تحت عنوان "إنجاز الأحكام" الوارد ببا ب "في رحاب العدالة" بصحيفة الصباح التونسية الصادرة بتاريخ 06/10/2007 تناول الأستاذ المنجي الغريبي :"مسألة تعطل إنجاز الأحكام في مختلف المحاكم ،فبعد الصيف وعطلة،وتعطيلا ته،جاء رمضان ليكون تعلة لإرجاء العديد من الاعمال..."(الكلام بين معقوفين حرفيا للأستاذ الغريبي ) وهو مشكل عويص من بين المشاكل المتعددة التي تعترض المحامين أثناء مباشرتهم لواجباتهم المهنية، وهو مشكل لطالما أرّق المحامين عموما والهيئة الوطنية للمحامين خصوصا التي كان من المطالب الجوهرية في حوارها مع السلطة ضرورة التعجيل بإنجاز الأحكام لتسهيل إيصال الحقوق لأصحابها مما جعل بعض المحاكم داخل القطر تلتجأ لبعض الحلول الترقيعية كتمكين بعض المحامين من مسودة الأحكام ليرقونها بمكاتبهم ويرجعونها بعد ذلك للمحكمة لإستكمال إنجازها وإلتجاء البعض الآخر لإبرام عقود مع مكاتب رقن خاصة لإنجاز المهمة ،ورغم ذلك بقي المشكل بدون حل ولا عمل وشّكل القاعدة في إنجاز الأحكام إلى أن كان الإستثناء الذي لم يتفطن إليه الأستاذ الغريبي،إنّه الحكم الجائر"المهزلة" عدد60386/2007 الصادر عن محكمة ناحية تونس في 01/10/2007 مساءا والقاضي بإخراج الحزب الديمقراطي التقدمي من مقره المركزي بالعاصمة وتسليمه شاغرا من كل الشواغل لمالكه ،والواقع الإعلام به في 03/10/2007 صباحا ،أي أن تلخيص الحكم ثم رقنه ثم مراجعته ثم رقن المراحعات ثانية ثم تسجيله بالقباضة المالية التي يجب أن تبقى لديها النسخة 24 ساعة تم في غضون أقل من ثلاثين ساعة!! سبحان الله الذي لا راد لقضائه ماهذه الحيوية ؟وما هذا النشاط الذي أصاب فجأة كتابات محكمة ناحية تونس ؟،وماهو مآل مئات الأحكام المعطلة بخزاناتها الآن؟،نسخة تنفيذية تحضر بهذه السرعة دون الإلتجاء لمكاتب رقن خاصة أو تلسيم مسودته للمحامي قصد رقنه بمكتبه وإضّطر كتابة المحكمة والقباضة المالية للعمل ليلا لابد وأن يكون أحد أطراف هذا الحكم محظوظا هل هو المدعي مالك العقار؟أم المحامي القائم بالدعوى؟ حكم جاهز بالرغم من قّر الصيف وشهر رمضان!لا هذا ولاذاك ؟إنها السلطة صاحبة المصلحة في صدور الحكم عدد 60386 لتستغله في معركتها التي تشنها بلا هوادة ضد الحزب الديمقراطي التقدمى موظفة بذلك القضاء والإدارة،إنه أمر دبر بالليل لتصفية المعارضة السياسية الوطنية المستقلة وليس لها أي علاقة بنزاع مدني بين مسوغ ومتسوغ ، ولو كان الأمر كذلك لصارت الأمور مجراها الطبيعي وتم إستخراج نسخة تنفيذية من الحكم المذكور في أجاله الطبيعية كبقية مئات الأحكام الصادرة قبله بأشهر إلا أن رغبة السلطة في إنهاء هذه الأزمة بجميع الوسائل جعلها ترتكب هذا الخطأ الجسيم الذي أظهر الصبغة السياسية الحقيقية للإضراب عن الطعام الذي تشنه الأخت مية الجريبي الأمينة العامة للحزب الديمقراطي التقدمي والأستاذ نجيب الشابي مدير صحيفة الموقف إحتجاجا على محاولة السلطة إخراجهم من المقر،فماذا إقترف الحزب الديمقراطي التقدمي حتى يكون في مرمى نار السلطة السياسية؟ إرتكب الحزب الديمقراطي التقدمي خمس خطايا (وليس خطيئتين فقط واحدة تكتيكية وأخرى إستراتيجية ذكرهما أحدهم بإحدى الصحف اليومية ولا يستحقان الرد ) جعلت السلطة محقة في إستهدافه!!: أول هذه الخطايا والتي تتنزل في منزلة الكبائر هو أن الحزب الديمقراطي التقدمي أراد أن يكون حزبا معارضا حقيقا للسلطة مستقلا عنها وليس مجرد ديكور كبقية الأحزاب التي تدعي زورا وبهتانا المعارضة ويمارس دوره الطبيعي كحزب معارضة فلا سلطة سياسية بدون معارضة سياسية ،ولا معارضة سياسية بدون معارضة للسلطة السياسية القائمة وتكون بديلا عنها في إنتخابات ديموقراطية نزيهة ومتعددة وليست معارضة من أجل المعارضة. ثاني هذه الخطايا هو أن الحزب الديمقراطي التقدمي وفي الوقت الذي إنشغلت فيه أحزاب الديكور بالتقاتل والتطاحن الداخلي حول فتات مقاعد مجلس النواب وبعض السفارات والتسابق على