أخي برهان بسيس، تحية طيبة، وبعد: أعتقد أن الوقت مناسب للدخول في مناقشات علنية حول موضوع الإسلاميين والديمقراطية في تونس، ما دمت قد تناولت الموضوع بجرأة وصراحة في جريدة "الصباح الغراء"، في مقالتك "على هامش الإنتخابات المغربية". كتبت في مقالتك: "من الضروري في هذا الملف بالذات أن نطرح التساؤلات ونشرع في التفكير عوض الاكتفاء بوضع الرؤوس في الرمال هروبا من حساسية الأسئلة. هل هناك إسلامي متطرف أو إسلامي معتدل؟! هذا سؤال جوهري ينبغي أن يطرح بالنظر الى دقة الموضوع الذي لا يحتمل تهميشا أو مجاملة". الحقيقة أن هذا ليس هو السؤال المنطقي الأول عند تناول انتخابات المغرب ومشاركة حزب العدالة والتنمية فيها. السؤال المنطقي هو: هل حان الوقت من أجل أن تتيح بلادنا فرصة العمل القانوني للتيار الإسلامي مثل المغرب والأردن والكويت أم لا؟ عصرنا عصر الحرية وليس عصر محاكم التفتيش. الأحزاب الدينية قائمة في بريطانيا والولايات المتحدة وأوروبا. الرئيس بوش فاز في الإنتخابات بأصوات التحالف المسيحي. وتوني بلير سياسي متدين. ونيكولا ساركوزي فاز بقطاع واسع من أصوات الجبهة الوطنية المتطرفة في فرنسا. والناس أحرار، يتدينون أو لا يتدينون، ذلك شأنهم، وجزء من حريتهم التي أتاحها لهم خالقهم، وثبتها الشرائع الوضعية كلها، وعلى رأسها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. قلتُ وكتبت قبل ثلاثة أشهر أن منح الإسلاميين التونسيين جمعية ثقافية وتمكينهم من العمل ضمن التجمع الدستوري الديمقراطي، أو ضمن الأحزاب القانونية الأخرى، أمر مناسب للمرحلة. وأضيف اليوم أنني مواطن تونسي، مستقل سياسيا، وأجد أواصر قرابة فكرية وسياسية قوية مع حزب التجمع الدستوري الديمقراطي. وإذا أتيحت لي فرصة للعمل الحزبي في تونس مستقبلا، فإن واحدا من خياراتي الأساسية الإنضمام إلى صفوف التجمع والمساهمة مع مناضليه في خدمة البلاد. كما أنني أؤيد بقوة ما أكده الرئيس بن علي في مناسبات عديدة، أحدثها خلال خطابه في العيد الخمسين للاستقلال، من اعتزازه واعتزاز التونسيين بالهوية العربية الإسلامية لتونس. بعد بيان هذه الأفكار والمعطيات الرئيسية المهمة، أضيف أن التعامل مع صعوبات معينة تواجهها بلادنا يجب ألا يجعلنا نتخلى عن المبدأ الديمقراطي الأول والأساس: إن من حق الإسلاميين التونسيين أن يكون لهم حزبهم السياسي في إطار القانون. ومن حق حزب العمال الشيوعي أن يكون له حزبه القانوني في إطار القانون. وينطبق هذا على كل الأحزاب الأخرى في بلادنا. وأضيف بصراحة تامة: كل الخيارات الأخرى عبء ثقيل على بلادنا، وعلى الحزب الحاكم وعلى الرئيس زين العابدين بن علي. كل الخيارات الأخرى تسيء لسمعة بلادنا. كل الخيارات الأخرى تضعف مسار تعميق التقاليد الديمقراطية في بلادنا، وتضع تونس في دائرة الإستثناء وخارج تيار التعايش بين السلطات والإسلاميين في العالم العربي. قبيل الذكرى العشرين للتحول، يجب أن يكون لأنصار الرئيس بن علي الجرأة والصراحة والولاء الصادق ليقولوا له باحترام كامل وتقدير كبير: سيادة الرئيس، حان الوقت لإدماج التيار الإسلامي في نسيجنا السياسي القانوني. لن تقبل الأجيال الجديدة أبدا أن يكون بوسع الإسلاميين، بتعدد اجتهاداتهم، تكوين جمعيات وأحزاب من الكويت إلى مويتانيا، بينما تستمر الحكومة التونسية في نفيهم واقصائهم بكل سبيل. الرئيس قال دائما إنه يكره "بني وي وي" (أي الموافقون دائما على ما يقول) ويؤمن بحق الإختلاف ويحب أن يسمع النصيحة المخلصة، لذلك اغتنمت الفرصة لكتابة هذه الأفكار قبيل الذكرى العشرين للتحول. يجب عدم مصادمة الفطرة، وعدم الاستمرار في تبرير مصادرة أشواق الحرية في نفوس التونسيين. كما أن إدماج الإسلاميين سيقدم