رئيس إقليم ''الصوناد'' بمنوبة: اضطراب التزوّد بالماء ناتج عن كسر مفاجئ    بطولة روما للتنس للماسترز: انس جابر في انتظار التعرّف على منافستها    عاجل/ مفتّش عنها لفائدة فرقة مطار قرطاج: القبض على أجنبية تروّج المخدرات    المهدية: "مدرب الكونغفو" في العامرة في قبضة الأمن    وفاة مقدم البرامج والكاتب الفرنسي برنار بيفو    رياض دغفوس: لا يوجد خطر على الملقحين بهذا اللقاح    زين الدين زيدان ينفي مجددا ارتباطه بتدريب بايرن ميونيخ الالماني    المتحدثة باسم الهلال الأحمر: ان لم يتوفّر للمهاجر الأكل والخدمات فسيضطر للسرقة.. وهذا ما نقترحه    بمناسبة اليوم العالمي لغسل الأيدي: يوم تحسيسي بمستشفى شارل نيكول حول أهمية غسل الأيدي للتوقي من الأمراض المعدية    مدنين: استعدادات حثيثة بالميناء التجاري بجرجيس لموسم عودة أبناء تونس المقيمين بالخارج    التحديث الجديد من Galaxy AI يدعم المزيد من اللغات    التيار الشعبي : تحديد موعد الانتخابات الرئاسية من شأنه إنهاء الجدل حول هذا الاستحقاق    وزارة الشؤون الثقافية تنعى الفنّان بلقاسم بوڨنّة.    فيديو/ تتويج الروائييْن صحبي كرعاني وعزة فيلالي ب"الكومار الذهبي" للجوائز الأدبية..تصريحات..    كرة اليد: المنتخب التونسي يدخل في تربص تحضيري من 6 إلى 8 ماي الجاري بالحمامات.    النادي الصفاقسي يتقدم بإثارة ضد الترجي الرياضي.    بداية من مساء الغد: وصول التقلّبات الجوّية الى تونس    تعرّض أعوانها لإعتداء من طرف ''الأفارقة'': إدارة الحرس الوطني تُوضّح    عاجل/استدعاء مدير وأستاذ بمدرسة إعدادية للتحقيق: محكمة سوسة 2 توضح..    جندوبة: تعرض عائلة الى الاختناق بالغاز والحماية المدنية تتدخل    سليانة: حريق يأتي على أكثر من 3 هكتارات من القمح    نسبة التضخم في تونس تتراجع خلال أفريل 2024    الفنان محمد عبده يكشف إصابته بالسرطان    الرابطة الأولى: البرنامج الكامل لمواجهات الجولة الثالثة إيابا لمرحلة تفادي النزول    عاجل/حادثة اعتداء تلميذة على أستاذها ب"شفرة حلاقة": معطيات وتفاصيل جديدة..    الفنان محمد عبده يُعلن إصابته بالسرطان    العاصمة: القبض على قاصرتين استدرجتا سائق "تاكسي" وسلبتاه أمواله    البرلمان: النظر في تنقيح قانون يتعلق بمراكز الاصطياف وترفيه الاطفال    عاجل/ حزب الله يشن هجمات بصواريخ الكاتيوشا على مستوطنات ومواقع صهيونية    مطالب «غريبة» للأهلي قبل مواجهة الترجي    حذرت من معاناة الآلاف.. الأونروا "لن نخلي مواقعنا برفح"    أنباء عن الترفيع في الفاتورة: الستاغ تًوضّح    منافسات الشطرنج تُنعش الأجواء في سليانة    القيروان ...تقدم إنجاز جسرين على الطريق الجهوية رقم 99    مصادقة على تمويل 100 مشروع فلاحي ببنزرت    طقس اليوم: ارتفاع ملحوظ في درجات الحرارة    جندوبة .. لتفادي النقص في مياه الري ..اتحاد الفلاحين يطالب بمنح تراخيص لحفر آبار عميقة دون تعطيلات    ثورة الحركة الطلابية الأممية في مواجهة الحكومة العالمية ..