أثارت الفضيحة «الأخلاقية» التي تهدد رئيس «البنك الدولي للإنشاء والتعمير» بول وولفوفيتز «همسات علنية» ومخاوف من أن تكون بطلة الفضيحة، وهي امرأة عربية، ليبية الأب وسورية الأم، ترعرعت في السعودية أثناء عمل والدها في المملكة في الخمسينات، القوة الدافعة الكبرى للسياسات الخاطئة تجاه العالم العربي، التي اقترحها عشيقها اليهودي الموالي لاسرائيل على إدارة الرئيس جورج دبليو بوش. وإذا صحت المعلومات التي نشرتها صحف واشنطن ومواقع «البلوغرز» على شبكة «الإنترنت»، فإن شاهة علي رضا، التي تحمل الجنسية البريطانية، هي التي «صنعت» الحكومة العراقية. ومن المقرر أن تعلن لجنة التحقيق الداخلي في البنك الدولي حكمها على تصرفات وولفوفيتز الثلثاء المقبل، ما يزيد الضغوط عليه لتقديم استقالته. وكان تحقيق داخلي اجراه البنك الدولي اتهم رئيسه وولفوفيتز بمخالفة «القواعد الأخلاقية» للعمل في أكبر مؤسسة للتمويل في العالم، باستخدامه نفوذه لتسهيل منح شاهة رضا زيادة في راتبها بنسبة 36 في المئة، وانتدابها إلى وزارة الخارجية الأميركية، حيث يتحمل البنك الدولي دفع راتبها البالغ قدره 139590 دولاراً، وهو أكبر من راتب الوزيرة كوندوليزا رايس. ومعلوم أن وولفوفيتز - وهو يهودي أميركي - لعب دوراً بارزاً في تزعم صقور «المحافظين الجدد»، الذين هيمنوا على إدارة بوش. وهو يعد المهندس الرئيسي لقرار الغزو الأميركي للعراق، وهو ما أكسبه عدداً لا حصر له من الأعداء في واشنطن وخارج الولاياتالمتحدة. ولم تنس له شعوب العالم ظهوره الشهير أمام الكونغرس الأميركي قبل الغزو ليؤكد لأعضائه أنه «متأكد إلى حد معقول من أن العراقيين سيستقبلون الجنود الأميركيين باعتبارهم محررين». وفيما استأثرت احتمالات سقوط وولفوفيتز باهتمام الدوائر الرسمية والديبلوماسية والعامة، لا يكاد أحد يعرف شيئاً عن المرأة التي أطلق عليها موظفو البنك الدولي لقب «العشيقة»، ومدى علاقتهما العاطفية، وتأثير كل منهما في الآخر. أول ما يمكن رصده في هذا الشأن أن لا أحد يعرف لماذا وكيف جاءت الأقدار برضا في سكة «الصقر». إذ لا شيء يمكن منطقياً أن يجمع بينهما. فهو يهودي صهيوني، مفرط في ولائه لاسرائيل، وهي عربية مسلمة. وفيما كان وولفوفيتز عميداً لمعهد الدراسات الدولية المتقدمة التابع لجامعة جونز هوبكنز في واشنطن، تلقت شاهة رضا دراساتها في مدرسة لندن للاقتصاد، ثم درست العلاقات الدولية في جامعة اكسفورد. ولدت شاهة رضا في طرابلس أو ربما في تونس في عام 1953 أو 1954، لأب ليبي وأم سورية. وترعرعت في السعودية، حيث عمل والدها مستشاراً في المملكة إبان ستينات القرن ال20. ثم انتقلت إلى بريطانيا حيث انغمست في الحريات الغربية. وأثناء دراستها في جامعة اكسفورد التقت زوجها السابق بولنت علي رضا، وهو من القبارصة الأتراك، وانجبت منه ابناً. وفي نهاية الثمانينات انتقلت مع زوجها إلى واشنطن. لكنها سرعان ما اختلفت مع زوجها، وانتهت علاقتهما بالطلاق، والتحقت شاهة ب «مؤسسة العراق» التي أنشأتها واشنطن للمنفيين العراقيين العاقدين العزم على اطاحة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين. هناك بدأت توثق عرى علاقاتها ب «المحافظين الجدد»، وشيئاً فشيئاً أضحت مقربة إلى صقورهم. فكان أن هيأوا لها وظيفة في «الوقف القومي للديموقراطية»، وهو مؤسسة تعد أكبر معاقل «المحافظين الجدد». وفي عام 1997 تم تعيينها