مؤتمر بروكسيل الجديد لقادة الاتحاد الاوروبي بحث مقترحات ومشاريع جديدة لتجسيم خيار بناء أوروبا الموحدة سياسيا ودستوريا تماشيا مع الخطوات الهائلة التي قطعت في مجال الوحدة الاقتصادية.. خاصة منذ بدء العمل بالعملة الاوروبية الموحدة واحداث فضاء شينغن وفضاء أوروبي أوسع فيه الغاء كامل للقيود القديمة على تنقل الاشخاص والسلع ورؤوس الاموال..فضلا عن
العمل الجبار الذي اصبحت تقوم به عدة مؤسسات مالية واقتصادية وإدارية مشتركة منها البنك المركزي الاوروبي بفرنكفورت والبرلمان الاوروبي بستراسبورغ ومختلف مؤسسات المفوضية الاوروبية ببروكسيل وخارجها، الامر الذي شجع اغلب المؤسسات الاقتصادية على وضع علامة "صنع في اوروبا" على منتوجاتها وليس العلامة المحلية او الوطنية.. وإذ أصبحت أوروبا الموحدة بسكانها ال400 مليون.. أهم اسواق العالم من حيث القدرة الشرائية مقارنة بالعدد.. فان قادتها لا يزالون يسعون لتدارك الاخطاء التي وقع فيها بعض ساستها وبينهم الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك وبعض خصومه الفرنسيين وعدد من ساسة هولندا.. والتي تسببت في تاجيل الموافقة على مشروع الدستور الاوروبي (الذي اعده الفرنسي ديستان) بسبب خلطهم بين اللعبة السياسية الداخلية والمشروع الاوروبي الموحد. وقد تدخلت عدة اوراق جديدة منها انتخاب رئيس جديد في فرنسا والتغيير في برلينولندن لتطرح سيناريوهات جديدة للموافقة على الدستور الاوروبي عبر صيغ وتسميات جديدة.. ويبدو أن الرئيس الفرنسي الجديد ساركوزي متحمس لتدارك نقائص المرحلة الماضية ولتفعيل دور باريس اوروبيا مجددا.. وهكذا يتضح ان اوروبا الموحدة اقتصاديا تبحث مجددا عن وحدة سياسية تعطيها دورا اكبر.. وقد يتطلب تجسيم هذا الطموح وقتا اطول.. لاقناع لندن وفرصوفيا وغيرهما بتقديم تنازلات لاوروبا الموحدة.. لكن في كل الحالات ستفرض المعطيات الاقتصادية نفسها، وستتقاطع المصالح الاقتصادية لمختلف الدول الاوروبية مع المعطيات السياسية والاستراتيجية الجديدة.. لتدفعها نحو مزيد من الاندماج والتكامل.. وقد اثبتت الاعوام الماضية ان بريطانيا وغيرها من الدول الاوروبية التي لم تتخل عن عملاتها الوطنية.. انخرطت عمليا في منطقة الأورو.. من خلال قبول تداوله في اسواقها المحلية والوطنية.. بما في ذلك في العمليات الصغرى.. ومهما كانت تحفظات بريطانيا وسويسرا وبقية الدول غير المنخرطة في منطقتي الأورو وشينغن فقد بادرت بابرام اتفاقيات خاصة مع بقية شركائها الاوروبيين تجعلها عمليا جزءا من المسار الاوروبي الموحد.. وبحكم الهيكلة الاقتصادية والتجارية التي تربط دول جنوب المتوسط ومنها تونس بدول الاتحاد الاوروبي فلا بديل عن التفاعل بنسق اكبر مع سياسة الجوار الاوروبية الجديدة التي تمنح الدول المعنية بها امتيازات اقتصادية بالجملة وان استثنت حق المطالبة بالانتماء الى نفس الفضاء الاقتصادي الاوروبي..