شراكات لمناهضة تهريب المهاجرين    سعيّد يقلّد صاحب جائزة نوبل للكيمياء الصنف الأوّل من وسام الجمهورية.. تكريم رئاسي للبحث العلمي والكفاءات    عمّار يتلقّى دعوة لزيارة الدوحة    صفاقس: إنهاء تكليف كاتب عام بلدية العين    نحو توريد كميات من اللحوم المبرّدة    تطاوين.. ارتفاع عدد الاضاحي مقابل ارتفاع في اسعارها    جندوبة: السيطرة على حريق أتى على 3 هكتارات من حقول القمح    مصر.. مصرع 9 وإصابة 9 آخرين في حادثة سقوط حافلة بنهر النيل    المحمدية: الكشف عن مستودع معد لإخفاء السيارات والاحتفاظ بنفرين    صفاقس : نقص كبير في أدوية العلاج الكيميائي فمن يرفع المُعاناة عن مرضى السرطان؟    دربي العاصمة يوم الأحد 2 جوان    تقليد السيّد منجي الباوندي المتحصّل على جائزة نوبل للكيمياء لسنة 2023.    صفاقس : كشك الموسيقى تحفة فنية في حاجة الى محيط جميل    عاجل/ محكومون بالسجن بين 6 و16 سنة: ضبط 3 عناصر تكفيرية مفتّش عنهم    التضامن: حجز 100 صفيحة من مخدر القنب الهندي    عاجل/ البرلمان يصادق على قرض جديد بقيمة 300 مليون دولار    سيدي بوزيد: جداريات تزين مدرسة الزهور بالمزونة (صور)    التوقعات الجوية لهذه الليلة    يُخفي بضاعة مهربة داخل أكياس نفايات !!    20 مسماراً وأسلاك معدنية في بطن مريض    سيدي بوزيد: برمجة ثرية في الدورة 21 لملتقى عامر بوترعة للشعر العربي الحديث    سعاد الشهيبي تستعد لإصدار "امرأة الألوان"    في مهرجان "كان": كيت بلانشيت تتضامن مع فلسطين بطريقة فريدة    توزر: تمكين المدرسة الابتدائية طريق المطار من تجهيزات رقمية    رئيس منظمة ارشاد المستهلك يدعو إلى التدخل السريع في تسعير اللحوم الحمراء    البريد التونسي ونظيره الموريتاني يُوقّعان اتفاقية تعاون    بسبب مذكرة الاعتقال ضدّ نتنياهو: المدعي العام للجنائية الدولية يتلقى تهديدات    البطولة الانقليزية: نجوم مانشستر سيتي يسيطرون على التشكيلة المثالية لموسم 2023-2024    متعاملون: تونس تطرح مناقصة لشراء 100 ألف طن من قمح الطحين اللين    بطولة العالم لالعاب القوى لذوي الاعاقة : وليد كتيلة يهدي تونس ميدالية ذهبية ثالثة    الرابطة المحترفة الأولى (مرحلة تفادي النزول): حكام الجولة الحادية عشرة    النادي الصفاقسي: اليوم إنطلاق تربص سوسة .. إستعدادا لمواجهة الكلاسيكو    الاحتفاظ بتونسي وأجنبي يصنعان المشروبات الكحولية ويروّجانها    عاجل/ مدير بالرصد الجوي يحذر: الحرارة خلال الصيف قد تتجاوز المعدلات العادية وإمكانية نزول أمطار غزيرة..    كوبا أمريكا: ميسي يقود قائمة المدعوين لمنتخب الأرجنتين    موعد تحول وفد الترجي الرياضي الى القاهرة    الموت يفجع حمدي المدب رئيس الترجي الرياضي    إحداث خزان وتأهيل أخرين واقتناء 60 قاطرة لنقل الحبوب    وزير الفلاحة : أهمية تعزيز التعاون وتبادل الخبرات حول تداعيات تغيّر المناخ    إختفاء مرض ألزهايمر من دماغ المريض بدون دواء ماالقصة ؟    اصابة 10 أشخاص في حادث انقلاب شاحنة خفيفة بمنطقة العوامرية ببرقو    بدأ مراسم تشييع الرئيس الإيراني ومرافقيه في تبريز    صلاح يُلمح إلى البقاء في ليفربول الموسم المقبل    الرئاسة السورية: تشخيص إصابة أسماء الأسد بسرطان الدم    عمرو دياب يضرب مهندس صوت في حفل زفاف.. سلوك غاضب يثير الجدل    الدورة 24 للمهرجان العربي للإذاعة والتلفزيون تحت شعار "نصرة فلسطين" و289 عملا في المسابقة    وزير الدفاع الأميركي: لا دور لواشنطن بحادثة تحطم طائرة رئيسي    سليانة: معاينة ميدانية للمحاصيل الزراعية و الأشجار المثمرة المتضرّرة جراء تساقط حجر البرد    عشرات الهزات الأرضية غير المسبوقة تثير الذعر في جنوب إيطاليا    قبلي: تخصيص 7 فرق بيطريّة لإتمام الحملة الجهوية لتلقيح قطعان الماشية    منوبة.. إيقاف شخص أوهم طالبين أجنبيين بتمكينهما من تأشيرتي سفر    هل فينا من يجزم بكيف سيكون الغد ...؟؟... عبد الكريم قطاطة    الشاعر مبروك السياري يتحصل على الجائزة الثانية في مسابقة أدبية بالسعودية    نحو الترفيع في حجم التمويلات الموجهة لإجراء البحوث السريرية    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    ملف الأسبوع...المثقفون في الإسلام.. عفوا يا حضرة المثقف... !    منبر الجمعة .. المفسدون في الانترنات؟    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الرّسالة السّادسة: هل العلمانيّون العرب مشاركون في الحرب على الإسلام والمسلمين؟


الغرب وصراع الحضارات:
كان الغرب عبر التّاريخ ولا يزال في تعامله مع المسلمين يروم الهيمنة والسّيطرة على مقدراتهم سواء كانت مادّيّة من خلال سيطرته على البترول، أو جغرافيّة من خلال التّمركز على مواقع الأرض والجوّ والبحر الإستراتيجيّة، أو عقائديّة من خلال محاولاته تجريدنا من المواقع الرّوحيّة الكبرى من مثل القدس ولذلك استولوا عليها إبان حروبهم الصّليبيّة القديمة أو من خلال صناعتهم للكيان الصّهيوني منذ 1948 على أرضها المباركة..
