من جالطة في الشمال إلى جربة في الجنوب، تمنح الجزر التونسية إطاراً طبيعياً يُغوي الزوار بالاستسلام للرمال الذهبية والماء الفضي حيث يغتسلون من المتاعب التي تركوها وراءهم في سماء أوروبا الملبدة بالسحب. وميزة الجزر كونها تضم سواحل نظيفة ما زالت بكرا إذ لم تصلها لوثة الصناعة، كما تضم مراكز عمرانية عريقة تشمل معالم تاريخية ومواقع تراثية تدل على عمق الحياة في هذه الجزر التي استوطن فيها الفينيقيون والرومان والعرب والأتراك والإسبان وأخيرا الفرنسيون. وتُعتبر جربة كبرى الجزر التونسية وهي تضم إحدى أكبر المدن السياحية في شمال أفريقيا، إذ تهبط في مطارها يومياً عشرات الطائرات المحمَلة بالسياح الأوروبيين، إضافة لآلاف الليبيين الذين يفضلون المجيء إليها بواسطة سياراتهم بالنظر لقرب المسافات. وتنتشر في محيط مدينة حومة السوق مركز الجزيرة عشرات الفنادق المطلة على البحر. وغير بعيد عنها يرتفع برج غازي مصطفى وهو قلعة قديمة تحكي قصص الغزاة الذين تداولوا على الجزيرة منذ العهد الروماني. ويُعتبر «البرج» مثلما يدعوه أهل حومة السوق واحدا من عشرات القلاع الممتدة على طول السواحل التونسية والتي كانت تحمي الثغور والمدن الساحلية من الغزاة، إلا أن برج جربة يضم في داخله قلعة صغيرة يُرجح المؤرخون أنها شُيَدت أيام الرومان ثم جرت توسعتها في العهد الإسلامي وتولى الإسبان والأتراك تطويرها لاحقاً، حتى صارت على شكلها الحالي، وهي تحمل اليوم اسم القائد العسكري التركي الذي وضع ملامحها النهائية. وبعد زيارة القلعة يتجه السياح عادة إلى متحف المشغولات التقليدية في بلدة «قلالة» حيث يعمل الحرفيون على تخريج أصناف فريدة من الفخار والسيراميك التي حذقوا صنعها أباً عن جد، فهم يضعون الصحون والأكواب والأباريق والأواني الأخرى المعجونة من الطين في الأفران، ثم ينهمكون في تزيينها بألوان ساحرة مقتبسة من البيئة المحلية. ويُتابع السياح تلك العملية الفنية في جميع مراحلها مُتعرفين على أصالة الحرف التقليدية في الجزيرة، ثم يتابعون جولاتهم على المدن الأخرى مثل أجيم ويصل بعضهم إلى مدينة جرجيس الواقعة في اليابسة على الضفة الأخرى. وهناك طريقان للوصول إليها فإما استخدام العبَارات التي تشتغل طيلة اليوم للربط بين الجزيرة والساحل أو العبور من الجسر العتيق الذي أقامه الرومان منذ آلاف السنين والذي ما زال يقوم بدور صلة الوصل على رغم قدم تاريخه. وتُعتبر جرجيس مدينة سياحية حديثة فالأوروبيون يقبلون على فنادقها وينامون بين أحضان نخيلها ويسبحون في مياه بحرها الدافئة ويمشون تحت أشعة شمسها غير مبالين بالحرارة. وعندما يعود السياح إلى فنادقهم على متن الباصات أو السيارات الرباعية الدفع، يُقبلون على تذوَق الأكلات المحلية ومنها الكسكس والبركوكش والرز الجربي.