يقتصر مفهوم النجاح عند بعض الأهالي على الحصول على معدل مرتفع يمكن من الدخول إلى أهم الكليات في نظرهم، كالطب والهندسة والحقوق، من دون إقامة أي وزن أو اعتبار لرغبة الابناء. فدخول الابن الى أي من هذه الكليات، يعتبر مفخرة للوالدين أمام الناس، فيبدأون بممارسة الضغوط عليه لئلا يخيب ظنهم به. وتبرر رغبتهم الجامحة تلك وسيلة تحقيقها ولو تطلب الأمر منع الشاب أو الشابة من الخروج أو أخذ فترات استراحة طويلة وأحياناً تصل الأمور إلى وقفهم عن متابعة برامج تلفزيونية يحبونها. محمد البرقاوي طالب طب طالما عانى من ضغط أمه عليه ليثابر أكثر في دراسته ويحصّل أفضل النتائج، تيمناً بوالده الذي توفي وكان طبيباً في مشفى الرابطة في العاصمة التونسية. لكن وبحسب المثال الإنكليزي، يقول محمد: «أنت تستطيع أن تأخذ الحصان إلى النهر، لكنك لا تستطيع إجباره على الشرب». وكان محمد يرضخ لطلب والدته الجلوس مطولاً إلى طاولته، لكن في كثير من الأوقات كان مشتت الذهن لرغبته باللعب أو مشاهدة التلفاز. فهي كانت تحثه دائماً على التحضير مسبقاً لبعض المواد وتلح عليه لأن ذلك «يساعد على فهم الدرس من الأستاذ وترسيخه في الذهن». وتضيف الوالدة أن هذا «لا يمنع من المراجعة في العطلة الاسبوعية» التي كان محمد ينتظرها أملاً ببعض الراحة. ويستمع محمد لأصدقائه في أحاديثهم حول ما شاهدوه في اليوم السابق من أفلام كان يتمنى لو أنه يستطيع متابعتها بشكل منتظم، حتى لعبه مع أصدقائه في المدرسة كان وفق حدود وضوابط، والمشكلة عند محمد أن لا أخ له يقضي معه بعض الوقت، فهو وحيد في المنزل مع كراريسه. مرور الأيام والسنوات ونضوج محمد نسبياً لم يبدل في الأمر شيئاً، فالضوابط على خروجه وزياراته وجلساته مع أصدقائه لم تنقص بل أصبحت بمواعيد مقيدة والأصدقاء يجب أن يجتازوا نظرة الأم الاختبارية لمعرفة مستواهم في المعهد. السيدة رفيقة البرقاوي التي لعبت دور الأم والأب معاً تبرر خوفها وحرصها على ابنها برغبتها بتحقيقه أعلى المراتب بحصوله على معدل يخوله أن يكون طبيباً وهو (16/20) على أقل تقدير، خصوصاً أمام الارتفاع المتزايد للمعدلات المطلوبة والتي وصلت الى « 18/20 في العام 2006» بسبب تزايد عدد الطلاب الراغبين في دراسة الطب. عانى محمد من ضغط كبير من أمه في المرحلة الثانوية. فهي كانت تضع له برنامج الدراسة، وتتابع سيره وفق الخطة المحددة وكأنه طفل صغير لا يعي صعوبة المرحلة، حتى أنه عانى من تضارب نصائح أمه فهي من ناحية تقول له: «من طلب العلا سهر الليالي» ثم تلحقها ب «عليك النوم مبكراً كي تقوم في الصباح الباكر فالذهن يكون أصفى خلال ساعات الصباح الاولى». محمد عاش مرحلة من الخوف خلال اجتيازه امتحانات البكالوريا. ساعات طويلة من الأرق وعدم القدرة على النوم وحساب العلامات المخصصة للأسئلة على ورقة الامتحانات كانت تشغل تفكيره، فبمجرد الشعور بإمكان عدم حصوله على المعدل المطلوب كان يبدأ الكابوس فيندفع الى الدرس مجدداً حتى اجتاز المرحلة. والواقع أن الدخول إلى الكليات في تونس يكون بالحصول على معدل معين من العلامات في البكالوريا من عشرين. ويخول معدل 18/20 مثلاً من دخول كليات الطب والهندسة والصيدلة، لكن ليس كل من يحصل على هذا المعدل يدخل، إذ إن عدد المطلوبين للدخول محدود. وتحتسب إلى جانب المعدل العام مادتان رئيسيتان، ففي الطب مثلاً تحتسب الرياضيات والعلوم الطبيعية، كذلك الأمر في الفروع الأخرى التي تحتسب المواد الأقرب اليها. المشكلة تكمن في أن رغبة الأهل تنصب على عدد ضئيل من الفروع الدراسية في الجامعات... فمن يدخل الطب أو الهندسة «يرفع رأس أهله»!