إنّ الغرب منذ زمن بعيد، ينظر للإسلام أنّه عدوّه الأساسيّ وأنّه خطره الإستراتيجيّ وأنّه يخفي وراء علمانيّتِه ولا ئكيّته " نصرانيّته" التي لم يستطع أن يخفيها في كلّ مرحلة يشتدّ فيها الوطيس السّياسيّ أو الحربيّ. ولست بصدد التّذكير بالأحداث الفظيعة التي وقعت للمسلمين في الحروب الصّليبيّة القديمة أو التّذكير بمرحلة الاستعمار، ولكن حسبي بما وقع حديثا لمسلمي أوروبا في غروزني و البوسنة والهرسك وكوسوفا. ولم يتدخّل الأطلسي بآتّفاقيّة دايتون إلاّ بعد افتضاح الأمر، حيث تمّ التّدخّل من أجل مزيد من الظّلم حيث تمّ إبعاد المسلمين بذلك السّلم الظّالم عن مركز القرار في البلقان.
أمّا في الشّيشان فحدّث ولا حرج والغرب لا يتحدّث عن حقوق الإنسان هناك إلاّ لحظة أن تقف موسكو موقفا يعارض مصالح الإمبراطوريّة الأمريكيّة ومن والاها، وقتها تسمع حديثا محتشما ومفضوحا عن حقوق الإنسان في الشّيشان، وقارن بين تحرّك الأنظمة الغربيّة ومنظّمات حقوق الإنسان على قضيّة ممرّضات بلغاريّات في ليبيا حتّى أنّها صارت مادّة سمينة للانتخابات الرّئاسيّة في بلاد الغرب.
أمّا ما يقع هذه الأيّام لمسلمي السّنجق وكشمير والفلبين والعراق وأفغانستان ولبنان والصّومال وفلسطين وقوانتانامو و امتهان أوراق القرآن الكريم ، والتّعدّي على المصحف الشّريف ما لا يعلمه إلاّ الله عزّ وجلّ!!!
والعاقل يدهش من هذا كلّه، و يرى عبر ما يُسمح له بالنّشر في وكالات الأنباء أموراً لا تصدّق، والحمد للّه الذي جعل الصّورة اليوميّة والمتكرّرة لما يحدث للمسلمين في كلّ مكان من العالم جندا عظيما ساهم في إسقاط هذه الحضارة، فلقد هزمت الصّورةُ الدّبّابةَ وهزمت الكاميرا حضارة العلوّ الغربيّ.
إنّ المرء ليحتار لماذا هذه الحشود العسكريّة الجبّارة حول أراضي المسلمين، ولماذا هذا التّدخّل والتّحكّم في شؤوننا ومناهجنا؟ ولماذا هذا الكيد الهائل ضدّ العالم الإسلامي المريض المنهك من وطأة قيادات سياسيّة وعسكريّة منصّبة لأكثر من قرن لم تفلح إلاّ في نهب ثروات بلادنا وفي تنفيذ مهمّة مسخ هويّة أمّتنا وسلخها من عقيدتها.
لماذا يجعل الغرب "المتحضّر" المسلمين ندّاًّ لهم و عدوَّهم المنتظر؟ لماذا يتعامل الغرب مع المسلمين بهذا التّوتّر الشّديد، ولماذا يتعامل مع الإسلام بهذه الحساسيّة المفرطة؟ لماذا هذا الحشد العسكريّ العظيم ضدّ دول مسلمة ضعيفة بل تابعة؟ لماذا هذه الإعدادات السّياسيّة والثّقافيّة والإعلاميّة الضّخمة والكبيرة ضدّ الشّعوب المسلمة المنهكة؟ ما هي الأسباب الحقيقيّة وراء تلك المواقف وتلك السّياسات؟ لماذا هذه التّصريحات الحاقدة؟ وهل لهذه التّصريحات ما يبرّرها ؟
ولكي نعرف أسباب ذلك أترك الغربيّين أنفسهم يجيبون عن هذه الأسئلة.
