إن انتخاب تونس بعدد مرتفع من الأصوات ضمن 47 دولة لعضوية مجلس حقوق الإنسان التّابع لمنظمة الأمم المتّحدة يعتبر مخيبا لآمال المراقبين و يعطي انطباعا سيّئا لدى كل المراقبين النزهاء ولدى الدوائر الحقوقية العالمية عن تركيبة المجلس. ولئن لعبت مصالح بعض الدّول الكبرى دورا كبيرا في التأثير على نتائج الإنتخابات فان السلطة في تونس وبرغم هذا "النّجاح" الديبلوماسي الذي حققته تعد من بين أكثر السلطات في العالم إنتهاكا لكرامة مواطنيها وتعديا على سلامتهم الجسدية, كما يبقى تاريخها حافلا بالتجاوزات والمظالم ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يمثل هذا الاختراق الديبلوماسي إعترافا دوليّا بنجاح تونس في إرساء قيم الديمقراطية ومبادئ حقوق الإنسان . فتونس التي تجاوزعدد سجناء الرّأي فيها في بداية التسعينات أكثر من 20 ألف معتقل وتعدّدت فيها المظالم منذ مجيئ صانع التّغيير لتشمل كل أطياف المجتمع المدني ومنظّماته المستقلة سواء عبر تعطيل دور الصحافة الحرّة أومحاصرة الرّابطة التّونسية للدّفاع عن حقوق الإنسان ومنعها من عقد مؤتمرها وشلّ نشاط لجنة 18 أكتوبر للحقوق والحرّيات وفرض حصار على الأحزاب الدّيمقراطية ناهيك عن ممارسة التّعذيب على نطاق واسع ومواجهة حركات الإحتجاج بكل عنف وقوة تمثل نموذجا شاذا للقهر والإستبداد لا يمكن أن يستمر إلى مالا نهاية. ان ما تشهده السّاحة السّياسية اليوم من حركات إحتجاجيّة واسعة,لعل من أبرزها اعتصام المحامين بسبب رفضهم لمشروع يحدّ من استقلالية المهنة ,يضاف الى ذلك جملة من إضرابات الجوع قادها كلّ من عالم الرياضيات والفيزياء د. منصف بن سالم ومجموعة الثّمانيّة الذين عرفوا فيما بعد بحركة 18 أكتوبر المطالبة باحترام الحقوق واطلاق الحريات واعلان العفو التشريعي العام,علاوة على تحرك الصحفي سليم بوخذير والصحفيّة شهرزاد عكاشة من أجل صحافة حرّة بعيدة عن إملاءات رجال المباحث ومقصّ الرّقابة ...كل ذلك يعد مؤشرا حقيقيا على التدهور الحاصل في أوضاع الحريات العامة والخاصة بالبلاد. ورغم تعالي أصوات المنظّمات الحقوقيّة منبّهة الى خطورة الموقف فان السّلطة مازالت مصرة على التّعامل مع الأحداث بمنطق القوّة ولغة العنف والتّهديد ممّا يؤكّد مرّة أخرى عجزها الفادح على إيجاد مخرج عقلاني للأزمة الخانقة التي يعيشها المجتمع والنظام السياسي . ولئن حقّقت تونس رغم خطورة الإنتهاكات بعض النّجاحات على مستوى علاقاتها الديبلوماسية, إلاّ أنّها ساهمت بتجاهلها لمطالب المجتمع واعتماد سياسة الهروب إلى الأمام في تغذية حالة الإحتقان والتذمّر والقلق لدى النّخبة والمواطن, ممّا يؤشّر على اقدام البلاد على تحوّلات عميقة قد تسارع في حركة التّغيير وفكّ قبضة البوليس عن رقاب النّاس أو دفع البلاد لا قدّر اللّه إلى المجهول .