من معاناة شعب ينفجر الغضب (1/ 2)    بطولة الرابطة المحترفة الاولى (مرحلة التتويج): برنامج مباريات الجولة السابعة    عمر كمال يكشف أسرارا عن إنهاء علاقته بطليقة الفيشاوي    تونسي المولد و النشأة... ترك تراثا عالميا مشتركا .. مقدمة ابن خلدون على لائحة اليونسكو؟    إسرائيل وموعظة «بيلار»    زلزال بقوة 5.8 درجات يضرب هذه المنطقة..    عاجل/ مقتل شخصين في اطلاق نار بضواحي باريس..    أهدى أول كأس عالم لبلاده.. وفاة مدرب الأرجنتين السابق مينوتي    اليوم: لجنة الحقوق والحرّيات تستمع لممثلي وزارة المالية    وزارة الشؤون الثقافية تنعى الفنّان بلقاسم بوڨنّة    جمعية مرض الهيموفيليا: قرابة ال 640 تونسيا مصابا بمرض 'النزيف الدم الوراثي'    الاثنين : انطلاق الإكتتاب في القسط الثاني من القرض الرقاعي الوطني    حقيقة الترفيع في تعريفات الكهرباء و الغاز    مختصّة في أمراض الشيخوخة تنصح باستشارة أطباء الاختصاص بشأن أدوية علاجات كبار السن    ظهرت بالحجاب ....شيرين عبد الوهاب تثير الجدل في الكويت    غدًا الأحد: الدخول مجاني للمتاحف والمعالم الأثرية    مواطنة من قارة آسيا تُعلن إسلامها أمام سماحة مفتي الجمهورية    خطبة الجمعة ..وقفات إيمانية مع قصة لوط عليه السلام في مقاومة الفواحش    ملف الأسبوع .. النفاق في الإسلام ..أنواعه وعلاماته وعقابه في الآخرة !    العمل شرف وعبادة    موعد عيد الإضحى لسنة 2024    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السياسة وسلطة اللغة لعبد السلام المسدي : الاستغلال السياسي للغة في عصر الميديا
نشر في الوسط التونسية يوم 08 - 02 - 2008

يقدم الدكتور عبدالسلام المسدي أستاذ اللسانيات بالجامعة التونسية كتابا جديدا صدر حديثا عن الدار المصرية اللبنانية تحت عنوان السياسة وسلطة اللغة ، ينطلق الكتاب من مناقشة تلك السلطة الميتافيزيقية للغة علي إطلاقها، في مقابل استخداماتها المفيدة والوظيفية في الحقل السياسي ويشير في المقدمة إلي أن هذه الوجهة تتبلور بشكل كبير عبر استعراض خصائص اللغة من ناحية وخصائص السياسة من ناحية أخري، حيث يري أن الأخيرة هي السلطة الحاضرة، أما الأولي فهي السلطة الغائبة، ويري المسدي أنه رغم التناقض تبدو اللغة هي الأداة الأساسية للسياسة، لكنه يرصد تطور تلك الفكرة عبر الانتقالات الواسعة الحادثة عبر التاريخ البشري، لا سيما في تعاظم هذا الدور بعد أن حل بنا عصر المعلومات الذي أتاح المعلومة علي أوسع نطاق إنساني ممكن، أما مراحل تطور دور اللغة في السياسة فلا يفصله المؤلف عن نشأة الطباعة ثم الصحافة، والإذاعة، والتليفزيون والانترنت.
وفي فصله الأول السياسة تحت أضواء اللغة يشير المسدي إلي تلك اللغة التي يصاغ بها الحدث السياسي دون أن ينتبه الناس لذلك ويعتقدون أن جميع الصياغات اللغوية تؤدي إلي النتيجة ذاتها.
ويقول المسدي إن ذلك ناتج عن أنه ليس مألوفا لدينا أن نبحث في الآليات المحركة للغة في مجال السياسة لأننا لم نتشبع بعد بنواميس استراتيجيات الخطاب عامة وبقوانين استراتيجيات الخطاب السياسي تخصيصا ، ويستعرض المسدي العديد من الأحداث المهمة واللافتة في الحقل السياسي علي المستويين العربي والعالمي لاستعراض الطاقات الهائلة في المراوغة السياسية عبر أداة اللغة.
