بين الرئاسة والحكومة ليس علي المبدأ, بل علي التوقيت, فالرئيس يريد أن ينتظر حتي تعبر ليبيا الوضع الإنتقالي وتجري الإنتخابات وتقوم حكومة مستقرة,أما الحكومة فلم تجد مبررا لتأجيل التسليم, والبغدادي علي أي حال ليس محبوبا في ليبيا.
الأهرام: كيف تنظر للإنتقادات الكبيرة التي تواجه لتجارب الحكم الإسلامي في السودان والصومال وأفغانستان وغيرها ؟
التجارب الإسلامية في السودان والصومال وأفغانستان وغيرها, تعبر عن مستوي الثقافة والوعي في تلك المجتمعات,ولن يطبق المشروع الإسلامي بنفس المستوي علي كل الدول, وهو أمر مرتبط بمستوي التعليم ومستوي النضج
الأهرام: ماهو مفهومك للشريعة التي يريد الإسلاميون تطبيقها في دولنا ؟
ليس في الإسلام كنيسة تملي, ولما طرح مفهوم تطبيق الشريعة في مجتمعاتنا, قلت أنه ليس هناك نموذج كامل ينتظر التطبيق, فهي ليست مجرد عقوبات مستمدة من الفقه الإسلامي,وهي أيضا لم تغادر مجتمعاتنا, كما أنها تتنزل حسب الزمان والمكان, فليس لها صورة واحدة صالحة لكل زمان ومكان, وقد غير الإمام الشافعي فقهه حينما انتقل من العراق إلي مصر.
الأهرام: كيف تنظر لتطورات الثورة السورية ؟
الثورة السورية ثورة حقيقية, وصل عدد ضحاياها حتي الآن إلي عشرة آلاف, وإذا لم تكن هذه ثورة, فكيف تكون الثورات إذن, فالشعب السوري مصمم علي نيل حريته وإنتزاعها من بين فكي الأسد, ورغم ذلك مازالت هناك قوي حتي الآن مثل روسيا والصين وإيران تراهن علي الجواد الخاسر, الذي لامحالة سيسقط, وعليها أن تراهن علي الشعب السوري الذي سيبقي.
الأهرام: زرت مصر مؤخرا بماذا نصحت الإسلاميين ؟
حضرت خطاب مرسي في ميدان التحرير وكان عظيما, وقد شهدت مصر ولادة زعيم, ولو طبق ماجاء في خطابه لكان كافيا, هو خطاب أكد زعامته, ويعيد مصر إلي زعامة المنطقة, لم يتحدث بإعتباره زعيما إخوانيا, بل رئيس لمصر, ونسأل الله أن يوفقه للخير,لأن مصير المنطقة مرتبط بمصير مصر, ولم ألتق مرسي بعد أن أصبح رئيس بسبب مشغولياته, لكنني تحدثت معه هاتفيا, وفي زياراتي التقيت بقيادات الإخوان والدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح والدكتور سليم العوا وحمدين صباحي, وكنت أحاول أن أنقل لهم تجربة تونس في التوافق.... وأعتقد أن المعادلة المصرية أكثر تعقيدا, وهذا يفرض علي مصر أن يحكمها عقل أكثر تركيبا, يطرح حلولا مركبة تستوعب كل أطراف المعادلة, وأهمها تقديم نموذج قادر علي إستيعاب القوي السياسية بكل أشكالها, وإقامة تنمية حقيقية لاتجعل الثروة حكرا علي فئة معينة, بينما الملايين يعيشون في المقابر والعشوائيات, فسكان هذه المناطق لو استمرت أوضاعهم كما هي سيكونون مشروعا لثورة أخري لاتبقي ولاتذر, وقد تنسف كل الأوضاع, فالثورات العربية عليها إستيعاب هوامش الحداثة, ومعظم شعوبنا همشتها الحداثة, والنخبة لاتتجاوز10%, والسلطة والثروة ينبغي أن يعاد توزيعها.
الأهرام:هل تضررت تونس من قضية تهريب الأسلحة الليبية مثل باقي دول المنطقة ؟
تهريب السلاح من ليبيا هو تحدي آخر نواجهه, وهو خطر علي المنطقة كلها, ونأمل أن تفرز الإنتخابات في ليبيا وضع أكثر إستقرارا, ونأمل أن تكون النخبة الليبية قادرة علي جمع الليبيين جميعا وتحقيق الوفاق بين جميع القوي سواء كانت سياسية أم قبلية
الأهرام: هل يمكن أن تفشل ثورات الربيع العربي.. ؟
لاسبيل للفشل أمام ثورات الربيع العربي, وإلا أصبحنا أمة الفرص الضائعة, فهذه فرصة يجب ألا تضيعها الدول العربية من أجل دخول التاريخ مجددا, ويجب إلتقاط الخيط الذي وضعه القدر بين ايدينا لنحول الثورة إلي ثروة حقيقية وإلي نهوض حقيقي, وتحقيق المشاريع التي فشلت في أمتنا, ومشاريع توحيد شعوبنا, وتحويل منطقتنا إلي فضاء حضاري بمشاريع وحدوية سياسية وإقتصادية وثقافية ودفاع مشترك, وقد كانت الأنظمة السابقة في بلادنا تري الخطر عليها من شعوبها وليس من الخارج, كمايجب تفعيل منظمات الجامعة العربية المعطلة.
- خلال الأيام المقبلة ينعقد المؤتمر التاسع لحزب النهضة, كيف تري أهميتة فيما يري البعض ضعف المشاركة في انتخابات تلك المؤتمرات؟
المؤتمر المقبل سينعقد مابين51,21 من الشهر الجاري في تونس, سيكون محل استقطاب سياسي مهم بل هو أهم محطة سياسية بين انتخابات اكتوبر الماضي والانتخابات الرئاسية والبرلمانية في يونيو3102, والمؤتمر سيعد الاختيارات السياسية والبدائل التي تقترحها المرحلة السياسية الجديدة وذلك بعد استكمال كل المراحل المحلية والجهوية( الأقاليم) الخاصة بمنخرط الحركة, وأعتقد أن القاعدة السابقة للحركة في عهد النظام السابق كانت معبأة نضاليا وذات وعي سياسي أم اهتمامات المنخرطين تغيرت بعد الثورة وأصبح قسم كبير من القاعدة الانتخابية لايهتم كثيرا بالمؤتمرات السياسية,لذلك تبدو للبعض نسب المشاركة ضعيفة ونحن نترجم الارقام الحقيقيةوهذا يدل علي شفافية العملية الانتخابية, وأن زمن001% قد ولي ولم يعد من الممكن القبول بمثل هذه الارقام ونحن سنعمل خلال المؤتمر علي جعل الحركةحزباوطنيا جامعا ومفتوحا علي كل التونسيين.
-أعيد النشر على الوسط التونسية بتاريخ 8 جويلية 2012


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.