كاتب الدولة لدى وزير الفلاحة: اعداد خطة عمل بكافة الولايات لتفادي توسع انتشار الحشرة القرمزية ( فيديو )    انس جابر تغادر بطولة مدريد من الربع النهائي    اسقاط قائمتي التلمساني وتقية    عين دراهم: إصابات متفاوتة الخطورة في اصطدام سيارتين    الحكومة تبحث تقديم طلب عروض لانتاج 1700 ميغاواط من الطاقة النظيفة    تأخير النظر في قضية ما يعرف بملف رجل الأعمال فتحي دمّق ورفض الإفراج عنه    كمال دقّيش يُدشن مركز إقامة رياضيي النخبة في حلّته الجديدة    باقي رزنامة الموسم الرياضي للموسم الرياضي 2023-2024    القصرين: ايقافات وحجز بضاعة ومخدرات في عمل أمني موجه    تراجع عدد الحوادث المسجلة ولايات الجمهورية خلال الثلاثي الأول لسنة 2024 بنسبة 32 %    طلبة معهد الصحافة في اعتصام مفتوح    بمناسبة عيد الشغل: الدخول إلى المتاحف والمواقع الأثرية مجانا    هذه تأثيرات السجائر الإلكترونية على صحة المراهقين    على متنها 411 سائحا : باخرة سياحية أمريكية بميناء سوسة    نجلاء العبروقي: 'مجلس الهيئة سيعلن عن رزنامة الانتخابات الرئاسية إثر اجتماع يعقده قريبا'    القبض على شخص يتحوّز بمنزله على بندقية صيد بدون رخصة وظروف لسلاح ناري وأسلحة بيضاء    الليلة: أمطار غزيرة ورعدية بهذه المناطق    صفاقس: اضطراب وانقطاع في توزيع الماء بهذه المناطق    قفصة: تواصل فعاليات الاحتفال بشهر التراث بالسند    تحذير رسمي من الترجي التونسي لجمهوره...مالقصة ؟    الترجي الرياضي: نسق ماراطوني للمباريات في شهر ماي    تحذير من برمجية ''خبيثة'' في الحسابات البنكية ...مالقصة ؟    بنزرت: حجز أكثر من طنين من اللحوم    وزيرة النقل في زيارة لميناء حلق الوادي وتسدي هذه التعليمات..    سوسة: حجز كمية من مخدر القنب الهندي والإحتفاظ بنفرين..    أسعار لحم ''العلوش'' نار: وزارة التجارة تتدخّل    عاجل/ "أسترازينيكا" تعترف..وفيات وأمراض خطيرة بعد لقاح كورونا..وتعويضات قد تصل للملايين..!    مختص في الأمراض الجلدية: تونس تقدّمت جدّا في علاج مرض ''أطفال القمر''    يوم 18 ماي: مدينة العلوم تنظّم سهرة فلكية حول وضعية الكواكب في دورانها حول الشّمس    مدينة العلوم بتونس تنظم سهرة فلكية يوم 18 ماي القادم حول وضعية الكواكب في دورانها حول الشمس    خبراء من الصحة العالمية يزورون تونس لتقييم الفرص المتاحة لضمان إنتاج محلي مستدام للقاحات فيها    اتصالات تونس تفوز بجائزة "Brands" للإشهار الرمضاني الأكثر التزاما..    عاجل/ تلميذ يعتدي على أستاذته بكرسي واصابتها بليغة..    إحداث مخبر المترولوجيا لوزارة الدفاع الوطني    الحماية المدنية: 18 حالة وفاة خلال ال24 ساعة الأخيرة    فرنسا تشدد الإجراءات الأمنية قرب الكنائس بسبب "خطر إرهابي"..#خبر_عاجل    زيادة ب 14,9 بالمائة في قيمة الاستثمارات المصرح بها الثلاثي الأول من سنة 2024    تونس: تفاصيل الزيادة في أسعار 300 دواء    هام/ هذا موعد اعادة فتح معبر رأس جدير..    تفاقم عدد الأفارقة في تونس ليصل أكثر من 100 ألف ..التفاصيل    بطولة إيطاليا: جنوى يفوز على كلياري ويضمن بقاءه في الدرجة الأولى    عاجل : الأساتذة النواب سيتوجّهون إلى رئاسة الجمهورية    هدنة غزة.. "عدة عوامل" تجعل إدارة بايدن متفائلة    مفاوضات الهدنة بين اسرائيل وحماس..هذه آخر المستجدات..#خبر_عاجل    توزر...الملتقى الجهوي للمسرح بالمدارس الاعدادية والمعاهد    صدر حديثا للأستاذ فخري الصميطي ...