لا تُخفي الحاجة جميلة وهي تقف امام احد محلات السوق المركزية، كبرى اسواق اللحوم والخضار والفواكه وسط العاصمة التونسية، انزعاجها من الازدحام في السوق ورفع الاسعار والغش... وتقول وهي تراقب البائع «ثالوث يزعجني في هذا الشهر الكريم: الازدحام وارتفاع الاسعار والغش». ويرى علي النفاتي وهو مدرس كان يشق طريقه بصعوبة بين المشترين في السوق، ان «هذا التهافت على المشتريات مرده الاحساس بالحرمان بقية ايام السنة بسبب ارتفاع الاسعار وتدهور المقدرة الشرائية نتيجة ضعف الرواتب». ويقدر معدل دخل الفرد السنوي في تونس بثلاثة آلاف دولار اي ما يعادل 250 دولار شهرياً. ويزيد استهلاك التونسي خلال شهر رمضان مرتين على الاقل. وتؤكد وزارة التجارة ان « نسبة استهلاك اللحوم والدواجن تزيد في رمضان 38 في المئة والبيض 98 في المئة والحليب ومشتقاته 92 في المئة والخبز 30 في المئة. كما يتضاعف استهلاك الاسماك 4 مرات والتمور 6 مرات». وامام هذا الافراط في الاستهلاك تسعى السلطات الى توفير حاجات مائدة رمضان والى الحفاظ على التوازن بين العرض والطلب، واتخذت جملة من الاجراءات لمراقبة الاسعار والحد من ارتفاعها. وخزنت وزارة التجارة قبل حلول شهر الصيام 72 مليون بيضة و35 مليون لتر من الحليب و300 طن من لحم الدجاج و800 طن من الزبدة و2000 طن من التمور. وازاء ظاهرة الاستهلاك الاستثنائي هذه دعت المنظمة التونسية للدفاع عن المستهلك الى «تجنب مظاهر التبذير وظاهرة التخزين وتوخي الاعتدال في الاستهلاك اليومي واقتناء المواد الغذائية بكميات تتلاءم والحاجات الحقيقية للاسرة». ويشهد شهر رمضان في تونس تغيير مهن الكثير من الباعة لتتلاءم مع حاجات المستهلك. فتتحول الكثير من المطاعم التي يتقلص عدد زبائنها الى محلات لبيع الحلويات التقليدية التي يقبل عليها التونسيون بكثرة خلال هذا الشهر الذي تستمر فيه السهرات العائلية حتى موعد السحور. كما تتحول بعض الحانات التي يمنع عليها بيع الخمر طيلة شهر رمضان، الى فضاء لبيع الاجبان والفواكه او الى مطاعم «مستترة»» توفر وجبات سريعة لغير الصائمين خلال ساعات النهار. وتنشط في اماكن اخرى تجارة البخور والسجاد للصلاة نظراً إلى الاقبال الكبير على المساجد خصوصاً مساء لأداء صلاة التراويح. ويستغل بعض الباعة اقبال التونسيين على الشراء لرفع الاسعار والتلاعب بها او للبيع «المشروط». وتنتقد منية الوصيف (ربة بيت) التجار الذين يرفعون الاسعار بلا رحمة، ويفرضون على الزبون اقتناء بضاعة اضافية عند شراء احد المنتوجات الغذائية المطلوبة في السوق. ولئن بدت الحاجة جميلة مرتاحة لتوفر كل ما تحتاجه الا انها لم تخف حسرتها على ايام زمان حين كانت تستعد لشهر رمضان قبل حلوله بفترة على عكس ما هو حاصل اليوم في تونس. وتوضح «في الماضي كان اغلب العائلات التونسية تحضر العولة (التموين الغذائي) قبل قدوم شهر رمضان تحسباً لأي طارىء» مشيرة الى ان «الفضاءات التجارية وان نجحت في كسب ود الزبون التونسي نتيجة ما توزعه يومياً من مطويات اشهارية في كل مكان الا انها غيرت كثيراً من عاداته وسلوكياته». ولا يمر شهر رمضان من دون ان تخلف «موائده الدسمة» مشاكل صحية كثيرة فتنشط مراكز الاسعاف ليلاً ونهاراً. وحذر الصادق قايجي رئيس قسم بالمعهد الوطني للتغذية من امراض السكري والمعدة والبدانة التي تطال النساء والرجال على حد سواء إذ يزيد وزنهم بمعدل 5 في المئة خلال شهر الصيام، على حد قوله. غير ان كل نصائح الجمعيات والاطباء والتوعية عبر وسائل الاعلام لم تتمكن حتى الآن من تخفيف اقبال الصائمين على «الزلابية والمخارق» (حلويات شعبية) وغيرها من الحلويات التي تكاد لا تغيب عن بيت في سهرات تونس الرمضانية.