قال ريتشارد نيكسون الرّئيس الأمريكي الأسبق في كتابيه" نصر بلا حرب" و "انتهزوا الفرصة" إنّ الإسلام يشكل خطرا استراتيجيا عليه من حيث انتشاره زمانا ومكانا وبين شعوب تحتلّ ما بين نواكشوط وجاكرتا وتحتوي على موادّ استراتيجيّة وثروات قوميّة وتطلّ على بحار وخلجان ومواقع هامّة للغاية على طرق التّجارة الدّوليّة وتحمل عقائد وتصوّرات راسخة تتقاطع مع الغرب من حيث هو قوّة هيمنة خارجية. وحذّر نيكسون -الغربيّين من "خطورة" الإسلام عليهم وعلى مستقبل الهيمنة الغربيّة في العالم. وقال:" إنّه بعد سقوط الاتّحاد السّوفياتي ليس في العالم منافس للغرب - بالمعنى الشّمولي - سوى الإسلام ليس فقط من حيث هو عقيدة ودين، ولكن من حيث هو مشروع حياة متكاملة ومشروع نهضة ومشروع تنمية إنسانية، يتصادم في مقرراته العامة وغاياته مع فلسفة الغرب وغاياته". وقال:" إنّ روسيا ليست العدوّ الطّبيعيّ للغرب لأنّها تنتمي إلى العالم الحرّ المتحضّر و تشترك معنا في الثّقافة والحضارة فضلاً عن الجغرافيا والتّاريخ". ودعا نيكسون الغرب أن ينتهز الفرصة قبل أن يستيقظ المارد الإسلامي كما حرّضهم على احتكار"الرّيادة الرّوحية في العالم" وعدم السّماح لنماذج التّشدّد الإسلاميّ بافتكاكها.
ولقد رأينا التّواطؤ الواضح بين الرّوس وحلف النّاتو الأطلسيّ ، في موافقة علنيّة منه على استخدام الرّوس للأسلحة الكيماويّة واستخدام أسلحة الدّمار الشّامل ضدّ المسلمين في الشّيشان. قال الأمين العام للحلف الأطلسيّ إثر زيارته لموسكو:"إن ّمن حقّ روسيا حماية أمنها وحفظ أراضيها ومكافحة الإرهاب ولا أحد يستنكر على روسيا استخدامها أيّ وسيلة في حربها للإرهاب في الشّيشان".
وقد صدرت تصريحات صريحة شبيهة على منوال تصريحات نيكسون من قادة غربيين في أعلى المستويات من أمثال هوفمان الذي كان مدير استعلامات النّاتو في بروكسل، فقد قال: "يضع جنرالات النّاتو في حسابهم أنّ أكثر المواجهات العسكريّة احتمالاً في المستقبل لن تكون بين الشّرق والغرب ولكن الشّمال والجنوب، فالإسلام هو العدوّ المتنامي المرتقب ".
و في الثّمانينات صدر كتاب ل: ستيف وايسمان وهربرت كروزني " القنبلة الإسلاميّة" حذّرا فيه الغرب من حماس والعراق وليبيا وباكستان للحصول على التقانة النووية ويربطان حركة هذه الدّول في هذا الاتجاه بالإسلام والمسلمين في العالم.
ونادى هنري كيسنجر ودانييل بايبس ومارتن كريمر وجون لوتواك بمعاداة الظاهرة الإسلامية وبالتّعاون مع الحكومات العربيّة الحريصة على استئصالها حسب تعبير كريمر.
كما اعتبرت دانكوس وجود ظاهرة "الإسلام السياسي" هو خطيئة لا تغتفر ولا بدّ أن تتضافر كلّ جهود العالم المستهلك للنّفط للتّخلّص من هذا "الخطر" ودعت إلى تطويق ظاهرة "الإسلام السّياسيّ" وإبعاده عن كلّ"مركز القرار". فهذه بعض الكتابات والتّصريحات تبيّن بكلّ جلاء أنّ الغرب بقيادة أمريكا هو المحرّض على المسلمين منذ زمن بعيد وهو الدّاعي إلى الصّدام الحضاري والصّراع الدّينيّ، فليس فوكوياما وهنتنجتون وغيرهما من المفكّرين، هم أوّل المنظّرين لترشيح العالم الإسلاميّ لخلافة الإتّحاد السّوفياتي في الصّدام مع الغرب، بل إنّ السّاسة الأمريكيّون الكبار هم أوّل الدّاعين إلى ذلك.
