جاءت الانتخابات الألمانية بنتائج متوقعة من ناحية ومفاجئة من ناحية أخرى، فرغم أن صناديق الاقتراع أتت بما تنبأت به استطلاعات الرأي فإن هذه النتائج أثارت نقاشات عدة في صفوف الألمان والمهاجرين.. بعد إعلان نتائج الانتخابات الألمانية التقت «الصباح الأسبوعي» بالسفير الألماني في تونس «أندرياس راينيكيه» لمحاورته بشأن نتائج الانتخابات الألمانية وصعود اليمين المتطرف إلى البرلمان، وكذلك حول العلاقات الاقتصادية بين تونسوألمانيا والسياحة واتفاق الهجرة.. وفيما يلي نص الحوار: ● رغم تحسن العلاقات الاقتصادية بين تونسوألمانيا تبقى فرنسا الشريك الأول لتونس، بماذا يمكن أن يُفسر ذلك؟ أعتقد أن تونس يجب أن تكون سعيدة بأن فرنسا هي شريكها الاقتصادي الأول وهذا دليل على ثقة كبيرة.. ● ولكن ألمانيا قوة اقتصادية عالمية والاقتصاد الألماني في المرحلة الحالية أقوى من الاقتصاد الفرنسي؟ الأمر مختلف.. ولكنني سأقول لك ما الذي يجب فعله لجلب الاستثمار سواء كانت المؤسسات المستثمرة فرنسية أو ألمانية أو حتى تونسية.. من خلال حديثي مع باعثي مشاريع ألمان الأمر الأكثر أهمية بالنسبة إليهم هو وجود مناخ إيجابي للاستثمار ومناخ اجتماعي إيجابي.. ماذا يعني ذلك؟ الاستثمار يعني بالضرورة إطارا اقتصاديا وقانونيا ناجعا ولماذا إطار ناجع؟ لأن القرارات التي تتعطل أو تتطلب الكثير من الوقت أو تكون غير واضحة تكلف أموالا.. يجب أيضا أن تتوفر الموارد الضرورية للإنتاج مثل الماء والغاز والكهرباء وإمكانية استغلال الأراضي.. فتسهيل الإجراءات القانونية أمر ضروري جدا.. كما أن لتونس ميزة هامة في علاقتها بأوروبا وهي ميزة القرب الجغرافي وهنالك مستثمرون ألمان مهتمون ومستعدون للقدوم ودفع الضرائب وتوظيف تونسيين إذا كان الإطار ناجعا.. من المهم أيضا أن يكون المناخ الاجتماعي إيجابيا.. إذا توفرت هذه الظروف ستكون تونس وجهة استثمارية مطلوبة.. إذ لا يتعلق الأمر فقط بتخفيض الضرائب ولكن يبقى ذلك عاملا مساعدا.. ● هناك مستثمرون ألمان ينوون الاستثمار في تونس حاليا؟ هناك مستثمرون موجودون في تونس منذ 20 أو 40 عاما.. ولم يغادروا البلاد.. بالنسبة إلى المستثمرين الجدد نلاحظ الآن استعدادا أكبر للاستثمار في تونس وقد بدأ بعضهم باستثمارات صغيرة والتي تعد خطوات أولى نحو استثمارات أكبر هنالك أيضا شركات ألمانية موجودة في تونس هي بصدد التوسع اليوم وتوظيف يد عاملة.. ● هل هنالك مشاريع بصدد التنفيذ أو ستنفذ قريبا؟ تحدثنا عن القطاع الخاص.. بالنسبة إلى القطاع العمومي نعم.. وقعنا اتفاقا بين بنك «كا إف دوبلفي» «KFW « التابع للدولة الألمانية من أجل قرض للميزانية التونسية بشروط ملائمة بقيمة 100 مليون أورو كدعم للميزانية.. وفي 2018 نفس المبلغ وكذلك الأمر في 2019 وفي كل مرة بشروط جديدة.. شروط منها ما يتعلق بالمجال المالي وشروط تتعلق بالسياسة المائية التونسية وهي شروط اختارتها تونس.. ونحن بصدد إتمام اتفاقيات سنوية بين تونسوألمانيا حول مجموعة متعددة من المجالات منها البيئة والمياه والتعليم العالي والفلاحة والمجتمع المدني وقيمتها ستكون أكبر من السنة الماضية.. ● هل تعتبرون أن اللغة الألمانية تمثل عائقا أمام مزيد دعم التعاون بين تونسوألمانيا في جميع المجالات؟ وجود اللغة الفرنسية أمر جيد وأحيانا كاف.. ولكن اللغة الألمانية يمكن أن تساعد كبقية اللغات في تبادل أكبر مع بلدان أخرى.. نلاحظ تزايدا في الطلبات على تعلم الألمانية بوجه مزدهر ولا يمكن لنا أن نلبيها جميعها.. هنالك مشكل على مستوى أساتذة الألمانية في تونس..«معهد غوته» Goethe-Institut الذي يقدم دورات في تعليم الألمانية يقدم أيضا دورات لتكوين أساتذة المدارس.. باعتماد التقنيات الجديدة للتكوين- بالتعاون مع الدولة التونسية بطبيعة الحال- ونقدم أيضا دروسا في اللغة الألمانية والطلبات عليها تتجاوز طاقة الاستيعاب.. ولكن نقص الأساتذة هو تحد نشتغل عليه مع معهد غوته.. ● نمر إلى ملف آخر، من المعروف أن عددا كبيرا من الألمان كان يزور تونس سنويا، ولكن حتى بعد انتعاشة الموسم السياحي في تونس يبقى حضور السياح الألمان محدودا..؟ السياح الألمان يعودون اليوم.. هذا العام سجل عدد السياح الألمان الذين زاروا تونس ارتفاعا بنسبة 33% مقارنة بسنة 2016.. هم بصدد العودة إلى تونس.. وهذه هي النقطة إيجابية ولكن يجب أيضا تطوير العرض في تونس فهنالك كنوز عدة يمكن ترويجها.. هنالك 8 وجهات سياحية شبيهة بتونس.. لذا يجب أن يكون هنالك تنوع في الوجهة السياحية التونسية ويمكن جذب فئات مختلفة من السياح.. الوضع الأمني أيضا مؤشر مهم.. وتحسن الوضع الأمني أدى إلى ارتفاع عدد السياح.. هناك ثقة أكبر والناس يعودون .. ولكن يبقى من الضروري الاشتغال على السياحة على مستوى العرض.. ● وفي ما يتعلق بالاتفاق التونسي الألماني بخصوص طالبي اللجوء، ما هو العدد الذي تم ترحيله من التونسيين إلى حد الآن؟ في إطار الاتفاق الذي تم توقيعه على خلفية زيارة المستشارة الربيع الماضي لتونس إلى حدود اليوم يعود ما بين 15 و20 شخصا كل بضعة أسابيع بشكل قسري.. وهنالك أعداد أخرى من التونسيين الذين يعودون بإرادتهم.. وألمانيا متعهدة بالعمل على إدماجهم في تونس وقد قمنا بتأسيس مركز تأهيل.. هنالك نقاش في ألمانيا حول الهجرة الإرادية الاقتصادية ورفض إساءة استعمال اللجوء السياسي لأسباب اقتصادية.. وهو محل نقاش اليوم الناس المؤهلون وأصحاب الكفاءات الذين يجدون مكانا لهم في ألمانيا مرحب بهم. ويجب أيضا أن نعرف أن العيش في بلد مختلف مثل ألمانيا، يتحدث لغة أخرى، ولديه ثقافة وتقاليد مختلفة، ليس أمرا سهلا. يجب أن تكون هنالك عزيمة حقيقية من أجل التأقلم والعيش في بلد مختلف.. وبالنسبة إلى الموجودين في ألمانيا بشكل غير شرعي نطلب منهم المغادرة. ومن دخلوا بشكل قانوني هم مرحب بهم.. ● ولكن هذا الاتفاق هو نتاج ضغوطات مورست على المستشارة أنجيلا ميركل بعد انتهاجها سياسة الأبواب المفتوحة تجاه اللاجئين..؟ إلى حد ما هذا الكلام صحيح.. ولكن مسألة الهجرة غير الشرعية كانت محل نقاشات سابقة.. من الطبيعي أن ترغبوا في تونس في ترحيل من يأتون إلى البلاد بشكل غير شرعي.. ● ولكن لماذا هذا الاتفاق الآن؟ الأمر موجود دائما ولكن تدعّم أكثر نتيجة الهجمات الإرهابية في ألمانيا وموجة اللاجئين.. ● نتائج الانتخابات الألمانية جعلت «حزب البديل من أجل ألمانيا» ثالثا في البوندستاغ، هل يعني ذلك أن ألمانيا تتغير؟ في البداية حزب المستشارة جاء في المرتبة الأولى، برغم أنها خسرت جزءا من الأصوات.. صعود حزب البديل أثار قلق الجميع.. الخبراء والسياسيون والمحللون يتناقشون هذه المسألة لساعات في وسائل الإعلام الألمانية وهم يحاولون فهم أسباب هذه النتائج.. اللاجئون والمهاجرون غير الشرعيين قد شعروا بطبيعة الحال بالسوء بصعود هذا الحزب.. سيتطلب الأمر كثيرا من الوقت لتفسير نجاح «حزب البديل» بدقة ولكن أعتقد أن الناخبين والناخبات أرادوا أن يوجهوا رسائل إلى السياسيين بأن أصواتهم لم تسمع.. والنقاش اليوم هو حول كيفية استعادة الناس الذين وجهوا هذه الرسالة وصوتوا ل«حزب البديل» ولابد من استعادة هؤلاء الناس.. ● ولكن ألا يمثل ذلك تغييرا في ألمانيا؟ لا يمكن لتوجه سياسي أن يكون غائبا عن البرلمان لعقود ويحتل المرتبة الثالثة فجأة..؟ نعم هنالك تغيير.. أحزاب أقصى اليمين موجودة في بلدان عدة ولكنها بالنسبة إلى ألمانيا ذات أهمية نظرا لخصوصية البلد وتاريخه.. لذلك هنالك تغيير.. هذا واضح ومثلما قلت نحاول أن نفهم أسباب هذا التغيير وكيف يمكننا استعادة من صوتوا إلى هذا الحزب.. لا ينتمي جميع هؤلاء الناخبين بالضرورة إلى أقصى اليمين هنالك من صوّت كنوع من الاحتجاج وهم من يمكن استعادتهم.. حول هؤلاء تدور النقاشات الحالية.. ● نختم بملف آخر وهو الموقف الألماني تجاه الأزمة الليبية، ما الذي تسعى ألمانيا إلى تحقيقه في هذا الملف؟ تساند ألمانيا جهود الأممالمتحدة.. لأن مقاربة الأممالمتحدة تتمثل في إيجاد اتفاق لكل ليبيا.. ويضم كل الفاعلين ونحن نواصل لعب دورنا على هذا الأساس من خلال سفارة ألمانيا في ليبيا.. مقاربتنا هي المساعدة على دعم هذا التوجه وتطبيقه ودعم الأطراف التي تؤيد خيار التوافق الليبي مثل تونس على سبيل المثال..