ليبيا التيارات السياسية والفكرية    في «الباك سبور» بمعهد أوتيك: أجواء احتفالية بحضور وجوه تربوية وإعلامية    الخليدية .. أيام ثقافية بالمدارس الريفية    محاكمة ممثل فرنسي مشهور بتهمة الاعتداء الجنسي خلال تصوير فيلم    الاحتفاظ بالمهاجرة غير النظامية كلارا فووي    درة زروق تهيمن بأناقتها على فندق ''ديزني لاند باريس''    قيس الشيخ نجيب ينعي والدته بكلمات مؤثرة    جائزة مهرجان ''مالمو'' للسينما العربية للفيلم المغربي كذب أبيض    ثمن نهائي بطولة مدريد : أنس جابر تلعب اليوم ...مع من و متى ؟    انطلاق فعاليات الدورة السادسة لمهرجان قابس سينما فن    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إرساء تعاون دولي شامل وناجع في مكافحة الإرهاب
خطاب الرئيس بن علي في افتتاح المؤتمر الدولي حول «الإرهاب الأبعاد والمخاطر وآليات المعالجة»
نشر في الصباح يوم 16 - 11 - 2007

قرطاج (وات) اكد الرئيس زين العابدين بن علي في الخطاب الذي القاه فى افتتاح المؤتمر الدولي حول الارهاب «الابعاد والمخاطر وآليات المعالجة» والذي يحضره بالخصوص السيد بان كي مون الامين العام للامم المتحدة وممثلو المنظمات الاممية والدولية والاقليمية والعربية المختصة ان انعقاد هذا المؤتمر في تونس يجسم حرص الجميع على دعم كل المبادرات الاقليمية والدولية من اجل احلال الامان والسلام في العالم.
وبين رئيس الدولة ان الارهاب هو سلوك عدواني مناف لكل المعايير الاخلاقية والدينية والاجتماعية والحضارية وهو انتهاك سافر لسيادة الدول ولميثاق الامم المتحدة ولجميع العهود والمواثيق الدولية مبرزا قدم هذه الظاهرة المرضية وتحولها في العصر الحديث الى افة عابرة للقارات تهدد الامن والاستقرار في العالم.
واوضح ان مكافحة الارهاب لا يمكن ان تعتمد كليا على الحلول الامنية وان تبقى ضرورية وان العلاج الوقائي منها يبدا بالقضاء على الاسباب الدافعة الى ظهور الارهاب بالاعتماد اساسا على تطوير حياة الانسان بالتعليم والثقافة والنهوض باوضاع المرأة ومكافحة الفقر مذكرا بانه تم منذ التغيير وضع خطة وطنية للاصلاح والتطوير والتأهيل والتحديث تربط بين التقدم الاقتصادي والرقي الاجتماعي وتعالج مظاهر الحرمان والخلل التي ينجر عنها شعور بالظلم والحيف ونزوع الى الاحباط واليأس.
واستعرض الرئيس زين العابدين بن علي في هذا الصدد ما تم اقراره من برامج اصلاحية ومبادرات شملت قطاع التربية لتكرس الوعي بالحقوق والواجبات وتعمق الادراك بفضائل الحوار واحترام الراي المخالف وتحفز الى الاجتهاد واعمال العقل والى نبذ التعصب والعنصرية وتوخي السلوك الحضاري والاعتدال في المواقف. كما شملت الاحاطة بالشباب وبالمثقفين مبينا ان تراكم المشاكل فى العصر الراهن والتطور الاتصالي والتكنولوجي الهائل زاد في تعاظم دور المثقفين والاعلاميين والاحزاب السياسية والمنظمات والاتحادات المهنية لاشاعة المبادئ الانسانية المشتركة والتصدي لمظاهر الغلو والتعصب والعنصرية.
كما اكد على اهمية النهوض بمنزلة المرأة وتطوير اوضاعها فى الاسرة والمجتمع في رقي الامم مذكرا في هذا الصدد بالمسار الاصلاحي العريق الذي شهدته تونس في هذا المجال والذي تعزز في عهد التغيير بمزيد الارتقاء بمكانة المرأة على مختلف الاصعدة.
وابرز رئيس الدولة في هذا السياق تاثير ضغوطات الحياة الاجتماعية والاقتصادية على دور الاب والام للاحاطة بالابناء داعيا الى تعميق التفكير في هذه المسالة والبحث عن سبل التكامل الناجح بين ادوار المدرسة والاسرة ومكونات المجتمع المدني بهدف قطع السبيل امام دعاة التطرف لاستغلال هذا الفراغ لصالحهم.
