حققت الدول العربية نتائج مخيبة للآمال في التقرير الاخير الذي صدر عن مؤسسة الشفافية الدولية لعام 2007، والذي اعلنت نتائجه في مدينة برلين الالمانية. فقد جاءت قطر كاكثر الدول العربية شفافية، واقلها فسادا، حيث احتلت المركز الثاني والثلاثين علي المستوي العالمي، وتلتها دولة الامارات العربية المتحدة في المركز الرابع والثلاثين والتي تراجعت بمقدار ثلاثة مراكز عن ترتيبها العام الماضي (31). وتراجعت جميع الدول العربية تقريبا في مقدار الشفافية عن مراكزها التي حققتها العام الماضي، فقد حلت البحرين في المركز (46) بدلا من (36) العام الماضي، الاردن (53) بدلا من (40)، وسلطنة عمان (55) بدلا من (39)، الكويت (60) بدلا من (47)، ، السعودية (79) بدلا من (70)، ثم الجزائر (99) بدلا من (84)، ولبنان (99) بدلا من (63). بينما احتلت مصر المركز (105) بدلا من (70)، موريتانيا (123) بدلا من (86)، ليبيا (131) بدلا من (107)، واليمن (131) بدلا من (119)، سوريا (138) بدلا من (97)، السودان (174) بدلا من (159)، العراق (178) بدلا من (161)، وأخيرا الصومال التي حلت في ذيل قائمة دول العالم في المركز (179). ويستثني من قائمة التراجع العربي في جدول الشفافية دولتان فقط، هما قطر التي قفزت من المركز الثاني عربيا الي المركز الاول، والمغرب التي قفزت بمقدار عشرة مراكز هذا العام، حيث جاءت في المركز (72) بدلا من (82) العام الماضي. وقالت هوجوت لابيل رئيسة منظمة الشفافية الدولية: مع احراز بعض التقدم، يبقي الفساد فجوة استنزاف للثروات التي يكون قطاع التعليم والصحة والبنية التحتية بامس الحاجة اليها. ويجب علي الدول التي تقع في آخر جدول الفساد اخذ هذه النتائج بجدية والعمل الان لتعزيز المسئولية في المؤسسات العامة". واوضح التقرير ان ثمة علاقة قوية وواضحة بين الفساد والفقر في نتائج المؤشر لعام 2007، حيث تبين ان 40% من الدول الحاصلة علي اقل من ثلاث نقاط من عشر نقاط، مصنفة من جانب البنك الدولي بانها دول ذات دخل منخفض. وقد حققت بعض الدول الافريقية تحسنا ملحوظا في مؤشر مدركات الفساد هذا العام عن العام الماضي، مثل: ناميبيا، سيشيل، جنوب افريقيا، وسوازيلاند. وتعكس هذه النتائج التطور الايجابي لمكافحة الفساد في افريقيا، وتبين ان الارادة السياسية والاصلاح بوسعهما ان يقللا من حجم الفساد. ومن بين الدول الاخري التي حققت تقدما هذا العام: كوستاريكا، ايطاليا، رومانيا، سورينامي، ومقدونيا. اما الدول التي منيت بتدهور فتضم الآتي: النمسا، البحرين، بليز، بوتان، الاردن، لاوس، ماكاو، مالطا، موريشيوس، عمان، غينيا الجديدة باباو، وتايلاند. كما استطاع عدد من الدول الفقيرة احتواء نسبة الفساد لإحراز نتيجة افضل في مؤشر مدركات الفساد ومن ضمن هذه الدول: بوتسوانا، الرأس الاخضر، شيلي، دومينيكا، استونيا، غانا، السنغال، اورجواي. واثبتت هذه الدول ان من الممكن الافلات من بؤرة الفقر والفساد. وفي الوقت نفسه اوضحت نتائج التقرير ان الاضطرابات السياسية لها ثمن فادح علي صعيد الشفافية والفساد، حيث بقيت الدول المضطربة سياسيا في اسفل الجدول مثل افغانستان والعراق وميانمار والسودان والصومال. واوردت منظمة الشفافية الدولية عددا من التوصيات في تقريرها، الذي اكدت فيه علي ان الفساد يمثل مشكلة عالمية لها تأثير دولي، وتحتاج الي مبادرة علي نطاق واسع. ومن بين هذه التوصيات: اولا، يتوجب علي الدول النامية استخدام المساعدات المالية لتعزيز المؤسسات الحكومية، مصاحبة لتقييم وطني واستراتيجيات تطويرية تشمل خطة لتعزيز النزاهة ومكافحة الفساد كركن في برامج مكافحة الفقر. ثانيا: تعزيز القضاء المستقل والنزاهة، وتحمل المسئولية لتنمية النظام القضائي في الدول الفقيرة. يجب ان تكون الانظمة القضائية محصنة من التأثير السياسي. ويكون القضاة انفسهم خاضعين للقوانين، لهم حصانة محددة وسلوك قضائي نزيه يضمن العدالة. ويجب ان يكون النظام القضائي نزيها وقادرا في الدول النامية لامكانية ادارة طلب المساعدة لاسترجاع الممتلكات المنهوبة من الخارج. ثالثا: يتوجب علي الحكومات فرض اجراءات لمكافحة الفساد، ويجب علي المؤسسات البنكية الرائدة تطوير اجراءات لكشف وتجميد واسترجاع المبالغ المسروقة من خلال الفساد. رابعا: يتوجب علي الدول الغنية ضبط المؤسسات المالية من خلال التركيز علي صناديق الائتمان، وطلب معلومات عن الملكية، ومكافحة غسيل الاموال. خامسا: يجب علي الحكومات الغنية تطبيق اتفاقية منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي ضد الرشوة والتي تجرم رشوي الموظف الحكومي. مع ادراك ان عدم الالتزام بهذه الاتفاقية يعيق عملية التحقيق في حالات الفساد وملاحقتها قانونيا. سادسا: يتوجب علي الشركات العالمية فرض وتطبيق وثيقة "افضل الممارسات" والتأكد من ان الموظفين والفروع الخارجية يلتزمون بها. وجاءت النتيجة المتردية بالنسبة لانتشار الفساد في مصر، والذي تم التعبير عنه بتراجع مصر بمقدار خمسة وثلاثين مركزا عن العام الماضي، ليثير ضجة كبيرة في الاوساط السياسية والاقتصادية، لا سيما علي صعيد المعارضة. وهو ما عبر عنه النائب حمدين صباحي عضو مجلس الشعب عن حزب الكرامة، حيث علق قائلا: "لم يفاجئنا تقرير منظمة الشفافية الدولية الذي اكد علي تزايد وانتشار الفساد في مصر، فنحن نلمس ذلك بانفسنا، وجميع المصريين لمسوه ايضا عبر تفشي الغلاء الذي يكاد ان يقهر المواطن المصري الفقير، من اجل ان يتحول الي ارصدة في مختلف بنوك العالم باسماء كبار اللصوص وكبار الفاسدين الذين ينهبون هذا البلد". واشار حمدين الي ان انفجار الغضب الشعبي واندلاع المظاهرات في مختلف اقاليم مصر، لا سيما علي صعيد العمال والفلاحين، انما يعبر عن حالة الضجر التي وصل اليها المصريون، مطالبين باجتثاث الفساد من جذوره، مهما كان الثمن، ومتمسكين بايجاد حالة من الاصلاح الحقيقي والانطلاقة الوطنية التي تأخرت عن موعدها لعشرات السنين بسبب ممارسات مغلوطة". في حين قلل اقتصاديون من المغزي الكامن في تراجع مصر بمقدار 35 مركزا عن ترتيبها العام الماضي في جدول الشفافية، مشيرين الي ان تقرير هذا العام يتضمن تقييم اداء 180 دولة، بينما تضمن المؤشر العام لعام 2006 تقييم اداء 163 فقط، اي بزيادة قدرها 17 دولة. رافضين القول بأن ذلك يعني تفشي الفساد في مصر، مستشهدين بمحاكمة عدد من المسئولين الحكوميين، بما يدل علي انتفاضة ضد الفاسدين مهما كانت انتماءاتهم الحزبية والفكرية. وتشهد مصر هذه الايام حملات دعائية واعلامية تروج لتحسن احوال مصر علي كافة المستويات، كي تتزامن مع انعقاد الانتخابات الداخلية والمؤتمر العام للحزب الوطني الحاكم في مصر، في ظل توقعات باعادة انتخاب الرئيس محمد حسني مبارك، رئيسا للحزب لفترة جديدة، حتي يتمكن من خوض انتخابات الرئاسة القادمة، والتي يشترط الدستور ان يكون كل من يشارك فيها ذو صفة حزبية متقدمة في حزبه! تجدر الاشارة الي ان الدنمارك جاءت علي رأس الدول الاكثر شفافية علي مستوي العالم هذا العام، ويليها فنلندا، نيوزيلنجا، سنغافورة، والسويد، ايسلندا، هولندا، سويسرا، كندا والنرويج. وجاءت بريطانيا في المركز ال13، واليابان (18)، يليها فرنا ثم الولاياتالمتحدةالامريكية التي احتلت المركز العشرين. الراية القطرية بتاريخ 27 سبتمبر 2007