موظفة في البنك الدولي. كانت الطريق ممهدة أمام شاهة رضا لترتقي المناصب في البنك الدولي، إذ كانت أجرت دراسات ميدانية في الشرق الأوسط، وتتحدث الانكليزية والعربية والفرنسية والتركية والايطالية. وسرعان ما تمت ترقيتها لتصبح مديرة بالوكالة للشؤون الخارجية، ثم مسؤولة عن المكتب الاقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وذكر اسمها على موقع البنك الدولي باعتبارها الخبيرة التي يمكن لأجهزة الإعلام الاتصال بها في شؤون إعمار العراق. وفيما كان وولفويتز (63 عاماً) طلق زوجته كلير، التي أنجب منها ثلاثة أطفال، في عام 2001 بسبب علاقة آثمة أقامها مع موظفة في جامعة جونز هوبكنز، أوردت صحيفة «واشنطن بوست» أنه كان بحلول العام 2005 على علاقة حميمة مع شاهة رضا منذ نحو سنتين. لكنهما كانا حريصين على إخفاء علاقتهما، إذ كان يزورها خلسة في منزلها بينما ينتظره حراسه في الخارج. وتمسكت صحف أميركية عدة بأن شاهة مارست نفوذاً بادياً على وولفوفيتز بعدما اختاره بوش نائباً لوزير الدفاع السابق رونالد رامسفيلد. وأدى ذلك إلى ذهاب صحف ومحللين إلى أن شاهة رضا لعبت دوراً رئيسياً، وإن من وراء الكواليس، في اتخاذ قرار غزو العراق. وفي عام 2005 بدأت الصحف الغربية تثير لغطاً حول العلاقة بين نائب الوزير «الصقر» و «أقوى امرأة مسلمة» في واشنطن. وكتبت صحيفة «ذي ميل أوف صانداي» البريطانية في آذار (مارس) 2005 أن «المطلقة البريطانية» ستكلف وولفوفيتز منصبه، «فهو من شدة تعلقه بها لم يعد قادراً على أن يكون محايداً». وفي أيار (مايو) 2005 اضطر وولفوفيتز للاعتراف إلى رابطة موظفي البنك الدولي بعلاقته مع شاهة رضا، قبل شهر من توليه رئاسة البنك. وسارع الموظفون إلى وصف علاقة رئيسهم الجديد بالمطلقة المسلمة بأنها تمثل «تضارباً في المصالح»، يستحيل معه تسيير شؤون البنك. وكان الموظفون سلحوا أنفسهم بالمكاتبات الرسمية التي تثبت أن وولوفيتز أملى على إدارة البنك زيادة بنسبة 36 في المئة في راتب شاهة، وقام في الوقت نفسه ب «هندسة» عملية انتدابها إلى وزارة الخارجية. وتمسكت إدارة البنك الدولي، في مذكرة تم تسريبها، بأن زيادة راتب شاهة رضا «تفوق بأكثر من الضعف» الزيادة التي تسمح بها لوائح البنك. وسارعت «لجنة الأخلاقيات» التابعة للبنك لتحرير مذكرة، تؤكد فيها أنها لم تتم استشارتها في شأن تلك الزيادة المريبة. ولم يتلق «الصقر» اليهودي المتشدد السكاكين على ظهره من موظفيه وحدهم، فقد شكا موظفو وزارة الخارجية من أنه مارس ضغوطاً مكثفة على الوزارة لاعتماد تقويم الأداء الوظيفي لعشيقته بأنه «ممتاز». وفي الوزارة عملت شاهة رضا في شؤون الشرق الأوسط تحت رئاسة ابنة نائب الرئيس الأميركي إليزابيث تشيني. وفي كانون الأول (ديسمبر) 2006 عينت مستشاراً أول ل «مؤسسة المستقبل» التي أنشِئت لتنظيم المنح المالية لبلدان الشرق الأوسط. وأفادت تقارير بأنها زارت العراق خلال الفترة من نيسان (أبريل) إلى أيار 2003 تحت مظلة شركة خاصة مرتبطة بوزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون). وذُكِر أن شاهة رضا كلفت في تلك المهمة ب «درس قضايا تتعلق بتشكيل حكومة جديدة في العراق». والأكثر إثارة للجدل والاستياء في واشنطن أن الأميركيين لا يعرفون كيف وبأي حق حصلت شاهة رضا، وهي أجنبية، على بطاقة أمنية تتيح لها العمل في مقر وزارة الخارجية، وهي سابقة لا نظير لها.