توظيف الغرب دينهم للحرب على المسلمين:
لماذا يريد العلمانيّون العرب أن يبعدوا الدّين الحقّ من حياتنا الإسلاميّة، والغربيّون يواجهون المسلمين بعقائدهم الباطلة، فهذا بوش الابن قد جعل من الدّين مبرّرا أساسيّا للسّياسة الخارجيّة الأمريكيّة لغزو أفغانستان والعراق والصّومال، فاستخدم "الفتاوى" الصّادرة عن الكنائس الصّهيونيّة المسيحيّة الأميركيّة واستعمل نصوص الإنجيل وأسفار التّوراة (العهد القديم) لتبرير تلك الحروب القذرة، واستخدم تعبيراتهما الدّينيّة واستشهد بفقرات منهما، وجعل المسلمين وإسلامهم هو الشّرّ الذي يجب دحره،. فما إن وقعت أحداث11 سبتمبر، وبعد ساعات قليلة من حدوثها، قال أنّ تلك الهجمات تمثّل"انطلاقة الحرب الكونية ضد الشّرّ"، وقال: "إنّ الولايات المتّحدة مدعوّة لكي تتحمّل"مهمّتها التّاريخيّة" وأنّ"الرّدّ على هذه الهجمات هو تخليص العالم من الشّرّ". وشدّد على أنّ النّصر مؤكّد في هذه الحرب لأنّ الله يقف إلى جانبه. وقال:" أشعرأنّ الله يريدني"، وردّد حينها خلال خطاب بثّته وسائل الإعلام المزمور التّوراتيّ رقم 23 الذي يقول:"تقدم إلى الأمام ودافع عن الحرّيّة وعن كلّ ما هو خير وعادل في عالمنا". ولقد استعمل بوش ومن معه ذلك الخطاب التوراتيّ والإنجيليّ طيلة الإعداد للحرب قبل أفغانستان وأثناءها وبعدها وصولا إلى الحرب على العراق. وهذا يعكس عمق توغّل الأسطورة اليهوديّة والمسيحيّة التي تتلبّس ذهنيّة اليمين المسيحيّ المتصهين في البيت الأبيض والكونغرس الأمريكي. وهو ما يفسّر سعي اليهود لتحقيق حلمهم الموعود بتشتيت وتقسيم جغرافيا بلاد مابين النّهرين إلى دويلات وكانتوتات كارتونية صغيرة، ووأد الحلم الرّافديني باستعادة دوره الرّيادي في قيادة المعمورة، باعتباره الأرض - الامّ الذي خرج من معطفها جميع أبناء المعمورة سيما وأنّ أكثر من مفكر وعبقري غربي قد أشار إلى أنّ هناك أساطير وخرافات تؤسّس للسّياسة الأمريكيّة مثلما تؤسّس للسّياسة الإسرائيليّة.
هذا والذي يعتقد، أنّ أساطير وتخيّلات قد استولت على العقل الباطني لبوش الذي آمن وأيقن بأنّ جيش يأجوج ومأجوج ستتكوّن جاهزيّته العسكريّة في العراق عدّةً وعدداً، وسينطلق لإبادة العالمين الأمريكيّ والغربيّ قريباً، إذا لم يقم بالحرب الإستباقيّة ويجيّش عليه الجيوش ويفتك به بالسّرعة اللاّزمة. وصارت هذه عقيدة في كينونة الرّجل فسعى يشحن بها نفوس حكّام الغرب، وَهَمَّ بِهِم يريد أن يقنع من خالفه منهم في هذه الحرب الجنونيّة القذرة، وهو مضمون خطابه في المكالمة الهاتفيّة بينه وبين جاك شيراك قبيل الحرب على العراق.
لقد حشد بوش الابن الكنائس الإنجيليّة الكبرى وأصدقاءه من القساوسة الكبار والمحافظين الجدد معه طيلة الحرب استشهادا بالإنجيل ترويجا للفكرة التي تعتبر أن الولايات المتحدة بقيادة الرّئيس بوش "القائد المتديّن والتّقيّ الورع" تعمل على تطبيق مشيئة الله في الأرض. ومن أولئك الذين جنّدهم لهذه الحرب" المقدّسة" الإنجيليّ لاهاي وهو أحد أبرز المقرّبين من الرّئيس بوش الذي يعتقد انّ العراق نقطة محوريّة خلال أحداث نهاية العالم و إنّه أي العراق سيلعب دورا أساسيّا في معركة هرمجدون التي ستقع في مجدو في فلسطين، وهو ممّن يعتقد أنّ العراق سيصبح بعد غزوه الدّولة العربيّة الوحيدة الّتي لن تدخل في حرب ضدّ إسرائيل وضدّ جيش الله خلال الحرب الأخيرة.
ومن الذين جنّدهم أيضا: أبرز القساوسة الإنجيليّين القسّ روبرستون وهو مؤسّس ورئيس شبكة التّلفزيون المسيحيّة CBN ومؤسّس بعض المراكز والجامعات الخاصّة بتدريس المسيحيّة، وقد قال:"إنّ صدّام حسين يمثّل أعظم خطر على "إسرائيل" وقال إنّه يمثل قوى الشّرّ المعادية للمسيح التي تحاول تقويض قيام الدّولة الموعودة "دولة الله في الأرض" التي ستقام لمدة 1000 سنة بعد عودة المسيح. وقال:"إنّ صدام سيخرج اليهود من أراضيهم كما فعل الملك الكلداني "نبوخذ نصر"، الذي حكم بابل خلال القرن الخامس قبل الميلاد.