وبعد ان استعرض مؤشرات التنمية البشرية في تونس وما تم اقراره من اليات للنهوض بمستوى عيش المواطنين وما وضع من برامج لخدمة الدين الاسلامي وتكريس قيمه السمحة وفضائله الكريمة جدد الرئيس زين العابدين بن علي تنديد تونس بالخلط السائد اليوم في الغرب بين الارهاب والاسلام ومضيها قدما في تعزيز الحوار بين الشعوب والثقافات والحضارات والاديان مذكرا في هذا الصدد بصدور «عهد قرطاج للتسامح» واحداث كرسي جامعي لحوار الحضارات والاديان وتاسيس جائزة «رئيس الجمهورية العالمية للدراسات الاسلامية» وغيرها من المبادرات بالتعاون مع المنظمات الاقليمية لاثراء الفكر الاجتهادي.
كما ذكر سيادة الرئيس باقتراحه سنة 1989 ابرام عقد للسلم والتقدم بين دول الشمال ودول الجنوب واقرار الجمعية العامة للامم المتحدة بالاجماع لدعوته الى بعث صندوق عالمي للتضامن ومقاومة الفقر وكذلك دعوته سنة 2003 الى عقد مؤتمر دولي تحت رعاية الامم المتحدة لوضع استراتيجية دولية لمكافحة الارهاب ومعالجة اسبابه واعداد مدونة سلوك في المجال تلتزم بها جميع الاطراف.
واختتم رئيس الدولة خطابه بتاكيد اهمية تكريس التواصل والتفاهم بين سائر الدول رغم تنوع خصوصياتها وتفاوت نسبة تطورها ونموها باعتبار التعاون والتضامن هي السبيل الوحيدة امامها لمواجهة ما يتهددها من اضرار ومخاطر وتحقيق المصلحة والنفع للجميع.
وفيما يلي النص الكامل لخطاب الرئيس زين العابدين بن علي:
«بسم الله الرحمان الرحيم
معالي السيد بان كي مون الامين العام للامم المتحدة
معالي السيد أكمل الدين إحسان أوغلي، الامين العام لمنظمة المؤتمر الاسلامي،
معالي الدكتور عبد العزيز التويجري، المدير العام للمنظمة الاسلامية للتربية والعلوم والثقافة،
معالي الدكتور المنجي بوسنينة المدير العام للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم،
أصحاب السعادة والفضيلة،
ضيوف تونس الكرام،
حضرات السادة والسيدات،
أفتتح المؤتمر الدولي حول "الارهاب: الابعاد والمخاطر وآليات المعالجة"، مرحبا بالسيد بان كي مون، الامين العام للامم المتحدة وبممثلي المنظمات الاممية والدولية والاقليمية والعربية المختصة، وبسائر الخبراء والمفكرين والباحثين والجامعيين من البلدان الشقيقة والصديقة، الذين نعتز بمشاركتهم في هذا المؤتمر، ونرجو لهم إقامة طيبة ببلادنا ؛ فتونس كانت وما تزال ملتقى الثقافات والحضارات، وجسرا مفتوحا على العالم للتواصل والحوار حول كل ما يخدم التقارب والتفاهم بين الافراد والطوائف والشعوب والدول.
وإذ أشكر السادة بان كي مون ، الامين العام للامم المتحدة، وأكمل الدين إحسان أوغلي، الامين العام لمنظمة المؤتمر الاسلامي، وعبد العزيز التويجري، المدير العام للمنظمة الاسلامية للتربية والعلوم والثقافة، على كلماتهم اللطيفة ومشاعرهم النبيلة نحو تونس وشعبها، فإني أنوه بهذه المناسبة بدور منظمة الامم المتحدة والمنظمات الدولية والاقليمية المختصة، وفي مقدّمتها : منظمة الامم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو"، والمنظمة الاسلامية للتربية والعلوم والثقافة "الايسيسكو"، والمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم "الالكسو"، في سعيها الحثيث إلى تكريس الحوار بين الثقافات والحضارات والاديان، وإشاعة القيم الكونية المشتركة بين الامم.
ونحن نعتبر انعقاد هذا المؤتمر ببلادنا، تجسيما لحرصنا جميعا على دعم كل المبادرات الاقليمية والدولية التي تعمل على إحلال الامان والسلام في العالم.