في الفصل الثاني من الكتاب يتناول المسدي السياسة بين الصورة واللون ويبدأها من تصريح بلاغي لجاك سترو وزير الخارجية في حكومة توني بلير يقول فيه تعليقا علي انفجار الوضع في مدينة الفلوجة إن غطاء القدر قد تطاير ويعلق المسدي علي تلك الصورة بالقول: انه في مجال الخطابة السياسية كان القانون الناظم هو التناسب الطردي بين مساحة الخطاب وقوة التأثير، فكلما اتسع مجال الكلام قويت خطوط الإبلاغ بغية الاقناع أو بغية الاستهواء فكان الشحن الدلالي قرين الإفاضة في المدي مع التركيز في الكثافة ، وبهذا المعني يتساءل المسدي قائلا: من أين تأتي سلطة اللغة، ومن أين تأتي دلالتها اليقينية، ويجيب علي الفور إنها متأتية من هذا الائتلاف الجديد بين القول السياسي والصورة الشعرية.
أما في فصله الخامس الذي جاء تحت عنوان السياسة ودرجات الطيف اللغوي فيشير المؤلف الي التداخل الواسع بين اللغة والسياسة ويعلل ذلك بالقول: إن اللفظ عند استخدامك إياه يتحول إلي دال يحيل علي مدلول إلي موقف، ومن ورائه اختيار كامل مرتسم علي شاشة الأحداث، وقد يكون في استعمال الكلمة أو العبارة ما يتجاوز حدود الواقعة التي تروح الإفصاح عنها ويصبح حاملا لأعباء التاريخ مختزلا صراعاته الطويلة في اختيار كلمة واحدة من بين كلمات عديدة أخري كان يمكن أن تأتي بدلها، ويوضح المسدي ذلك عبر الوقائع عندما يقول: مع أواخر كانون الاول (ديسمبر) 2004 كانت عمان علي موعد لتحتضن اللقاء الذي يخص الدول التي يجاورها العراق وإذ بإيران تعلن في 27/12/2004 أنها تقاطع كل لقاء يتم فيه استخدام عبارة الخليج العربي بدل الخليج الفارسي، ويعلق المسدي علي ذلك بالقول: مما لا شك فيه أن جمهور العباد من مختلف الثقافات قد مر الخبر علي مسامعهم مرورا لاهيا وربما مر علي مسامع الإنسان العربي كما مر علي مسامع الآخرين، وقد لا نستثني إلا من كان بصيرا بخبايا التاريخ أو من حملهم الوعي السياسي علي التفرغ للقضايا الإقليمية، حيث الشرق الأدني والأوسط دون الأقصي.
ويضيف المسدي: إن الخليج لفظة ترد ضمن المصطلحات الجغرافية ودلالاتها حسية تصف مشهدا يتشكل في الطبيعة بين الماء واليابسة، وهي بمعناها الأساسي ليست مؤهلة في الأصل لأي تضمين سياسي، وعند الجغرافيين يتحدد مكان الخليج باسم البلدة التي تكون في مركزه كخليج العقبة في مصر أو خليج قابس في تونس، أو باسم البلاد كلها كخليج المكسيك، لذلك يأتي اللفظ - حسب المسدي - مضافا والمكان مضافا إليه، ويتداول الناس في لغتهم العامة ما أقره الجغرافيون دون مشاحة، علي أن التسمية الجغرافية عند إطلاق الاسم علي المكان - كثيرا ما تكون حاملة لبصمات التاريخ، وهنا - يضيف المسدي - تلوح أهمية كل من الإسم ومسماه تتقلص أمام أهمية الذي أطلق الاسم الي شاهد علي مشروعية تاريخية انتهت إلي مشروعية سياسية تم الإجماع عليها وإقرارها لأن تلك الأسماء الثلاثة عائدة إلي أشخاص بذواتهم، وهم الذين ينسب إليهم المكان، وهو ما يراه المسدي ينطبق انطباقا أو علي انصهار المصطلحات الثلاثة - الجزيرة العربية ونجد والحجاز - في الاسم الواحد المملكة العربية السعودية إذ هو اسم أسرة الرجل الذي عمل علي توحيد الأمكنة في كيان سياسي واحد، ثم أطلق اسم أسرته علي البلاد.