كما يعدّ جيري فالويل وهو من أبرز الإنجيليّين القساوسة وقد دعا القوّات الأميركيّة إلى تعقّب أسامة بن لادن وجميع من وصفهم بالإرهابيّين في جميع أنحاء العالم مهما استغرق ذلك من وقت وقتلهم باسم الله، لأنّ الحرب على العراق حرب مقدّسة"، وقال أيضا:"إنّنا عندما نشنّ الحرب في العراق سنقوم بذلك لإعادة المسيح إلى الأرض لكي تقوم الحرب الأخيرة التي ستخلّص العالم من جميع الكافرين". وردّ على رافضي الحرب الذين يرفعون شعار المسيح عيسى المسالم، بقوله في مقال مثير تحت عنوان "إنّ الله مؤيّد للحرب"، قال فيه:"إنّه في الوقت الذي يعتبر فيه رافضو الحرب أنّ السّيّد المسيح مثال للسّلام غير المتناهي، يتجاهلون الرّواية بكاملها التي وردت في الرّؤية التّاسعة عشرة ويظهر فيها المسيح في يده سيف حادّ يصعق الأمم ويحكمهم". وأضاف أن الإنجيل ينصّ على أنّ هناك وقتا للسّلم ووقتا للحرب".
كما قال القسّ ريتشارد لاند"إنّ الحرب الاستباقية ضد العراق هي حرب عادلة". ولهذا القسّ أتباع يبلغ عددهم أكثر من 16 مليون شخص ولديه أكثر من 42 ألف كنيسة عبر الولايات المتحدة.
كما دعا تشارلز ستانلي القسّ بالكنسية المعموديّة الأولى بأتلانتا إلى دعم الحرب بكلّ ما يملك المؤمنون قائلا:"يتعيّن علينا أن نقدم المساعدة في شنّ هذه الحرب بأيّ شكل من الأشكال" كما قال أيضا:" إنّ الله يقاتل ضدّ الذين يعارضونه ويقاتلون ضدّه وضدّ أتباعه".
ولقد أصبحت هذه العقيدة الصّهيونيّة الصّليبيّة هي العقيدة الخلفيّة للفكرة الرّئيسة والمحوريّة التي يردّدها القساوسة الإنجيليّون وأكثريّة الكونغرس خلال صلاة يوم الأحد وهي أنّ الولايات المتّحدة بقيادة بوش تعمل على تطبيق مشيئة الله في الأرض.
وللعدل يجب أن يعلم أنّ الفاتيكان – وهو أعلى منصب كنسيّ في الغرب – أعلن رفضه للحرب إلاّ أنّ البابا بنديكت السّادس عشر انخرط في معمعة تشحيم الحرب وصرّح بما ينال من الإسلام ويمسّ باحترام نبيّ الإسلام صلّى الله عليه وآله وسلّم.
ولمن شاء أن يتابع ذلك الحشد العظيم للصّليبيّة الصّهيونيّة للحرب ضدّ المسلمين فسيجده في مظانّه، وهو معلوم للجميع، ولكن أردت في هذه العجالة أن أبيّن للعلمانيين العرب ولعلمانيّ تونس خاصّة وهم الأسرع انسلاخا من دينهم والأشدّ شراسة على المتديّنين كيف تضفي السّياسات الدّوليّة لأكبر دولة حداثيّة شرعيّتها بالدّين المحرّف وبخرافات مباركات الله لها وكيف سخّر تلك الخزعبلات وحشد لها من أجل التّأييد لحرب شيطانيّة نجسة، تلك الحرب التي لم يقتنع بجدواها جاك شيراك، ولذلك اعتبره بوش عاصيا للّه لأنّ الأوّل لم يقم بواجبه الدّينيّ ولأنّه بالتّالي عارض مشيئة الله.
ففي حين يسجّل الملاحظون أنّ علمانيّ العرب قد أوغلوا في مخاصمة دين ربّهم الصّحيح، وأبعدوه من كلّ نواحي الحياة، تشنّ الحداثة الغربيّة حربها الجديدة على أفغانستان والعراق ومن بعدهما، وتحشد لها التّأييد الشّعبيّ وتمنح لها التّبريرات الدّينيّة؟ فلماذا يبعد علمانيّو العرب الدّين من الحياة ولماذا يهمّشون الدّين ويجرّدون شعوبهم منه، فهل هم يعملون على الإعداد للهزيمة وتخريب الأمّة من داخلها حتّى تستسلم لكلّ غاز وتركع أمام كلّ وافد؟ ألم يعلم هؤلاء أنّ الصّحوة اليوم صارت بفضل الله تعالى عالميّة تجاوزت العالم كلّه، إنّها في قلب أمريكا وروسيا، ممّا يستحيل تطويعها وتطويقها، ولها تجلّياتها التي لا يمكن أن تكون تحت السّيطرة أبدا !!!
رجال السّياسة في ركب رجال الدّين:
سلك رجال السّياسة في الولايات المتّحدة الأمريكيّة منهج رجال الدّين الإنجيليّين. فهذا النّائب توم ديلي يقول في أكثر من مرّة عندما كان يتولّى منصب زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس النواب إنه يتعين دعم الحرب ضد العراق لأنها "البشير الذي يسبق عودة المسيح إلى الأرض ويفسح المجال لحدوثها".
