يُظهر السياح الأوروبيون في تونس اهتماماً خاصاً بزيارة ورشات المشغولات التقليدية بالنظر الى أصالتها وطرافتها، خصوصاً أنها اندثرت في بلدانهم واستُبدلت بمصانع حديثة لا مكان فيها لحذاقة الحرفيين. وفي أطراف مدينة نابل التي لا تبعد عن العاصمة تونس سوى 70 كيلومتراً يوجد مجمع عتيق لورشات تصنيع الأواني الفخارية يستقطب يومياً أعداداً كبيرة من السياح الذين يُمضون الوقت في متابعة مراحل عجن الطين وتشكيله في أوان قبل إدخاله الفرن، ثم تركه يجف أياماً قبل طلائه. لكن أكبر مجمع لمصانع الفخار التقليدية يوجد في قرية «قلالة» في جزيرة جربة. واسم القرية مُقتبس من القلال (بكسر القاف) ومفردها القلة أي الجرة التي يوضع فيها الماء أو يُخزن الزيت أو الحبوب. وعلى رغم أن أهل البلد عرفوا هذه الحرفة منذ عهد القرطاجيين وكانوا يستخدمون القلال لتصدير الزيت إلى بلدان بعيدة، فإن مجيء الأندلسيين المطرودين من جنوباسبانيا في القرنين السادس عشر والسابع عشر إلى منطقة نابل ومدينة حمامات المجاورة أدى إلى تطوير تلك الصناعة. ونقلها أهل جربة عنهم لاحقاً فباتت قريتهم «قلالة» متحفاً حياً لفنون تصنيع الفخار لا يستغني أي سائح تقريباً عن زيارته واقتناء بعض مشغولاته. وتستقطب القرية السياح ليس فقط بسبب مصانعها القديمة وإنما أيضاً لعمارتها المُميزة وسواحلها الجميلة. مع ذلك تراجع عدد الحرفيين الذين يحذقون صناعة الفخار في القرية التي تُعتبر أكبر ورشة لتصنيعه في شمال أفريقيا، إذ كانوا 500 حرفي سنة 1950 لكن لم يبق منهم سوى 40 حرفياً اليوم. يتنقل السياح بين ورشات متباعدة ويلتقطون صوراً تذكارية مع الحرفيين ويعتمرون القبعات التقليدية المصنوعة من سعف النخل المنتشر في الجزيرة. وفي متحف فسيح يوجد عند أطراف قرية سدويكش البربرية المجاورة يطلع السياح على الأواني الأثرية القديمة التي تحكي عن عراقة المشغولات التقليدية خصوصاً صناعة الفخار. ويشرح الأدلاء الإستخدامات المختلفة لتلك الأواني ذات الأحجام الكثيرة. يتحدث فتحي الذي أمضى عشرين سنة في هذه المهنة عن خصائصها وسبب تعلقه بها، ويروي للسياح في دقة مراحل تصنيع الأواني منذ أن تكون مادة طينية إلى أن تُصبح آنية جاهزة وتُطلى بألوان زاهية ومتشابكة. ومن تلك الأواني الصحون الكبيرة التي يوضع فيها الكسكس وهو الطبق المفضل لدى التونسيين والمغاربة عموماً منذ أيام الأمازيغ. ويروي ماهر الشاب اليافع سر مجيئه إلى هذه المهنة مُتابعاً في الوقت نفسه عمله في طلاء الأواني، ويشرح كيف تعلم هذه الحرفة، ويقول إن زملاءه في الدراسة استقطبتهم السياحة فهم يعملون أدلاء أو موظفين، أما هو فلديه ميول للرسم والنحت جعلته يتفنن بتنويع الديكور على الأواني الخزفية والفخارية. ويتعرف السياح في متحف الصناعات التقليدية على أبرز المشغولات الموروثة منذ عهد القرطاجيين، وإلى جانبه يوجد متحف آخر يروي مراحل تطور الحياة اليومية في الجزيرة وعمارة البيوت وعلاقتها بالمنتجات الزراعية. كذلك يزور السياح متحف التماسيح، وبعد نهاية جولتهم على المتاحف ينتشرون في المطاعم القريبة المطلة على البحر لأخذ نصيب من الراحة قبل العودة إلى فنادقهم في مدينتي ميدون وحومة السوق، وهما المنطقتان السياحيتان الرئيسيتان في الجزيرة.