شدد الرئيس التونسي زين العابدين بن علي على أن الإرهاب قد تحول في العصر الحديث إلى آفة عابرة للقارات، تربك العلاقات الدولية وتهدد الأمن والاستقرار في العالم وجدد تنديد تونس بالخلط السائد اليوم في الغرب بين الإرهاب والإسلام معربا عن الأسف لما يتعرض له المسلمون من مضايقات وحملات تشويه غير مبررة. وأضاف بن علي في خطاب افتتح به المؤتمر الدولي حول "الإرهاب: الأبعاد والمخاطر وآليات المعالجة" الذي تحتضنه تونس من 15 إلى 17 نوفمبر/تشرين الثاني الحالي أن نجاح المجموعة الدولية في مقاومة الإرهاب، يتوقف إلى حد بعيد على الأساليب التي تتوخاها وأبرزها: "ألا نقابل العنف بالعنف، وألا نعتمد كليا على الحلول الأمنية التي تبقى ضرورية لكنها غير كافية، وألا نتهاون بسد الذرائع التي تتخذ منها الجماعات الإرهابية سببا لمواصلة الترويج لخطابها التحريضي، وتعبئة النفوس على ردود الفعل المتطرفة". ودعا إلى اعتماد العلاج الوقائي الذي يبدأ بالقضاء على الأسباب الدافعة إلى ظهور الإرهاب والظروف المهيئة لانتشاره، بالاعتماد أساسا على تطوير حياة الإنسان اليومية نحو الأفضل، بنشر التعليم والثقافة، والنهوض بأوضاع المرأة والشباب، وتكريس حقوق الإنسان، وتوسيع مجالات الاستشارة والمشاركة، ومكافحة الفقر، وإشاعة التنمية الشاملة المستديمة بين كل الفئات والجهات. وأكد بن علي أن المتطرفين في المجتمعات العربية والإسلامية والمجتمعات الأوروبية والأمريكية استغلوا أحداث ما بعد 11 سبتمبر/ايلول 2001، لإثارة الأحقاد وتأجيج الفتن فقامت الأصولية الغربية بتكريس كره الأجانب والتنظير لصراع الثقافات وصدام الحضارات وأوغلت الأصولية الإسلامية في الرجعية والتطرف، لتتصرف باسم الإسلام وهو منها براء، ولتفرض اتجاهاتها الفكرية والعقائدية بالعنف والإرهاب. كما أكد الرئيس التونسي أن الجماعات الإرهابية المحسوبة على الإسلام، والتي هي بصدد إلحاق أفدح الإساءات بالإسلام والمسلمين، لا تمثل ديننا الحنيف في شيء، إذ هي ظاهرة شاذة، أفرزتها ظروف معينة في المجتمعات العربية والإسلامية، وستزول بزوال هذه الظروف مبينا أن الدين الإسلامي لا علاقة له بالتطرف والعنف والإرهاب، لأنه دين وسطية وسلام وحوار وتسامح. وأشار إلى أن المبادئ التي جاء بها الإسلام، تشترك فيها معه الديانتان السماويتان اليهودية والمسيحية، مما يحمل القائمين على الأديان الثلاثة، مسؤولية تكريس الفضائل التي تجمع بينها، وتثبيت الحوار بين معتنقيها، في كنف الوفاق والتعايش والاحترام المتبادل. وأبرز بن علي أن تونس التي أدركت مبكرا مخاطر التطرف والإرهاب، كانت سباقة منذ تسعينات القرن الماضي، إلى التحذير من عواقب هذه الظاهرة، ونادت بضرورة تكثيف التعاون للوقاية منها والقضاء عليها. كما أنها دعت سنة 2003، إلى عقد مؤتمر دولي تحت رعاية الأممالمتحدة، لوضع إستراتيجية دولية لمكافحة الإرهاب ومعالجة أسبابه، وإعداد مدونة سلوك في المجال تلتزم بها جميع الأطراف. وأعرب عن يقينه بأن وعي الدول اليوم بخطورة الإرهاب، وانخراطها في الاتفاقيات الأممية والقارية والإقليمية