حضرات السادة والسيدات،
ان تفاقم الاختلالات الاجتماعية والاقتصادية والعلمية والتكنولوجية بين دول الشمال ودول الجنوب واتساع رقعة التوترات والنزاعات في العالم وعدم ايجاد حلول مشتركة ومنصفة للقضايا الدولية العالقة علاوة على ازدواجية المعايير في التعامل مع هذه القضايا لمما يؤكد جليا ان عالمنا اليوم ليس على ما يرام وان العلاقات الدولية في وضع يبعث على الانشغال وعدم الاطمئنان.
والمتأمل فيما يقع شرقا وغربا من حوادث تصدم الضمير الانساني بعنفها وبشاعتها سرعان ما يدرك خطورة ما وصل إليه تنامي الكراهية والعداوة بين البشر. ذلك أن مشاعر الخوف والحذر التي أعقبت أحداث 11 سبتمبر 2001، قد دفعت بالعلاقات القائمة بين المجتمعات العربية والاسلامية والمجتمعات الاوروبية والامريكية، إلى وضع يسوده الشك وسوء الفهم.
واستغل المتطرفون من الجانبين هذه الاوضاع، لاثارة الاحقاد وتأجيج الفتن. فقامت الاصولية الغربية بتكريس كره الاجانب، والتنظير لصراع الثقافات وصدام الحضارات. وأوغلت الاصولية الاسلامية في الرجعية والتطرف، لتتصرف باسم الاسلام وهو منها براء، ولتفرض اتجاهاتها الفكرية والعقائدية بالعنف والارهاب.
إن الارهاب سلوك عدواني مناف لكل المعايير الاخلاقية والدينية والاجتماعية والحضارية. وهو انتهاك سافر لسيادة الدول ولميثاق الامم المتحدة ولجميع العهود والمواثيق الدولية. كما أنه ظاهرة مرضية لازمت تاريخ البشرية منذ القديم، لم يسلم منها مجتمع ولا حضارة، كما لم يختص بها دين بعينه ولم يعرف بها بلد دون غيره. وقد تحول الارهاب في العصر الحديث إلى آفة عابرة للقارات، تربك العلاقات الدولية وتهدد الامن والاستقرار في العالم.
لذلك شرعت المجموعة الدولية خلال المدة الاخيرة في العمل على توحيد جهودها لمكافحة الارهاب، واتخاذ التدابير الكفيلة بمنع حدوثه وانتشاره.
ونحن نعتقد أن تحقيق هذه الغاية، يتوقف إلى حد بعيد على الاساليب التي نتوخاها في مكافحة الارهاب، وأبرزها: أن لا نقابل العنف بالعنف، وأن لا نعتمد كليا على الحلول الامنية التي تبقى ضرورية لكنها غير كافية، وأن لا نتهاون بسد الذرائع التي تتخذ منها الجماعات الارهابية سببا لمواصلة الترويج لخطابها التحريضي، وتعبئة النفوس على ردود الفعل المتطرفة.
إن أنجع علاج في نظرنا، هو العلاج الوقائي الذي يبدأ بالقضاء على الاسباب الدافعة إلى ظهور الارهاب والظروف المهيئة لانتشاره، بالاعتماد أساسا على تطوير حياة الانسان اليومية نحو الافضل، وذلك بنشر التعليم والثقافة، والنهوض بأوضاع المرأة والشباب، وتكريس حقوق الانسان، وتوسيع مجالات الاستشارة والمشاركة، ومكافحة الفقر، وإشاعة التنمية الشاملة المستديمة بين كل الفئات والجهات.
وقد بينت الاحداث، أن الانسان الذي يفتقر إلى أبسط مرافق العيش، ويعاني الجهل والخصاصة والعزلة والتهميش، ويحاصره الشك والفراغ والاهمال والقهر، هو الذي يسقط غالبا فريسة سهلة للتطرف والعمل الارهابي.
لذلك اعتبرنا منذ الايام الاولى من تحول السابع من نوفمبر 1987، أن صلاح شؤون وطننا يتوقف على صلاح أوضاعه التربوية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية، وإزالة مظاهر الحرمان والخلل التي ينجر عنها شعور بالظلم والحيف ونزوع إلى الاحباط واليأس. فاعتمدنا منذ البداية خطة وطنية طموحة للاصلاح والتطوير والتأهيل والتحديث تربط بين التقدم الاقتصادي والرقي الاجتماعي في سائر قطاعات التنمية، وتهيئ لشعبنا مقومات العزة والكرامة.
