الكل بات يمتلك السلاح في ليبيا، والدولة لا تملك العدد الكافي من الجنود لصناعة مؤسستي الجيش والشرطة، والرادع القبلي أقوى من هيبة الدولة.. طرابلس- الأناضول-الوسط التونسية: يبقى السلاح هو سبب انفلات الأمن وفي الوقت نفسه وسيلة الحفاظ عليه، وبين هذا وذاك ينتشر السلاح في ليبيا بأيدي المليشيات الثورية والقبلية وأصحاب المصالح وبقايا نظام العقيد الراحل معمر القذافي، والسؤال: من بين هؤلاء وغيرهم من يحفظ الأمن في ليبيا؟ الشيخ عامر الفيتوري، أحد زعماء العشائر وعضو لجنة حكماء ليبيا، يجيب عن هذا السؤال قائلا لمراسل الأناضول: "العرف هو من يحفظ الأمن؛ لأن ليبيا ذات طبيعة قبلية والاحتكام إلى السلاح لا يجدي فالكل هنا يمتلكه". وعن قدرة مؤسسات الدولة على حفظ الأمن يوضح: "العديد من المدن والمناطق الليبية لا وجود فيها لأي مؤسسة تابعة للدولة، وليس لدى الدولة العدد الكافي من أفراد الجيش والشرطة ليبسط الأمن في كل المناطق الريفية والمدنية". وحول دور الكتائب واللجان الأمنية يقول: "وقعت الكثير من المشاكل في جنوب ليبيا ولجأ الناس إلى هذه الكتائب، لكنها رفضت أن تغيثهم لعلمها أن كل الأطراف تمتلك السلاح حتى قطاع الطرق والمهربين". ويتابع الفيتوري: "الدولة تلجأ إلينا كحكماء ورؤساء قبائل؛ فالرادع الاجتماعي قوي في ليبيا وعن طريقه سويت 90% من الخلافات". ومنذ أن اندلعت الثورة في 17 فبراير/شباط 2011 حاملة مطالب سلمية وتصاعدت لتكون حربا مسلحة لم يكن في ليبيا سوى كتائب أمنية تتبع العقيد معمر القذافي شكلها بعد أن حل الجيش أوائل تسعينيات القرن الماضي، ومدنيين امتشقوا أسلحة خفيفة غنموها من مقرات القواعد العسكرية بشرق ليبيا لمواجهة كتائب القذافي. ويبدو أن المدنيين الذي عرفوا باسم الثوار الليبيين تطور تنظيمهم بفعل وجود ضباط سابقين في الجيش الليبي انحازوا لموقف الشعب، ثم وجدت قيادة عسكرية موحدة إثر تشكل المجلس الانتقالي الليبي شاركت في تنظيم القتال مع كتائب القذافي في أجدابيا وبنغازي (وسط)، وفي مصراته والزنتان (غرب). سليمان حمزة عقيد متقاعد بالجيش الليبي شارك في معارك الثورة يقول لمراسل الأناضول: ""كانت إمكانياتنا العسكرية قليلة جدا،ولكن أصدقاءنا الذين دعموا الثورة من دول عربية وغير عربية أمدونا بالسلاح؛ لأن الثورة كانت على وشك الإجهاض". ويضيف: "شكل التحالف الدولي بضرباته الجوية لقوات القذافي أكبر دعم لنا على الأرض، وبمرور الوقت ما لبثت أسماء تشكيلات ثورية جديدة في الظهور، اشتهر الكثير منها إثر انتصار الثورة مثل كتائب (شهداء 17 فبراير) و (القعقاع) وغيرها، وبات من الصعب اليوم حصر عددها". ويطرح البعض سببا آخر لزيادة أعداد هذه الكتائب، هو موقف بعض القبائل الليبية التي لم تشارك في الثورة؛ فسعت لامتلاك السلاح خشية أن توصم بالولاء لنظام القذافي وتضطر للدفاع عن نفسها. ويعدد حمزة سببا آخر يتمثل في "تفشي البطالة بين الشباب الليبي، فالمرتبات التي دفعها المجلس الانتقالي للكتائب عالية، وربما تفشي ثقافة الغنائم أيضا، كما حدث في مدينة سرت وبني وليد، فقد سجلت حالات نهب وسرقة أثناء عمليات القتال". وإثر اعلان التحرير من قبل المجلس الانتقالي في 23 أكتوبر/تشرين الأول 2011 كان لزاما عليه حماية المؤسسات الحيوية والمباني الحكومية الموزعة في إرجاء البلاد، وأوكل هذه المهمة لكتائب الثوار مقابل مرتبات يدفعها لهم وأعطى هذه المجموعات الثورية مسمى "اللجان الأمنية العليا المؤقتة". وعن هذه الخطوة يقول عز الدين عقيل، الناشط السياسي الليبي، لمراسل الأناضول إن "الكثير من المليشيات دخلت بشكل صوري في جسم الدولة تحت اسم اللجان الأمنية العليا فقط لتأخذ الشرعية، لكنها تعمل كمليشيات وليس لها تبعية فعلية للدولة". ويتساءل الكثير من المراقبين للشأن الليبي عن مصادر إمداد هذه المليشيات بالسلاح، خاصة مع غياب تقدير حقيقي لحجم الترسانة التي تركها القذافي خلفه. ويشير البعض إلى وجود أجندات خارجية تسعى لحماية مصالحها في ليبيا، إلا أن عقيل يقول: "لا يمكنني أن أؤكد ذلك بشكل قاطع، لكن بكل تأكيد هناك دول لديها مصالحها وسفاراتها في ليبيا وتريد حمايتها، وربما تدعم هذه المليشيا أو تلك لتقوم بهذا الدور". ويستطرد: "كما أن بعض الدول لديها مصالح في دعم بعض الأشخاص أو التيارات لتولي مناصب سيادية، ومن الطبيعي أن توفر لهم الحماية بوجود جماعات مسلحة تتبعهم". ومع زيادة بحث الشارع الليبي عن كيان يحفظ أمنه عين المجلس الانتقالي اللواء يوسف المنقوش رئيسا للأركان الليبية وكلفه ببناء جيش يكفل أمن البلاد، وعين فوزي عبد العال، أحد الثوار، وزيرا للداخلية. ويعلق حمزة على هذا الأمر قائلاً: "لا يمكن بناء جيش جديد، والصحيح هو إعادة بناء الجيش السابق بعقيدة جديدة، لكن مشكلة رئاسة الأركان ظنها أن الجيش السابق هو جيش القذافي والشرطة كذلك، وتعتبر كل من عمل مع القذافي ضد الثورة". أما الناشط عقيل فيتهم المنقوش وعبدالعال بأنهما "المسئولان عن بناء الجيش والشرطة بشكل مليشوي". وكشفت وزارة الداخلية في الحكومة الليبية المؤقتة الجديدة مؤخرا عن خطة لدمج الثوار الليبيين في مؤسسات الجيش والشرطة، وخطط لنزع السلاح، ما يزال الجدل حولها دائراً. فمن جانبها ترفض اللجان الأمنية العليا الانخراط في مؤسسات الدولة، ويضغط الوضع الأمني المتردي في المناطق الليبية على الحكومة للمسارعة في إيجاد الحلول مما يجعل الملف الأمني من أكبر التحديات التي تواجه مستقبلها. 04/1/2013 50:07