المتعلقة بمكافحته واجتثاث أسبابه، ولاسيما منها الاتفاقيات الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن والمنظمات والمؤسسات الدولية المختصة، من شأنه أن يهيئ الظروف الملائمة لإرساء تعاون دولي شامل وناجع في مكافحة الإرهاب، وإقامة شراكة متضامنة ومتكافئة لتقليص الفوارق التنموية بين البلدان. وبعد أن لاحظ أن تونس كانت وما تزال ملتقى الثقافات والحضارات، وجسرا مفتوحا على العالم للتواصل والحوار حول كل ما يخدم التقارب والتفاهم بين الأفراد والطوائف والشعوب والدول أبرز الرئيس بن علي أن بلاده اعتمدت مقاربة شاملة لمقاومة الإرهاب واتخذت مبادرات وأدخلت إصلاحات ما ساعدها على تحقيق عديد المكاسب والانجازات منها تحسين مؤشرات التنمية البشرية مثل تجاوز نسبة تمدرس الفتيان والفتيات في سن 6 سنوات 99%، وبلوغ معدل الدخل الفردي للمواطن التونسي 4.384 دينارا في السنة، وانخفاض نسبة الفقر إلى 3.8%، وتجاوز حجم الطبقة الوسطى نسبة 80%، وارتفاع التغطية الاجتماعية إلى ما يفوق 90%، وارتقاء مؤمل الحياة عند الولادة إلى أكثر من 74 سنة. كما أبرز أن تونس عملت على حماية الدين الإسلامي من كل تحريف، وعلى نشر مبادئه السمحة وما تميزت به من حث على الاجتهاد وإعمال العقل، والتواصي بقيم الوسطية والاعتدال والتسامح، ونبذ الانغلاق والمغالاة والتعصب. وأكد بن علي أن تفاقم الاختلالات الاجتماعية والاقتصادية والعلمية والتكنولوجية بين دول الشمال ودول الجنوب، واتساع رقعة التوترات والنزاعات في العالم، وعدم إيجاد حلول مشتركة ومنصفة للقضايا الدولية العالقة، علاوة على ازدواجية المعايير في التعامل مع هذه القضايا، لما يؤكد جليا، أن عالمنا اليوم ليس على ما يرام، وأن العلاقات الدولية في وضع يبعث على الانشغال وعدم الاطمئنان. وقال بن علي: "إننا نؤمن إيمانا قويا بأن حدة الأوضاع العالمية الراهنة لا يمكن أن تنال من عزمنا على إصلاحها وتغييرها ودرء أخطارها، إذا ما تحلينا جميعا بالشجاعة اللازمة لإنهاء المظالم التي تعيشها بعض الشعوب وأشهرها مظلمة الشعب الفلسطيني الشقيق، وإذا ما حرصنا على توخي العدالة والشمولية في معالجة القضايا المطروحة دون انتقائية أو تفضيل لإحداها على أخرى". واختتم الرئيس بن علي خطابه بالتأكيد على أن أمن الدول واستقرارها وازدهارها، من أمن العالم واستقراره وازدهاره داعيا إلى تعميق البعد الكوني في التفكير والسلوك، بقطع النظر عن تنوع الخصوصيات الجنسية والدينية والثقافية، ودون اعتبار لمسافات التقدم والنمو التي تفصل البعض عن البعض الآخر ملاحظا أن "الإنسانية وحدة لا تتجزأ، وعالمنا واحد، ومصيرنا واحد، ولا سبيل لنا غير التعاون والتضامن، لنواجه معا ما يتهددنا من أضرار ومخاطر ولنجلب معا ما نحتاج إليه من مصالح ومنافع". الجدير بالذكر أن هذا المؤتمر الدولي يلتئم بحضور الأمين العام للأمم المتحدة والأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي والمدير العام للايسيسكو والمدير العام للالكسو وعدد كبير من الخبراء والمفكرين والباحثين والجامعيين من عدة بلدان.