لقد بادرنا بوضع قطاع التربية والتكوين في مقدمة اختياراتنا الوطنية، وجعلنا من التعليم حقا مشروعا لجميع التونسيين والتونسيات. وأقررنا إجباريته ومجانيته. وأقمنا أسسه على ثوابتنا الثقافية والحضارية والدينية، وعلى أنبل القيم الكونية. وحرصنا على أن نرسخ لدى ناشئتنا من خلال المواد التي يدرسونها الوعي بالحقوق والواجبات، وأن نعمق إدراكهم بفضائل الحوار واحترام الرأي المخالف، وأن نحفزهم إلى الاجتهاد وإعمال العقل، وإلى نبذ التعصب والعنصرية، وتوخي السلوك الحضاري، والاعتدال في المواقف وردود الفعل، واستيعاب معارف العصر وتقنياته. وأتحنا لهم الفرصة منذ مرحلة المدرسة الاساسية لحذق لغتين أجنبيتين تؤمنان لهم التواصل مع ثقافات العالم.
وتندرج في هذا السياق، العناية التي أوليناها للشباب في اختياراتنا السياسية والاجتماعية والاقتصادية. فقد دأبنا على الاصغاء إليه بانتظام، لرصد مشاغله وطموحاته. وأشركناه في شؤون الحياة العامة، المحلية والجهوية والوطنية. وعمقنا الحوار معه بواسطة استشارات شبابية دورية، كما جرى سنوات 1996 و2000 و2005، حيث اعتمدنا نتائج هذه الاستشارات الثلاث في مخططاتنا التنموية. ووفرنا لشبابنا شبكات متنوعة من المراكز والنوادي والمؤسسات والمنشآت الثقافية والرياضية والترفيهية موزعة على مختلف أنحاء الجمهورية، حتى نحفظ له توازنه النفساني والاجتماعي، ونثري تكوينه التربوي، وندعم علاقاته بمحيطه.
وجعلنا من التشغيل أولوية مطلقة في سياستنا، نسخر لها جميع ما لدينا من إمكانيات وآليات، لكي نضمن لشبابنا المستقبل الامن والحياة الكريمة.
واعتبرنا الثقافة سندا للمد الاصلاحي والتحديثي الذي نقوم به في مجتمعنا. وأحطنا المثقفين بالرعاية والعناية والتشجيع، بعيدا عن كل توجيه أو رقابة أو مصادرة. ورفعنا من ميزانية الثقافة لتبلغ حاليا 1% من ميزانية الدولة ولتصل إلى 1.5% سنة 2009. وجعلنا من الثقافة شأنا وطنيا يهم سائر الافراد والفئات والجهات، بما نهيئ به شعبنا لمواكبة مستجدات العصر ومتغيراته، ونعدّه لرفع ما يواجهه من تحديات وكسب ما يطرح عليه من رهانات.
ونحن نعتز بما تميز به مثقفونا من شعور عال بالمسؤولية المدنية بقي دائما حيا وقادا في نفوسهم وعقولهم، يعبرون من خلاله عن مشاغل شعبنا وطموحاته، ويدافعون عن قيمه الروحية والاجتماعية والحضارية. فأكدوا بذلك أن الحرية لا يمكن أن تكون حيادا أو استقالة، بقدر ما تكون التزاما وطنيا اختياريا يحفز المثقف إلى الاهتمام بالتحولات والتحديات التي يشهدها مجتمعه، وبالتوترات والازمات التي تنتاب عالمه.
لهذا أكبرنا موقف المثقفين التونسيين عندما هبوا في أواخر تسعينات القرن الماضي لمواجهة دعاة التطرف والعنف، بالرد عليهم، وتفنيد آرائهم، وفضح انحرافاتهم، والتنديد بما يمارسونه من إرهاب فكري ومادي. فأقاموا الدليل
بهذه المواقف، على أن التصدي للتزمت والرجعية والتطرف، ليس مسؤولية الدولة وحدها، وإنما هو مسؤولية مشتركة بين سائر مكونات المجتمع المدني.
ونعتقد أن تراكم المشاكل في عصرنا، وما رافقه من تطور اتصالي وتكنولوجي هائل، قد زاد في تعاظم دور المثقفين والاعلاميين، ودور الاحزاب السياسية والمنظمات المدنية والاتحادات المهنية، لكي يكونوا جميعا قدوة في التواصي بقيم الحرية والعدل والوفاق والتسامح داخل مجتمعاتهم، وفي إشاعة المبادئ الانسانية المشتركة، والتصدي لمظاهر الغلو والتعصب والعنصرية.
