مدارس تعج بالتلاميذ وأخرى مهجورة.. معاهد ذاع صيتها وأخرى تدنت سمعتها حتى بلغت الأرض مما انجر عنه مقاعد شاغرة من التلاميذ. هكذا هي الصورة اليوم في خارطة المؤسسات التربوية جراء عوامل عديدة على غرار المحيط الخارجي غير الآمن لبعض المؤسسات التربوية والذي بات ملاذا لسلوكيات محفوفة بالمخاطر على غرار إدمان المخدرات -في ظل الإحصائيات الصادمة التي تؤشر إلى أن 50 بالمائة من تلاميذ تونس يتعاطون المخدرات- إلى جانب عوامل أخرى على غرار ضعف تكوين الإطارات التربوية في البعض منها والغيابات المتكررة لهذه الإطارات في بعض المؤسسات. ففي الوقت الذي يعاني فيه بعض الأولياء والإطارات التربوية من معضلة الاكتظاظ داخل بعض المدارس الابتدائية أو المعاهد الثانوية نجد في المقابل معاهد ومدارس مهجورة من التلاميذ جراء عوامل عديدة لعل أبرزها الموقع الجغرافي ونسب النجاح الضعيفة في هذه المؤسسات والاهم من ذلك تفاقم عامل الجريمة في محيطها، مما انجر عنه خارطة تربوية غير متوازنة وتلاميذ لم يباشروا إلى اليوم مقاعد الدراسة في انتظار أن تتم نقلتهم إلى مدارس أخرى أكثر جدية أو أكثر أمانا.. من هذا المنطلق يتهافت بعض الأولياء على مدارس ومعاهد بعينها لا سيّما من كان موقعها الجغرافي ومحيطها آمنا ومن تمتلك إطارات تربوية كفأة على حد تقييم بعض الأولياء وخاصة من تحقق نسب نجاح تقارب المائة بالمائة، ليعانى بذلك أولياء الأمور «الأمرين» من أجل الحصول على تأشيرات لقبول أطفالهم الجدد أو تحويلهم من مدرسة إلى أخرى، وهو ما عبرت عنه السيدة وفاء(إطار ببنك) حيث تقول:»للأسف هناك مدارس تربوية تعتمد على إطارات تربوية غير كفأة على حد تعبيرها»، ومن هذا المنطلق يتسابق الكثير من الأولياء إلى مدارس بعينها ضمانا لمستقبل أبنائهم مشيرة إلى أنها اضطرت إلى تسجيل ابنتها في إحدى المدارس التي تشهد إقبالا منقطع النظر عن طريق «المعارف». وبدوره يؤكد محسن (موظف) انه اضطر السنة الماضية وعبر آلية «المعارف» أيضا إلى نقل ابنته إلى مدرسة أخرى وسط السنة الدراسية جراء الغيابات المتكررة لمعلمتها. وللمعاهد الثانوية نصيب ظاهرة اختيار مدارس بعينها لا تقف عند المدارس الابتدائية فحسب فهي تتجدد من سنة إلى أخرى وبكثافة لا سيّما في المعاهد الثانوية «فشبح المخدرات» يحوم حول عدة معاهد إعدادية وثانوية ذاع صيتها في هذا المجال حتى أن هناك معاهد تعتبر تقريبا شبه مهجورة جراء هذه المعضلة. ولان الولي هاجسه الأول والأخير ضمان مستقبل أفضل لابنه وعدم تعريضه للمخاطر كلفه ذلك ما كلف فانه يضطر إلى نقلة أبنائه إلى مدارس بعيدة عن مقر إقامته نظرا لمحيطها الآمن. تقول السيدة آمنة (موظفة) قاطنة بمنطقة أريانة أنّها سجّلت ابنتها في إحدى المعاهد الثانوية بمنطقة منوبة قرب مقر عملها لان المحيط الخارجي للمدرسة آمن مقارنة بالمعهد الذي كانت تدرس فيه حيث تتعدد في معهدها السابق حوادث السرقة فضلا عن تفشي كل مظاهر الانحراف. في قراءته لهاته الظاهرة التي باتت تؤرق فعلا بعض المؤسسات التربوية بالنظر إلى درجة الاكتظاظ التي باتت عليه وانعكاس ذلك على سير المنظومة التربوية برمتها أورد نور الدين الشمنقي كاتب عام نقابة متفقدي التعليم الابتدائي في تصريح ل»الصباح» أن عوامل عديدة تسببت في هذه الظاهرة في ظل وجود مؤسسات تربوية مهمشة وتفتقر إلى ابسط المقومات من حيث البنية التحتية فضلا عن وجود نوع من التسيب والفوضى داخل هذه المؤسسات التي تفتقر إلى الحزم المطلوب بما يجعلها عرضة إلى عدة تجاوزات تنعكس سلبا على سير العملية التربوية. وفسّر الشمنقي أنّ الولي بطبعه حريص على تامين تكوين جيد لابنه بما يجعله يختار مؤسسة تربوية دون غيرها. وحمل المتحدث المسؤولية إلى وزارة التربية باعتبارها المسؤولة عن توفير بنية تربوية سليمة وتامين بنية تحتية سليمة وتوفير الأمن اللازم مشيرا في السياق ذاته إلى وجود اعداديات دون اسيجة كما يسجل البعض منها نقصا في عدد القيمين العامين. من جهة اخرى انتقد المتحدث غياب قاعات مراجعة في بعض الاعداديات موضحا أن غياب هذه القاعات في ساعات الراحة يدفع بالتلميذ إلى الشارع بما يجعله عرضة إلى مغريات الانحراف لا سيما فيما يتعلق بإدمان المخدرات مقترحا في السياق ذاته أن يقع توفير الموارد البشرية اللازمة مع تامين إدارة رشيدة تكون حازمة في تطبق القوانين. وفي نفس السياق يرى رضا الزهروني رئيس الجمعية التونسية للأولياء والتلاميذ في تصريح ل «الصباح» أن هذا التمييز الحاصل بين المدارس الابتدائية والمعاهد الثانوية يعتبر واقعا معاشا انجرّ عنه اختلال التوازن بين المؤسسات التربوية من حيث نوعية التجهيزات وارتفاع الضغط في بعض المدارس على حساب أخرى إلى جانب عوامل أخرى. وهو ما اسفر عن اختلال في مستوى توزيع وتوجيه الإمكانيات وتحقيق العدالة على مستوى المدارس والمعاهد الثانوية في ظل وجود مدارس تتمتع بسمعة جيدة وذات أداء تربوي جيد مقابل أخرى تفتقر إلى أبسط الإمكانيات. وأشار الزهروني على سبيل مثال إلى وجود مدرستين ابتدائيتين في مدينة الحمامات الأولى تشهد إقبالا منقطع النظير لان سمعتها جيدة وأخرى يهجرها الأولياء بالنظر إلى تردد منحرفين على محيطها الخارجي. وأورد المتحدث من جانب آخر أن هناك عقلية سائدة تؤشر إلى اختيار أولياء الأمور مؤسسات تربوية بعينها نظرا لارتفاع نسب النجاح فيها. ليخلص رئيس الجمعية التونسية للأولياء والتلاميذ إلى القول بأنه من الضروري تدعيم المعاهد والمدارس المهجورة بالإمكانيات الضرورية حتى نقلص من الضغط الحاصل على بعض المؤسسات التربوية وحتّى يتسنى لهذه المعاهد تقديم الجودة المطلوبة.