تلميع صورة النظام وتبرير فشل سياساته في جميع الميادين، ومن باب ممارسة دوره الطبيعي كحزب معارضة كان من بين الرافضين لتنقيح ماي 2002 والمكرس للرئاسة مدى الحياة وأقام وشارك في العديد من الندوات والمحاضرات والتظاهرات الرافضة لمصادرة رأي شعبنا وتعويمها بإستفتاء شكلي لم تتجاوز نسبة المشاركة فيه 20%. ثالث هذه الخطايا أن الحزب الديمقراطي التقدمي فتح مقره المركزي أمام جميع المغضوب عنهم من طرف السلطة ومن جميع الإتجاهات دون إستثناء أثناء عشرية التسعينات ،عشرية الجمر وكان سباقا في قبول وسماع ومساعدة جميع المضطهدين والمحرومين والمشردين السياسيين وكان مقره وجريدته "الموقف" منبرا تكلم فيه الجميع دون إستثناء ،ونحن كوحدويين ناصريين بتونس أعلنا عن تواجدنا كطرف سياسي داخل القطر بمقر الحزب الديمقراطي التقدمي في بداية مارس 2005 أثناء الإجتماع الإحتجاجي على الدعوة التي وجهتها السلطة لمجرم الحرب الإرهابي الصهيوني شارون لحضور قمة المعلومات ،وكان المقر المربع الأخير لحرية شعبنا الرافض للتطبيع مع العدو الصهيوني وإحتضن المقر عديد الإجتماعات والتظاهرات الداعمة للمقاومة العربية في العراق وفلسطين ولبنان ،وكان مساندا قويا لجمعية القضاة التونسيين الشرعية قبل الإنقلاب عليها وللرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان وللمحاميين إبان أزمتهم ولمعركة المساجين السياسيين والقائمة تطول...... على عكس الأحزاب الأخرى التي إحتكرت مقراتها وجرائدها لوحدها مكيلة المديح والثناء للسلطة القائمة بمناسبة ودون مناسبة وتخوين المناضلين الوطنيين الشرفاء رابع هذه الخطايا مشاركة الحزب الديمقراطي التقدمي في شخص أمينه العام أنذاك الأستاذ أحمد نجيب الشابي في الإضراب عن الطعام الذي خاضه عديد الشخصيات السياسية المنتمية لبعض الأحزاب والجمعيات غير المعترف بها في مثل هذا الشهر من سنة 2005 للمطالبة بحرية التنظم الحزبي والجمعياتي وحرية التعبير والصحافة وإطلاق سراح المساجين السياسيين وسن قانون العفو التشريعي العام ،وكان هو الحزب القانوني الوحيد المعترف به المشارك في الإضراب ثم أصبح بعد ذلك مكونا رئيسيا من مكونات هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات إلى جانب التيار اليساري والناصري والإسلامي والليبيرالي والمستقلين وهو حدث شكل منعطفا هاما في التاريخ السياسي للقطر تجاوزت فيه المعارضة الوطنية من رد الفعل إلى الفعل ذاته ومن الخلافات والمماحكات الإيديولوجية إلى العمل السياسي البناء حتى وإن كان في حده الأدنى. خامس هذه الخطايا أن الحزب الديمقراطي التقدمي رفض أن يكون شاهد زور في الإنتخابات التشريعية والرئاسية 2004 معلنا مقاطعته لتلك المهزلة ومن ذاك المنطلق يرفض كذلك الإنخراط في مهزلة 2009 وكان من بين الآوائل الرافضين للحملة الإنتخابية السابقة لآوانها وتوظيف جميع أجهزة الدولة لمرشح الحزب الحاكم ومطالبا بأن تكون إنتخابات حرة ديمقراطية ونزيهة. لقد حوكم الشاعر العربي من مصر أحمد الشهاوي من أجل ديوانه "الوصايا العشر في عشق النساء" ،الآن ذهب الحكم هباءا منثورا وبقيت الوصايا العشر وبقي العشق وسيذهب الحكم عدد60386 أدراج الرياح وستبقى الخطايا الخمس نجوم تتلألأ ونياشين معلقة على صدر الحزب الديمقراطي التقدمي حتى وإن تم على أساسها إستهدافه وهرسلته وإدخاله في متاهات قضائية قصد إقصاءه من كل معركة سياسية وكعادتها السلطة دائما تهرب من ملعب السياسة إلى ملعب القضاء والنزاع المدني وفي نهاية المطاف الملعب الأمني، ومن وجهة نظرنا الناصرية أنه يجب التصدي للإستبداد وفرض الحريات السياسية داخل القطر لأن الصامتين اليوم عن الإستبداد الإقليمي هم المستبدون غدا في دولة الوحدة وأنه لا يمكن تحت أي مسوغ من المسوغات بيع الحرية بوعود الوحدة والإشتراكية من أجل بناء حياة ديمقراطية سليمة ،ألم يكن بناء حياة ديمقراطية سليمة إحدى مبادىء الثورة الناصرية المجيدة.