وكان رواد الاصلاح والتنوير وزعماء التحرير والتحديث ببلادنا، قد أدركوا منذ أوائل القرن الماضي، أن رقي الامم لا يكتمل بدون النهوض بمنزلة المرأة وتطوير أوضاعها في الاسرة والمجتمع.
وهو ما بادرت تونس بوضعه حيز التطبيق منذ السنة الاولى من الاستقلال، عندما أصدر الزعيم الحبيب بورقيبة "مجلة الاحوال الشخصية" في 13 أوت 1956، قاطعا بذلك الصلة بعهود التخلف الاجتماعي والثقافي، ومؤسسا لمرحلة وطنية جديدة تنصف المرأة، وتؤكد مساواتها بالرجل في الحقوق والواجبات.
وقد قررنا في تحول السابع من نوفمبر 1987، حماية هذه المجلة وتطويرها وإثراءها. واتخذنا في 13 أوت 1992 مجموعة من الاجراءات التي ترفع عن المرأة كل مظاهر التمييز، وتدعم تماسك الاسرة واستقرارها، إضافة إلى التنقيحات التي أدخلناها في الغرض، على المجلة الجنائية، ومجلة الشغل، ومجلة الجنسية، وارتقائنا بمبادئ مجلة الاحوال الشخصية إلى مرتبة الدستور، وذلك إيمانا منا، بأن لا تقدم لاي مجتمع بدون وجود شراكة فاعلة ودائمة بين الرجل والمرأة في كل ميادين الحياة.
وأصبحت المرأة التونسية اليوم وجها ناصعا من وجوه الحداثة في تونس، إذ هي حاضرة في سائر مجالات العمل والانتاج والنضال. وتتحمل أعلى المناصب في المؤسسات التنفيذية والتشريعية والادارية، وتتعاطى مختلف الانشطة التربوية والثقافية والرياضية، وتمارس شتى المهن الاقتصادية والعلمية والتقنية، وتباشر قسطها من المسؤولية داخل مكونات نسيجنا الجمعياتي. وهي تملك من الوعي وقوة الشخصية، ومن التجذر الاصيل في هويتها العربية الاسلامية، والمواكبة الرشيدة لعصرها، ما يؤهلها للمحافظة على مكاسبها، ولتكون عنصر استقرار وتوازن في مجتمعها، وحصنا حصينا أمام دعاة الردة والرجعية.
ولا شك أنكم تدركون تشعب التحولات والمشاغل التي غيرت في عصرنا من دور الاب والام في العديد من الوظائف بسبب ضغوطات الحياة الاجتماعية والاقتصادية، بما لم يعد يسمح لهما غالبا بتخصيص الوقت الكافي لرعاية الابناء والاحاطة بهم. وهو ما أصبح يستدعي منا جميعا تعميق التفكير في هذه المسألة، والبحث عن سبل التكامل الناجح بين أدوار المدرسة والاسرة ومكونات المجتمع المدني، حتى لا نترك لدعاة التطرف والعنف أي مجال لاستغلال هذا الفراغ لصالحهم.
وحرصنا إلى جانب اهتمامنا بأوضاع شعبنا الاجتماعية، على الاهتمام بمنظومة حقوق الانسان في أبعادها الشاملة لمختلف قطاعات التنمية، وكرسنا من خلالها حق كل التونسيين والتونسيات في التمتع بمرافق العيش الاساسية والحصول على أسباب الرزق والرفاه.
فأنشأنا سنة 1993 "صندوق التضامن الوطني"، وسنة 1997 "البنك التونسي للتضامن"، وسنة 1991 "الصندوق الوطني للتشغيل"، وذلك قصد تنويع الاليات الكفيلة بتعزيز التآلف والتضامن بين سائر المواطنين والمواطنات، وتخفيف وطأة العيش على الفقراء منهم والمحتاجين، وتوفير أكثر ما يمكن من فرص المساعدة والمساندة أمام صغار الصناعيين والحرفيين والفلاحين لتحسين أوضاعهم المهنية، وفتح المزيد من الافاق أمام حاملي الشهادات العليا لممارسة العمل الحر وإحداث المشاريع وإيجاد مواطن الشغل. كما استهدفنا أكثر من مليون تونسي بالمرافق الحيوية والتجهيزات الضرورية وما يتبعها من أسباب الاعمار والانماء، فأخرجناهم من العزلة والتهميش، وحولنا مناطقهم إلى أماكن يطيب فيها العيش، وألحقناهم بالحياة النشيطة، وأدمجناهم في الدورة الاقتصادية.
