في الوقت الذي أجمعت فيه بعثة صندوق النقد الدولي التي حلت بتونس مطلع الشهر الجاري على أن خلق مواطن شغل، واحتواء الدين العمومي، والتصرف الأمثل في كتلة الأجور يجب أن تكون محور مجهود كل إصلاح اقتصادي، واصلت الحكومة خيارها في الزيادات في الأجور وفي دعمها للمواد الأساسية والمحروقات والنقل حسب ما تضمنه مشروع قانون المالية لسنة 2018. حيث قدرت ميزانية الدعم في مشروع القانون الجديد ب3570 مليون دينار؛ منها 1570 مليون دينار للمواد الأساسية وفي حدود ال1500 مليون دينار لدعم المحروقات وما قيمته 450 مليون دينار للنقل، كما سترتفع كتلة الأجور في السنة المقبلة إلى ما يناهز ال14 مليارا و751 مليون دينار مقابل 14 مليارا و300 مليون دينار منتظرة لكامل سنة 2017. والحال أن صندوق النقد الدولي لطالما شدد في العديد من مراحل اجتماعاته مع الحكومة التونسية على مسار الإصلاحات المفروضة عليها وعلى ضرورة التحكم في كتلة الأجور، التي ناهزت نسبة 14.1 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي السنة الفارطة ودعا في ذات الإطار إلى تقليصها إلى حدود ال12 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي في 2020 باعتبارها تصنف من بين الأعلى في العالم وتستحوذ على نصف النفقات العمومية. وهذا الوضع يطرح العديد من المخاوف بشان تعطل صرف القسط الثالث من قرض صندوق النقد الدولي والمقدر ب370 مليار دولار أي ما يناهز ال917 مليون دينار قبل نهاية نوفمبر المقبل من جملة التمويلات التي تندرج في إطار عقد «تسهيل الصندوق الممدد» بقيمة 2.9 مليار دولار أمريكي لدعم برنامج الإصلاح الاقتصادي وضعته الحكومة ويمتد على 4 سنوات وتحصلت تونس إلى حد الآن على ما قيمته 628.8 مليون دولار أي ما يعادل ال2.47 مليار دينار.. وتحتاج تونس إلى هذه التمويلات التي من شانها إنعاش الاقتصاد الوطني خاصة في ما يتعلق بتغطية عجز ميزانية الدولة للسنة الحالية والذي عرف توسعا كبيرا في ظل اختلال الميزان التجاري وتواصل انزلاق العملة المحلية واستقرار نسبة النمو على حالها دون تقدم يذكر، كما تعول الحكومة على مواصلة دعم صندوق النقد الدولي في برنامجها الإصلاحي من خلال منحها لتمويلات في السنوات المقبلة. وفي ما يخص التزامات تونس مع صندوق النقد الدولي وعدم تطابقها مع ما تضمنه مشروع قانون المالية الجديد، بيّن وزير المالية رضا شلغوم أن الزيادات في الأجور ستتم كما وقع الاتفاق بشأنها وتمت برمجتها في سنة 2018 مع المنظمة الشغيلة، مضيفا أن الدولة ستواصل دعمها للمواد الأساسية والمحروقات في مشروع قانون المالية للسنة المقبلة باعتبار أن صندوق الدعم سياسة اجتماعية ومسار اختارته الدولة لدعم مستحقيه من التونسيين، حسب ما أفاد به خلال اللقاء الإعلامي الذي انتظم أمس الأول بمقر وزارة المالية لشرح مختلف فصول وأحكام مشروع قانون المالية لسنة 2018. وبين رأي الحكومة وموقف صندوق النقد الدولي حول أهم المحاور في برنامج الإصلاح الاقتصادي المتفق عليه بين الجانبين في ما يتعلق بكتلة الأجور وصندوق الدعم، يبقى تسريح القسط الثالث من قرض عقد «تسهيل الصندوق الممدد» المبرمج في شهر نوفمبر المقبل في الميزان..