المزيد من الشعبية والقبول والشرعية لحكومة الرئيس بن علي، ولولاية رئاسية مقبلة ومحتمله له. كل النصائح الأخرى، التي تبرر للإقصاء، والإستبداد، واستثناء التيار الإسلامي وأهله من حق الحرية، وأي تيار سياسي وفكري آخر، يساري، شيوعي، علماني، قومي، ليبرالي، لا تنفع الرئيس بن علي، ولا تنفع أصحابها، ولو كانوا كتابا في غاية الذوق والأدب مثل أخي برهان. أخيرا أحب أن أذكرك بأنك تسكن في تونس المسلمة منذ أربعة عشر قرنا. إذا كنت تتوهم أن مقالات منقولة عن مواقع في الانترنت، أو هي ثمرة اجتهاد أصحابها، تتهم القرآن الكريم بأن به أخطاء لغوية، وتنتقد الرسول صلى الله عليه وسلم لزواجه من أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وتتحدث عن "مناطق كارثية" في سيرته صلى الله عليه وسلم، وتتهم واحدا من أشهر القادة الفاتحين في تاريخ الإسلام بالإغتصاب، إذا كنت ترى أن مثل هذه المقالات ستنشر من دون أن يغضب تونسي واحد، مستقل أو منتم للحزب الحاكم أو للأحزاب الوطنية الأخرى، ويرد عليها، فأحسب أنك تعيش خارج الكرة الأرضية كلها وليس فقط خارج تونس. وقد شاركت بالرد شخصيا. وقلت إن هذا النوع من التعاطي مع القرآن الكريم والرسول صلى الله عليه وسلم وآل بيته الطيبين الطاهرين وصحابته الكرام رضي الله عنهم، عنوان تيار فكري ثقافي ليس له قناعة قوية بالمسائل الدينية. وقد درست في الجامعة التونسية وشهدت وشاركت في مناظرات كثيرة بين طلاب تونسيين مؤمنين وملحدين. وأنا أرى أن الالحاد موقف فكري وايديولوجي لأصحابه الحرية الكاملة في الاعتقاد به والتعبيبر عنه. وقلت أيضا أنني مع حرية كل فرد في التعاطي مع الإسلام، من داخله أو من خارجه، أو من أي موقع يراه مناسبا. دع الأفكار تعرض على الناس، وللناس عقول يزنون بها الأفكار. كما أنني أعلن من جديد بأوضح عبارة ممكنة أنني مع حرية الاعتقاد، وحرية الضمير، وحرية العبادة، مع الحوار بين علماء الأديان وبين الثاقافات والحضارات، ولعلّي الإعلامي التونسي والعربي الوحيد الذي يعد ويقدم حوارات منتظمة بين اليهود والمسيحيين والمسلمين في برامج تلفزيونية تصل إلى ملايين الناس. كما أنني ضد التكفير، وأدين التكفير بشدة وحزم، وأدافع عن حرية التعبير والاعتقاد والضمير للمؤمن والملحد ولجميع الناس، وأدين بذات الشدة والحزم، النزعات الاقصائية التي تريد أن تتسلط على المجتمع، وتصادر حرية التعبير والتجمع وممارسة السياسة من المخالفين في الرأي، ولو كانت التعلة أنهم إسلاميون. وأضيف أمرا آخر يا عزيزي برهان: إن كنت ترى في مثل هذا التوجه الفكري المتحرش بالقرآن الكريم والنبي صلى الله عليه وسلم وآل بيته الطيبين الطاهرين عنوان العقلانية والتقدم، فذلك رأيك الذي أدافع عن حريتك في التعبير عنه. إنني مستعد للتضحية بحياتي من أجل ضمان حريتك في التعبير عن رأيك، وضمان حرية المؤمن والملحد في تونس للتعبير عن رأيه بحرية. وأريد منك أن تعرب عن استعدادك، ليس للتضحية بحياتك، ولكن للتضحية بمقالة واحدة تؤيد فيها حق العمل السياسي القانوني للإسلاميين والشيوعيين والقوميين والعلمانيين وغيرهم دون اقصاء أو استثناء. هذا هو السؤال الرئيس والاختبار الحقيقي للمتطرف من المعتدل في تونس. وللديمقراطي من غير الديمقراطي في تونس. هذا هو السؤال الحقيقي، الذي ينفع جوابه الناس ويمكث في الأرض. أما الباقي فزبد كله، وسترى بأم عينيك إن شاء الله، كيف يذهب جفاء. واسلم لأخيك ومحبك الداعي لك بالتوفيق. د. محمد الهاشمي الحامدي حاشية: أرجو منك أخي برهان التكرم بالمساعدة في نشر هذه المقالة في جريدة الصباح الغراء، أو نشرها ضمن زاويتك "البعد الآخر". المصدر : بريد صحيفة الوسط التونسية بتاريخ 6 Sep 2007 13:00:19 +0100