وقال الجنرال بويكن قائد العمليات السرية في الجيش الأميركي في العديد من المناسبات:"إنّ الحرب التي تشنّها الولايات المتّحدة ضدّ ما تصفه بالإرهاب هي صراع بين القيم المسيحيّة اليهوديّة والشّيطان"، وقال:"هي حرب ضدّ عدوّ اسمه الشّيطان". وقال: "المتطرّفون الإسلاميّون يكرهوننا لأنّنا أمّة مسيحيّة، ولأنّ أساسنا وجذورنا تنبعث من القيم اليهوديّة المسيحيّة". وقال:" إنّ الرّئيس بوش تولّى منصب الرّئاسة في البيت الأبيض لأنّ الله اختاره لتولّي ذلك المنصب". وقال في كلمة بإحدى الكنائس عام 2002 وهو يرتدي الزيّ العسكريّ الأميركيّ "إننا جيش الله، في بيت الله، وقد أقيمت مملكة الله لمثل هذه الأوقات التي نعيشها".
لقد استخدم غلاة المحافظين الجدد، صقور الحرب وصدام الحضارات، وأصحاب مشروع "محور الخير"مصطلح "الإسلام الفاشي" وبدؤوا يروّجون له، لغرض تزييف صورة الإسلام وتشويهه وبثّ الرّعب في نفوس الأمريكيّين خاصة والغرب عامّة لأنّه يريد أن يصوّر أنّ المسلمين هم فاشيّون جدد. ولقد صدر ذلك عن الرّجل الأمريكيّ الأوّل، كما صدر عنه أنّه يقود الحرب الصّليبيّة المباركة والمؤيّدة، وتزامن مع ذلك حملات سبّ النّبئ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم والإساءة إليه، والنّيل من الإسلام وحضارته... ورغم كلّ ما صدر عن بوش فإنّ صديقه فرانكلين جراهام الممثل للتيّار اليميني الأكثر محافظة في أمريكا صرّح لهيئة الإذاعة البريطانية ( بي . بي . سي ) يوم الاثنين 19 نوفمبر 2001م قائلا:"إنّ بوش لا يقول الحقيقة لأنّه كان يجب عليه أن يقول أكثر من الذي قاله".ولقد آتّسعت تلك الحملة لتشمل كافّة بلاد الغرب، فهذا هيرت فيلدرز، وهو سياسيّ يقود حزبا يمينيّا هولنديّا يقول:" إنّ المسلمين يجب أن يتخلّصوا من نصف القرآن إذا أرادوا البقاء في هولندا، وأنّه يحوي أشياء فظيعة، وانّه كان سيطارد رسول الإسلام إلى خارج البلاد لو كان حيّا الآن".
ويكفي ما ذكرنا من تصريحات الكراهيّة والإساءة للإسلام والتّهجّم على كتابه ورسوله والمسلمين، ولقد صدرت من زعماء السّياسة والكنيسة والثّقافة، ووظّفوا لها كلّ حدث هامّ للحشد النّفسيّ العالميّ، ولو كان رياضيّا تشريكا للجماهير الكرويّة المليونيّة في تلك الحرب، فلقد صرّح مسئول سياسيّ إيطاليّ كبير في نهاية كأس العالم الأخير الذي دار في ألمانيا أنّ فريقه الإيطاليّ انتصر على الفريق الفرنسيّ المتألّف من الأصوليّين والملوّنين الأجانب، إشارة منه إلى المسلمين والسّود!!!
الإمبراطوريّة الأمريكيّة بين هزيمتها وقطع الطّريق أمام المسلمين:
لقد أدرك قادة الغرب قرب هزيمة هويّتهم القائمة على ركني الدّيمقراطية الفاشلة، والنّظام الاقتصادي الرّأسماليّ البائس، واحتمى العلمانيّون بالمسيحيّة الصّهيونيّة في تحالف نصرانيّ يهوديّ ليشكّل أكبر قاعدة مساندة للمصالح المؤيّدة ل"إسرائيل". إلاّ أنّه يجب أن يعلم أنّ هذا العلوّ الإمبراطوريّ الأمريكيّ الهائج يحمل في طيّاته كلّ عوامل الهزيمة، ولذلك تعمل تلك الإمبراطوريّة على قطع الطّريق أمام انتصار الحضارة الإسلاميّة المرتقب، فعملوا على السّيطرة على المسلمين مباشرة بعدما عجزت أنظمة السّلخ والتّبعيّة والتّجزئة على تحقيق تلك المهمّة المستحيلة، فقادت بنفسها حربا "صليبيّة" عالميّة "مقدّسة"، على غريمها اللّدود"الإسلام" تحت مسمّى الحرب على "الإرهاب".
فالحاصل، أنّ الأمريكيّين قد أظهروا معاداتهم للإسلام وللمسلمين من أكثر من وجه، وفي صور كثيرة عبر الاحتكار في كلّ صوره:
من خلال التّدخّل في عقائدنا ومناهجنا، وفرض إسلام أمريكيّ يتساوق مع علوّهم وكبريائهم حتّى يصير ديننا لا يتقاطع مع مصالحهم ولا يقاوم أو يردع عدوانهم.