وساعدتنا هذه المبادرات والانجازات، على تحسين مؤشرات التنمية البشرية ببلادنا على المستويين الكمي والنوعي، من أهمها: تجاوز نسبة تمدرس الفتيان والفتيات في سن 6 سنوات 99%، وبلوغ معدل الدخل الفردي للمواطن التونسي 4.384 د في السنة، وانخفاض نسبة الفقر إلى 3.8%، وتجاوز حجم الطبقة الوسطى نسبة 80%، وارتفاع التغطية الاجتماعية إلى ما يفوق 90%، وارتقاء مؤمل الحياة عند الولادة إلى أكثر من 74 سنة.
وعملنا في نطاق ترسيخ هوية شعبنا والمحافظة على خصوصياته الثقافية والحضارية، على حماية ديننا الاسلامي من كل تحريف، وعلى نشر مبادئه السمحة وما تميزت به من حث على الاجتهاد وإعمال العقل، والتواصي بقيم الوسطية والاعتدال والتسامح، ونبذ الانغلاق والمغالاة والتعصب.
ونشير في هذا السياق، إلى أن المبادئ التي جاء بها الاسلام، تشترك فيها معه الديانتان السماويتان اليهودية والمسيحية، مما يحمل القائمين على الاديان الثلاثة، مسؤولية تكريس الفضائل التي تجمع بينها، وتثبيت الحوار بين معتنقيها، في كنف الوفاق والتعايش والاحترام المتبادل.
ولا بد أن نؤكد في هذا المقام أيضا، أن الجماعات الارهابية المحسوبة على الاسلام، والتي هي بصدد إلحاق أفدح الاساءات بالاسلام والمسلمين، لا تمثل ديننا الحنيف في شيء، إذ هي ظاهرة شاذة، أفرزتها ظروف معينة في المجتمعات العربية والاسلامية، وستزول بزوال هذه الظروف.
أما الدين الاسلامي، فلا علاقة له بالتطرف والعنف والارهاب، لانه دين وسطية وسلام وحوار وتسامح. وهو ما تجسّمه تجسيما قاطعا عدة آيات من القرآن الكريم، كقوله تعالى: "وكذلك جعلناكم أمة وسطا" و"لا إكراه في الدين"، و"ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة"، و"جادلهم بالتي هي أحسن"، و"إن جنحوا للسلم فاجنح لها" صدق الله العظيم... هذا علاوة على ما يحتوي عليه تاريخ المسلمين من فضائل ومآثر، تبرز سماحة الاسلام، ورفعة مقاصده، وبرّه بالانسان والاخوة الانسانية.
وإذ تجدد تونس بهذه المناسبة تنديدها بالخلط السائد اليوم في الغرب بين الارهاب والاسلام، وتعبر عن أسفها لما يتعرض له المسلمون من مضايقات وحملات تشويه غير مبررة، فإنها ستمضي قدما في تعزيز الحوار بين الشعوب والثقافات والحضارات والاديان، قصد الاسهام في الحد من سوء التفاهم ومظاهر التباعد والتباغض التي تسود العلاقات الدولية. وهو ما أصبح قاعدة ثابتة في توجهاتنا واختياراتنا، إذ أصدرنا في 21 أفريل 1995 وبالتعاون مع منظمة الامم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) "عهد قرطاج للتسامح"، وأحدثنا في نوفمبر 2001 "كرسيا جامعيا لحوار الحضارات والاديان"، وأسسنا في ديسمبر 2002 "جائزة رئيس الجمهورية العالمية للدراسات الاسلامية" إثراء للفكر الاجتهادي في ديننا الحنيف. كما أنشأنا في ماي 2005 وبالتعاون مع الامانة العامة لمنظمة المؤتمر الاسلامي "منتدى تونس للسلام". وأقمنا في جوان 2005 "مركز البحوث والدراسات في حوار الحضارات والاديان المقارنة". وأصدرنا في فيفري 2006 وبالتعاون مع المنظمة الاسلامية للتربية والعلوم والثقافة (الايسيسكو) "إعلان تونس من أجل التحالف بين الحضارات".
ولا تخلو سنة، دون أن تنظم فيها بعض المؤسسات والمنظمات والجمعيات المدنية التونسية، لقاءات وندوات حول الحوار بين الشعوب والثقافات والحضارات والاديان.
