... تقوم السلطة الرسمية في «تونس» هذه الأيام بحملة غريبة لا تفسير لها ضد النساء.. المحجبات باعتبار هذا الزي «طائفياً» و«عنواناً للتطرف» بل ان جريدة «الحدث» الأسبوعية كما نشرت «الوطن» ملخصا لما جاء فيها مساء أمس وصفت الحجاب بأنه.. «دخيل على الإسلام» و«زي المومسات» و«العاهرات» و«الوثنيين» و«العبيد» كما أنه مصدر «للأوساخ والأمراض»!! حتى صحيفة «برافدا» السابقة التي كانت تنطق بلسان حال الاتحاد السوفياتي السابق لم تستخدم أوصافاً كهذه عن زي ترتديه النساء العربيات والمسلمات!! زرت «تونس» قبل حوالي سنتين ووجدت أمراً واقعاً في الشارع لا يتفق مع ما أقرؤه الآن في صحافتهم وهو ذلك التشدد البوليسي لمراقبة «الأخلاق والتصرفات الشبابية» التي هي أقل من عادية! على سبيل المثال، قال لي شاب تونسي يعمل على سيارة أجرة انه كان مصطحباً خطيبته سيرا على الأقدام في طريق عام يقل فيه سير المشاة فتوقفت بقربهما دورية شرطة وابتدأ سيل من التحقيقات معه ومعها و«ليش؟ ووين رايحين؟ وليش البنت لابسه بنطلون.. ضيق؟» الى آخره!! هذا «الانضباط التونسي الرسمي» في الشارع الذي يشبه انضباط جماعة «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» لا يتفق أبداً مع.. التضييق على لابسات الحجاب، لأن ذلك يطرح سؤالاً مضحكاً.. «يعني لا هيك.. عاجب، ولا هيك.. عاجب»؟! اي.. «لا الحجاب مرضي عنه، ولا الجينز الضيق مبارك عليه».. فما هو الحل؟! هناك رعب لا تفسير له لدى السلطة في تونس من أي جانب ديني ابتدأه الرئيس الراحل «بورقيبة» عندما ظهر أمام عشرات الآلاف من «التوانسة» خلال أول أيام شهر الصوم ثم.. أمسك بكأس من الماء وشربه في عز الظهر قائلاً لهم.. «ما في صيام ولا في رمضان»!! حدث ذلك في بدايات الستينات ومن يومها و«بورقيبة ما ترقع» فقد حاول أن «يكحلها» ويفسرها بتفسيرات مخففة لعل الشعب التونسي ينساها لكن.. دون فائدة! «تونس» تريد ان تكون« تركيا المغرب العربي» في صرامة النظام العلماني المتشدد، لكنك تستطيع في أي مدينة تركية ان «تبوس صديقتك» في الشارع وهي ترتدي الشورت دون ان يستوقفك شرطي، بينما أضاعت تونس مشيتها وهي تحاول تقليد «المشية التركية» فأصبحت.. «لا هيك ولا.. هيك»!! الدكتور «إسماعيل الشطي» وزير الدولة الحالي والزميل السابق في «الوطن» روى لي حكاية زيارته الى تونس «ثم نشرها فيما بعد» لالتقاء القيادات الإسلامية في حركة الإخوان المسلمين خلال الغزو العراقي للكويت، وكيف ان الشرطة اقتحمت عليهم الاجتماع في غرفته بالفندق واعتقلت «الإخوان التوانسة» بكل فظاظة وصلف وعنف لم يكن له داع على الإطلاق!! أنا أحب المرأة السافرة ولا أحب المحجبة، لكنني على استعداد للدفاع بقوة عن أي امرأة تريد ارتداء الحجاب وهناك من يمنعها من تحقيق رغبتها تلك، ومن منطلق ان المواطن العربي او المواطنة لديه على الأقل الحق في ارتداء ما يريد بعد ان تبخرت كل حقوقه الأخرى ولم يعد يستطيع ان يفتح فمه إلا.. للتثاؤب فقط!! *** المقال من اقتباسات وبحث صحيفة الوسط التونسية-28 أكتوبر 2006