من خلال تحكّمهم في أنظمتنا السّياسيّة وآختراقهم لمؤسّساتنا الأمنيّة ومساندتهم لهما بل دعمهما لآستئصال الخارجين عن تلك الأنظمة اللّاشرعيّة.
من خلال تحكّمهم في أنظمة عيشنا وحياتنا وثقافتنا ولغتنا وإعلامنا تحت مسمّيات الحداثة والعولمة والإنسانيّة وغيرها من الزّور والباطل.
من خلال تحكّمهم المعرفيّ، عبر احتكارهم مفاتيح المعرفة والعلوم وأسرار التّّقنية والبحث العلميّ و تقانة السّلاح خاصّة.
من خلال تحكّمهم الماليّ وإخضاع هذه الأنظمة العربيّة التّابعة لشروط الصّناديق الرّأسماليّة الدّوليّة، وفرض منهجهم الإقتصاديّ وتفرّدهم التّجاري، ومن خلال آفتاك النّفط والخامات الأخرى بحثا واستخراجا وتصنيعا وتسعيرا.
من خلال احتكار الشّرعية الدّولية عبر ما يسمّى الأمم المتّحدة بتطبيق معايير مزدوجة و إهمال حقوق ما يقارب المليار ونصف من المسلمين.
إنّ الإمبراطوريّ الأمريكيّ لا يصدّقه أحد وهو يدّعي أنّه لا يحارب الإسلام، لأنّ الذي يشنّ الحرب على العراق بالكذب على العالم لا يصدّقه عاقل، وإنّ الإدارة الأمريكيّة تحقد على المسلمين بسبب إسلامهم، ولإيضاح هذه الحقيقة الأخيرة هاك شهادة واحدة من المفكِّر النّمسوي: " فيما يتعلّق بالإسلام لا نجد موقف الأوروبيّ موقف كره في غير مبالاة فحسب، كما هو الحال في موقفه من سائر الأديان والثّقافات، بل هو كره عميق يقوم في الأكثر على صور من التّعصّب الشّديد، وهذا الكره ليس عقليّا فحسب، ولكنّه مصطبغ أيضاً بصبغة عاطفيّة قويّة، قد لا تتقبّل أوروبة تعاليم الفلسفة البوذيّة أو الهندوكيّة، ولكنّها تحتفظ دائماً فيما يتعلّق بهذين المذهبين بموقف عقليّ متّزن مبنيّ على التّفكير، إلاّ أنّها حالما تتَّجه إلى الإسلام يختلّ التّوازن ويأخذ الميل العاطفي بالتّسرّب حتّى إنّ أبرز المستشرقين الأوربيين جعلوا من أنفسهم فريسة التّحزّب غير العلميّ في كتاباتهم عن الإسلام، ويظهر في بحوثهم على الأكثر كما لو أنّ الإسلام لا يمكن أن يعالج كما لو أنّه موضوع بحث في البحث العلمي، بل على أنّه متّهم يقف أمام قضاته، إنّ بعض المستشرقين يمثّلون دور المدّعي الذي يحاول إثبات الجريمة، وبعضهم يقوم مقام المحامي في الدّفاع، فهو مع اقتناعه شخصيّاًّ بإجرام موكّله لا يستطيع أكثر من أن يطلب له مع شيء من الفتور اعتبار الأسباب المخفِّفة "1
خلاصة ما سبق:
لقد أسّست الإمبراطوريّة الأمريكيّة علاقاتها الدّوليّة على القوّة من أجل تحقيق مصالحها، فتحكّمت في عقائد المسلمين ومواردهم بالقوّة وتهدّد كلّ من يقف أمامها بالتّدمير، و تستخدم كلّ مراكز صنع القرار في العالم للمضي قدماً فى مشروعها الإمبراطوري، وتتحكم بالفعل في بلاد العرب والمسلمين وهي تتدخل في كلّ شؤونها باسم حماية حقوق الإنسان، أو تحت شعار الإصلاح السّياسيّ أو الاقتصاديّ، أو باسم مكافحة الإرهاب والتّطرّف ووفق رؤيتها. فلقد ابتدأت بأفغانستان ثمّ بالعراق والسّودان والصّومال و لبنان و حماس، وستنتهي حتما بكلّ العلمانيّين الذين وقعوا بين فكّين عظيمين أحلاهما علقم بين الإمبراطوريّ الأمريكيّ وبين الشّعب الغاضب.
لقد تبيّن لكلّ ذي عقل، هشاشة الأساس الأخلاقيّ الذي يطبع علاقة الغرب بالمسلمين وما قصص كذب بوش ووزير خارجيّته إلاّ دليل على ذلك، وتبيّن كذلك أنّ علاقة الإمبراطوريّة الأمريكيّة الدّولية أسّست على المصلحة القوميّة والقوّة، وأنَّ القوّة تحكم تعيين تلك المصلحة أكثرَ مما تحكم المصلحة سلوك القوّة، ولذلك لا يرون المسلمين إلاّ نفطا أو قطنا أو غازا يجلب الدّولار، دعك من خطابات حقوق الإنسان وحرّيّاتهم وكرامتهم!!!