وستثابر بلادنا على احتضان مثل هذه اللقاءات والندوات، لايمانها العميق بدورها الاخلاقي على المستوى الدولي، وحرصها على أن تضم جهودها إلى جهود كل قوى الخير في العالم، من أجل تكريس ثقافة الحوار، وتعميمها وتعميقها وتوسيع مجالاتها، باعتبارها الاسلوب الافضل والاطار الاسلم، للتخلص من تراكمات الاحكام المسبقة، والصور النمطية المألوفة، ومشاعر الكراهية والعنصرية التي يحملها كل طرف عن الاخر.
ومن حسن حظنا، أن وسائل الاتصال الحديثة بمختلف شبكاتها ولاسيما منها الانترنات، تتيح لنا اليوم المزيد من فرص التلاقي والتخاطب بشكل لم يسبق له مثيل، ويمكن متى غلبنا الجانب الاخلاقي في استخدامها، أن نسهم في إثراء مجالات التفاهم والتعاون فيما بيننا.
وإذ نعرب عن ارتياحنا للوعي المتنامي بفضائل الحوار، محليا وإقليميا ودوليا، فإننا نرى أن هذا الحوار لا يكون مجديا إلا إذا حافظت جميع الاطراف على نزاهته ومصداقيته ونبل أهدافه، لكي يقودنا بعد ذلك إلى تحالف قوي ضد السلبيات والمظالم التي تهدد السلام والاستقرار في العالم.
وكنا نادينا في هذا المجال، باعتماد مقاربة شاملة في العلاقات الدولية تقوم على التلازم بين السلم والامن والتنمية. واقترحنا سنة 1989، إبرام عقد للسلم والتقدم بين دول الشمال ودول الجنوب. ودعونا سنة 2002، إلى إنشاء صندوق عالمي للتضامن ومقاومة الفقر، تم إقراره بالاجماع من قبل الجمعية العامة للامم المتحدة.
وإن تونس التي أدركت مبكرا مخاطر التطرف والارهاب، كانت سباقة منذ تسعينات القرن الماضي، إلى التحذير من عواقب هذه الظاهرة وتبعاتها الوخيمة، ونادت بضرورة تكثيف التعاون للوقاية منها والقضاء عليها. كما أننا دعونا سنة 2003، إلى عقد مؤتمر دولي تحت رعاية الامم المتحدة، لوضع استراتيجية دولية لمكافحة الارهاب ومعالجة أسبابه، وإعداد مدونة سلوك في المجال تلتزم بها جميع الاطراف.
ونحن على يقين بأن وعي الدول اليوم بخطورة الارهاب، وانخراطها في الاتفاقيات الاممية والقارية والاقليمية المتعلقة بمكافحته واجتثاث أسبابه، ولاسيما منها الاتفاقيات الصادرة عن الجمعية العامة للامم المتحدة ومجلس الامن والمنظمات والمؤسسات الدولية المختصة، من شأنه أن يهيئ الظروف الملائمة لارساء تعاون دولي شامل وناجع في مكافحة الارهاب، وإقامة شراكة متضامنة ومتكافئة لتقليص الفوارق التنموية بين البلدان.
كما أننا نؤمن إيمانا قويا بأن حدة الاوضاع العالمية الراهنة لا يمكن أن تنال من عزمنا على إصلاحها وتغييرها ودرء أخطارها، إذا ما تحلينا جميعا بالشجاعة اللازمة لانهاء المظالم التي تعيشها بعض الشعوب وأشهرها مظلمة الشعب الفلسطيني الشقيق، وإذا ما حرصنا على توخي العدالة والشمولية في معالجة القضايا المطروحة دون انتقائية أو تفضيل لاحداها على أخرى.
حضرات السادة والسيدات،
إن أمن الدول واستقرارها وازدهارها، من أمن العالم واستقراره وازدهاره. وهو ما يجب أن يعمق البعد الكوني في تفكيرنا وسلوكنا، باعتبار هذا البعد التزاما أخلاقيا يكرس التواصل والتفاهم فيما بيننا، بقطع النظر عن تنوع خصوصياتنا الجنسية والدينية والثقافية، ودون اعتبار لمسافات التقدم والنمو التي تفصل بعضنا عن بعض؛ فالانسانية وحدة لا تتجزأ، وعالمنا واحد، ومصيرنا واحد، ولا سبيل لنا غير التعاون والتضامن، لنواجه معا ما يتهددنا من أضرار ومخاطر ولنجلب معا ما نحتاج إليه من مصالح ومنافع.
وفي الختام، أجدد لكم التحية والترحاب، راجيا لمؤتمركم كامل النجاح والتوفيق.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.