ويرصد المسدي بعض تحولات أسماء المكان حسب دلالاتها وتاريخها فيقول: قد يلتئم القرآن بين اللغة والمكان والزمان، ففي النصف الثاني من القرن التاسع عشر، خطط الخديوي إسماعيل لتجديد مدينة القاهرة، فبادر باستحداث منطقة علي الطراز الأوروبي سميت الإسماعيلية نسبة إليه، ثم أصبح المكان بفضائه الدائري واتساع مساحاته - ميدانا تعبر فيه الجماهير عن غضبها منادية بالعدل والحرية، فسمي منذئذ ميدان التحرير، ويضيف المسدي أنه تولدت من تلك العبارة صيغ متعددة من أبرزها: ميدان الغضب، ونسي الناس تاريخ المكان وتاريخ أسماء المكان، فجسر قصر النيل كان يسمي هو الآخر جسر الخديوي إسماعيل، لكن الاسم زال وبقي الجسر وبقيت علي حافتيه الأسود الأربعة المنتصبة اثنين اثنين تلك التي أهداها النحات الفرنسي إلي الخديوي إسماعيل، ويختتم المسدي القول في هذا الفصل: ميدان الغضب هي التسمية الطارئة علي ميدان التحرير، تأتي علي فصيح اللغة، ولكن الثقافة الجماهيرية بما فيها الصحافة الشائعة تطلق علي المكان عبارة أخري هي كعكة الغضب كذا جري الأمر في أحداث القاهرة عام 1977.
وفي فصل بعنوان أسماء الحروب ومقاصد السياسة يبدأ المسدي من الفلسفة ونظرتها الكلية في محاولة لضبط مفهوم الحضارة.
ويقول المسدي: من الفلاسفة من ذهبوا إلي أن تاريخ الانسانية هو تاريخ زعمائها، وآخرون ذهبوا إلي أنه تاريخ شعوبها، وفيها من قال هو تاريخ صراعاتها، وتعددت تأويلات صور الصراع: هي الحروب عند البعض، وهي الكبت الذي تسلطه الجماعة علي الفرد عند البعض الآخر، وهي كذلك الدفاع المستميت ضد عوامل الظلم ومصادر الحرمان كما ارتأي آخرون، كلها وجهات نظر تتدابر أو تتكاتف فيغتني بها التأمل النازع صوب الإدراك، ويضيف المسدي: وسط كل هذه النوازع تنبري غريزة حب البقاء كحافز أكبر يرافقها قانون البقاء للأصلح، في غير مناقضة لما يذهب إليه هؤلاء الفلاسفة، وعلي غير نشاز في الرؤي ولا في مرامي القصد، ويضيف: لنا أن نستشف مجلياً رقيقا، ربما وقع إهمال شأنه بينما هو يوفر لنا ملامح دالة، تعيننا علي قراءة سفر التاريخ، انه مجلي اللغة وقد لا تتضح بيسر أهميته بين المجالي الأخري من فعل السياسة وصناعة الحدث وانتاج منظومة التاريخ، وهنا يوضح المسدي وظيفة اللغة قائلا: انها في الفهم السائد تحدثنا عن تلك المجالي، فهي الكائن الحاضر بغيره، فإذا غاب ما تحدثنا اللغة عنه غابت هي معه.
ويتساءل المسدي: ولكن ماذا لو اعتبرنا اللغة كائنا حاضرا بنفسه، نستنطقه لقراءة المجالي من وقائع وشروح وتأولات؟
ويستطرد المسدي بعد ذلك أمام قراءة وقائعية لفكرته المجردة عندما يقول: حرب المئة عام لا يمكن أن تكون قد اكتسبت اسمها في التاريخ إلا بعد أن وقعت واستمرت ثم انتهت، وكل حروب العرب في الجاهلية تذعن للقانون الطبيعي نفسه في فعل التسمية، ويضيف أن العرب كانوا يسمون وقائعهم وصراعاتهم بأسماء معينة، ثم قال المؤرخون عن تلك الأحداث جميعها إنها أيام العرب ، وهو ما يراه فعلا من أفعال التسمية ويقول: يكفي أن نذكر حرب داحس والغبراء وكيف اندلعت بين قبيلة عبس وقبيلة ذبيان، فتسمت باسمي الفرسين اللتين نشب حول سباقهما الخلاف واستمرت الحرب أربعين عاما.
بقي القول أن الكتاب الجديد لعبدالسلام المسدي السياسة وسلطة اللغة يقع في 370 صفحة من القطع الكبير، والمؤلف هو أستاذ اللسانيات في الجامعة التونسية وعضو المجامع العلمية للغة العربية في كل من تونس ودمشق وطرابلس وبغداد، وعمل قبل ذلك وزيرا للتعليم العالي في تونس وسفيرا لبلده لدي جامعة الدول العربية.
والكتاب صدر عن الدار المصرية اللبنانية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.