إنّ القارئ الكريم لمّا يستجمع إلى ذهنه كلّ هذه الحقائق السّابقة وعندما يرى أنّ المسلمين هم على خريطة النظام الدّولي الجديد وأنّ وطننا الإسلاميّ الكبير صار محوراً مركزيّا لاهتمام النظام الدولي الجديد ومادّة صراع عقائديّ ملتهب فسيدرك دون تعب أنّ الغرب طبع حضارة القرن بعلاقات دولية عدوانيّة بما يقرّر أنّ الغرب الرّأسمالي سينتهي حتما إلى الفشل الذّريع كما فشلوا من قبل في كلّ حملاتهم. و إنّي على يقين أنّ أمّتنا استفاقت وما عادت تقبل هزيمة جديدة بإذن الله تعالى، وإنّ هذه الحرب التي شنّتها الإمبراطوريّة بمكر الله تعالى هي أكبر من أمريكا وأكبر من حلفائها جميعا"إنّ الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدّوا عن سبيل الله فسينفقونها ثمّ تكون عليهم حسرة ثمّ يغلبون"2.
أمّا المفتونون العلمانيّون العرب، الذين لا يزالون عاكفين على "الحداثة" المعادية للدّين والمستهدفة لمصالحنا والمدمّرة لشعوبنا، هذه الحداثة التي فاقت جرائمها إنجازاتها. فلقد أخذ هؤلاء العلمانيّون أسوأ ما لدى الغرب،" إدانة الإسلام " وردع شعوبنا وربما إبادتها إذا أرادت تحكيم الشّريعة في حياتنا. ومن ثمّ تلحظ أنّنا لا نرى تميّزا للعلمانيّين إلاّ في الوقوف أمام هويّتنا وذاكرتنا، وبعد ذلك يحمّلون الإسلام الذي همّشوه مسؤوليّة كوارثهم.
لقد حرّضت الإمبراطوريّة العلمانيّين العرب على مطاردة ومصادرة كلّ مظاهر الصّمود والمقاومة، ولأنّ تلك الإمبراطوريّة لا تريد لنا الخير أبدا، فهي التي قرّرت أن تكون الفائزة في كلّ الأحوال، فإن نجح العلمانيّون نيابة عن تلك الإمبراطوريّة في ضرب الصّحوة الإسلاميّة، فهو المطلوب الجميل الذي يقدّمونه لها، وإن فشلوا فإنّها قد خطّطت سلفا لتكريس الصّراع بينهم وبين شعوبهم، وهذا ما سيؤدّي حتماً إلى إضعافهم، دعك من الضعف العام الذي يترك الدّولة دائما متوثّبة لتعطيل شعبها عن التّنمية والازدهار.
إذن فمن المسؤول عن هذه الحروب المفروضة على شعوبنا؟ ثمّ هل تنجح هذه الحملة ؟
إنّ هذه الهجمة الشّرسة على الإسلام وطلائعه، لا تدلّ إلاّ على أمر واحد وهو قدرة هذا الدّين العظيم على أنّه أعظمَ قوةٍ نهَّاضةٍ عرفها البشر، إنّنا على يقين بأن الإسلام – دين الله الباقي – وعقيدة التّوحيد الخالص، هي عقيدة الحقّ إلى يوم الدّين، فبالرغم من جميع العقبات التي وضعت أمامه فقد تجاوزها وتخطّاها إلى الغرب نفسه! قال اللّه عزّ وجلّ:"هو الّذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحقّ ليظهره على الدّين كله، ولو كره المشركون"3.
بقي لكلّ عاقل أن يتساءل: هل يعي العلمانيّون العرب - حقّا - أهمّية الإسلام في الميزان الاستراتيجيّ العالميّ؟ فلماذا يبعد هؤلاء الإسلام، وقد جعله الغرب محطّ أنظارهم ويقرؤون له ألف حساب، لماذا لا يقرّ السّياسيّ والمثقّف العلمانيّ العربيّ بفشله عن إيجاد البدائل الإستراتيجيّة لإحداث التّنمية والتّوازن، لماذا لا يقرّ أنّ الحروب التي شنّوها ضدّ هويّة شعبنا باءت كلّها بالفشل؟ إنّه يمكن أن نلخّص المهمّة المنوطة للعلمانيّين الذين تسلّموا السّلطة من الغرب أنّهم وبكلّ بساطة قد أزاحوا الفقيهَ النّافع " خليفة النّبيّ" من مركز الإشراف وقد كان لقرون يضمن للمجتمعات الإسلاميّة المتماسكة الاستمراريّة والتّوازن.
فمن أجل إستشراف المستقبل الإسلاميّ المشرق بعد فشل ما يسمّى بالحداثة، فإنّي على يقين أنّ الدّورة القادمة ستكون لأهل العلم الشّرعيّ، وأنّ حركة الإصلاح الحقيقيّة والجادّة والنّاجحة ستكون حركة قيادة علم وخلق ونفع، من أجل ذلك اخترت الإمام مالك قائدا إصلاحيّا لربوع الخضراء العزيزة!!!
1 الإسلام على مفترق الطرق ص 50-51 ليوبولد فايس – فيما بعد محمّد أسد.
2 الأنفال- 63
3 التوبة-33
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.tunisalmoslima.com/modules.php?name=News&file=article&sid=197


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.