تثير التفجيرات الانتحارية في الجزائر القلق بشأن الاستقرار على المدى البعيد في منطقة شمال أفريقيا حيث يمنح الركود الاقتصادي والسياسي فرصة لتنظيم القاعدة لاشاعة الاضطرابات الى الجنوب من أوروبا. ولا يرصد كثير من المحللين أي خطر على المدى القريب يهدد الحكام الذين يحكمون قبضتهم بشدة على المنطقة التي تحصل أوروبا منها على 20 في المئة من وارداتها من الغاز وترسل لها ملايين السائحين كل عام. كما من غير المتوقع اندلاع أعمال تمرد واسعة النطاق مثل التي هزت الجزائر وهي عضو بمنظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك) خلال التسعينيات. لكن خبراء يقولون ان الانصراف الشعبي عن شؤون السياسة الرسمية وضآلة فرص العمل قد يمنح المتمردين الاسلاميين في الجزائر الذين تضاءل عددهم لكن زادت جرأتهم الفرصة لتوسيع نطاق أنشطتهم لتشمل تونس والمغرب وليبيا. ويكمن الخطر في أن تساعد المشاكل الاجتماعية المتفاقمة الجماعات المسلحة على أن تجند المزيد من الشبان لتنفيذ هجمات انتحارية من النوع الذي أدى الى مقتل عشرات من الاشخاص في الجزائر هذا العام. ومثل هذا التوجه من شأنه أن يزعزع الثقة في منطقة تحاول استمالة المستثمرين وتعزيز التجارة الاقليمية ومنح الامل للناس. وبالنسبة لعبد السلام سلمان وهو عاطل عن العمل تخرج حديثا من الجامعة ولعشرات الاف من شباب المغرب العربي فقد يكون الحل هو التسلل الى أوروبا على متن قارب كمهاجرين غير مشروعين وليس الارهاب. وقال سلمان "أحتاج وظيفة ومنزلا.. أشياء أساسية لحياة كريمة...مغادرة البلاد بأي وسيلة هو الحل بالنسبة لي." ولطالما اعتبرت الفجوة في المنطقة بين الحكام والمحكومين مصدر خطر. وفي مقال نشر عام 2005 كتب جون بيير انتليس الخبير الامريكي في شؤون المغرب قائلا "الارهاب هو أحد نتائج الفشل في اصلاح واعادة هيكلة الشؤون السياسية بمنطقة المغرب بشكل جذري." وشهدت الجزائر هذا العام أول تفجيرات انتحارية كما تراجعت نسبة الاقبال على التصويت في الانتخابات البرلمانية بالجزائر والمغرب الى 35 و 37 في المئة وهي معدلات متدنية بشكل قياسي الامر الذي أثار مخاوف قديمة بشأن عواقب فرض قيود على الحياة السياسية. وكثفت تونس وليبيا مراقبة الاسلاميين. وقال المحلل السياسي الجزائري محمود بلحيمر ان الناس في المنطقة تعتقد أنه لا جدوى من التصويت لان لن يكون له أي تأثير على حياتهم اليومية. وأضاف أن الامن في المنطقة معرض للخطر ولا يمكن ضمان الاستقرار على المدى البعيد دون الانفتاح على الديمقراطية. وبسبب القلق على المنطقة اقترحت فرنسا تشكيل ما يسمى باتحاد دول البحر المتوسط الذي سيعمل على التنسيق بين الدول في قضايا الهجرة والإرهاب والتنمية الاقتصادية. وهناك فروق شاسعة بين دول شمال أفريقيا فالنظام السائد في ليبيا منذ ثلاثة عقود هو نظام الحكم الجماهيري دون أحزاب سياسية في حين تحكم العائلة المالكة المغرب منذ أربعة قرون وكان زعماء يدعمهم الجيش هم النمط السائد في الجزائر منذ 45 عاما. ورغم أن الجزائر وليبيا من الدول المنتجة للنفط والغاز فهما ضعيفتان اقتصاديا فيما عدا ذلك. أما المغرب وتونس فعلى الرغم من افتقارهما لمصادر الطاقة فلديهما قطاع خاص متنوع يثير إعجاب المستثمرين الأجانب. لكن أوجه التشابه كثيرة أيضا مثل نسب البطالة المرتفعة وضعف الانتاج الاقتصادي والقيود على المشاركة السياسية وتواضع مستوى التعليم والبيروقراطية وضآلة مستويات التجارة في المنطقة. وقال بلال تليدي وهو محلل سياسي وأستاذ جامعي مغربي إن أكثر التهديدات خطورة على منطقة المغرب لن ينبع من الإرهاب بل من القضايا الاجتماعية مثل الاحتياجات الاساسية والقوة الشرائية للمواطنين العاديين. أما المعارض التونسي رشيد خشانة فقال "منع الاحزاب السياسية من رعاية الشبان سيجعل من السهل على المنظمات الإرهابية تجنيد الشبان." وقبل عدة أعوام بدت الأوضاع مختلفة. فقد كان الإصلاح الاجتماعي في المغرب ورفع العقوبات الغربية عن ليبيا من العلامات على أن المنطقة كانت تتجه نحو عهد جديد من الاستقرار. وفوق كل ذلك بدا أن الاضطرابات في الجزائر التي راح ضحيتها زهاء 200 ألف شخص منذ عام 1992 تنحسر. وساعد الجيش في قمع تمرد إسلامي بدأ عام 1992 عندما ألغى الحكام المدعومون من الجيش الانتخابات التشريعية التي كان من المقرر أن يفوز فيها حزب إسلامي متشدد. واستطاعت الحكومة أن تحمل عشرات الالاف من المتمردين على تسليم سلاحهم بعروض عفو متكررة. لكن استخدام المتمردين للتفجيرات الانتحارية واسم القاعدة زاد التوتر من جديد. وقال ولفرام لاتشر من مجموعة السيطرة على المخاطر الاستشارية "الحكومة تجتذب المعارضين بتوزيع عائدات النفط والغاز. هذا عامل مهم يمكن النظام من العمل." وفي المغرب حيث تتمتع العائلة المالكة بشعبية كبيرة يقول النشطاء المؤيدون للديمقراطية إن الخبراء الذين تعينهم الملكية هم الذين يمسكون بزمام السلطة. وشهد المغرب ايضا تفجيرات انتحارية. ورغم أن مستوى التعليم في تونس هو الأفضل في شمال أفريقيا وطبقتها المتوسطة هي الأكبر تتهم جماعات حقوقية الحكومة بأنها تدير دولة بوليسية. وتنفي الحكومة ذلك. وبدأ الزعيم الليبي معمر القذافي أشهر حكام المنطقة الذي يقود ليبيا منذ الاستيلاء على السلطة في انقلاب عام 1969 في تحرير الاقتصاد ببطء لكنه يقول إنه لا مجال للإصلاح السياسي. وتستبعد حكومات المغرب منح أي دور لمن "يتلاعب بالدين لأهداف سياسية" وهو مصطلح يستخدم بكثرة في الإشارة إلى الجماعات الاسلامية. ويقول منتقدون إن ذلك ببساطة يدفع الإسلاميين إلى التفكير في استخدام العنف كطريقة لاسماع أصواتهم. وكتب المحلل الجزائري عبيد شارف قائلا إن من غير المجدي محاربة "الإرهابيين" إذا لم يتم التعامل مع الاسباب التي تؤدي لظهورهم. وأضاف أنه من دون إصلاح سياسي واقتصادي واجتماعي فستتوفر العوامل لتجدد العنف. من الامين الشيخي (شارك في التغطية الامين الغانمي في الرباط وطارق عمارة في تونس)