تونس الصباح: تمثل أمثلة التهيئة العمرانية البرنامج الرئيسي الذي تعتمده البلديات ومن ورائها السلطة ممثلة في الوزارات المعنية في متابعة التطور العمراني في كل مجالاته داخل البلديات، ورسم الاستراتيجيات والخطط المرحلية للنمو العمراني. ولذلك تفرد كل بلدية مهما كان حجمها وموقعها بمخطط في هذا المجال يعتمد على مثال للتهيئة، يحدد من خلاله مسار التطور العمراني في كل منطقة بلدية. كما أن مثال التهيئة العمرانية لكل بلدية يرسم على خارطة كبيرة، ويعلق داخل البلديات ودوائرها ليكون في متناول كل سكان المنطقة وذلك للإطلاع عليه ومعرفة التطورات الحاصلة بشأنه. ويخضع مثال التهيئة لمراجعة في أعلى المستويات وبمشاركة أطراف عديدة وذلك لتحيينه حسب مقتضيات التطور العمراني الحاصل والمشاريع التي تتنزل عبره خلال كل مخطط تنموي. فماذا عن تحيين أمثلة التهيئة العمرانية الجاري حاليا؟ هل وقع التقدم في مسح كل الأمثلة البلدية وتحيينها قبل موعد الانتهاء من هذا العمل الذي حدد لسنة 2009؟ وما هي أبرز الصعوبات والتجاوزات والمشاكل التي تعترض التحيين ، وتفسد مخططات التطور العمراني حسب أمثلة التهيئة المرسومة لها؟ التخلي عن مركزة تحيين الامثلة وترك التصرف فيها للبلديات يخضع 145 مثالا للتهيئة العمرانية منذ مدة للتحيين، وينتظر أن يتم الانتهاء من هذا الجانب قبل بداية 2009، لكن وحسب بعض المعطيات المتوفرة لدينا من مصادر مطلعة فإن عملية تحيين هذه الأمثلة تصطدم بمشاكل عديدة، وتجاوزات لا تخلو منها أي منطقة بلدية. فما أبرز هذه التجاوزات وأسبابها وكيف يمكن حصرها، وتفاديها؟ ثم ما هي العوائق التي تحول دون التصدي لها في الحين؟ لئن أكدت لنا مصادر عليمة من وزارة التجهيز والاسكان والتهيئة الترابية بأن عملية تحيين الامثلة العمرانية ليست مرتبطة بتاريخ ولا بموعد، وهي تتم كلما اقتضى الأمر ذلك، فإن الثابت أن التحيين يتطلب وقتا طويلا قد لا يحصل الا بعد فوات الاوان وحصول التجاوزات. ولعل هذا يعود الى مركزة عملية التحيين والى تعدد الاطراف المشاركة فيه. ونعتقد أن هذه المسألة لا يمكنها أن تخضع لمسار من هذا القبيل، بل تتولى كل بلدية، وعلى مستواها وداخل دوائرها النظر الدوري في مثال تهيئتها، وتحيينه والتصدي لكل تجاوز دون العودة الى اللجنة العليا أو وزارات الاشراف، وهوأمر يمكن القيام به بلديا ما دامت الامور تتصل بهذه المنطقة أو تلك دون سواها. كما يمكن للجنة العليا أن تنظر في مجالات أخرى إستراتيجية ومرحلية ، وخاصة منها المشاريع الكبرى التي تجمع بين بلديتين أو أكثر، أو تمثل نزاعا بين بلديتين. أبرز مظاهر التجاوزات الحاصلة بين تحيين وآخر إن أنواع التجاوزات التي تحصل في المناطق البلدية تبدو نفسها داخل كل بلدية. فالزحف العمراني على المناطق الفلاحية، والبناء دون رخص، وبروز المقاسم دون تهيئة شاملة، وعدم إحترام الملك العمومي والخاص، والصراع بين الاجوار من خلال جملة الخلافات بينهم كلها تمثل نفس الاشكاليات التي تحصل في كافة المناطق البلدية تقريبا ، وتمثل العائق الاول في الحفاظ على أمثلة التهيئة العمرانية واحترامها وتطبيقها كما جاءت حسب التحيين الحاصل فيها. وهذه المظاهر تبدو متكررة منذ سنوات طويلة، وهي في عمقها تمثل تطاولا على البلديات وتقصيرا منها بخصوص آدائها اليومي، وأيضا قصرا في مجالات تدخلها وسلطتها في تطبيق القوانين. ان البلدية تبدو في بعض الاحيان غير قادرة على تطبيق القانون بخصوص بعض التجاوزات، ومقصرة أيضا في آدائها الاداري المتصل ببعض الجوانب مثل رخص البناء، كما أن بعض إجراءاتها تطول كثيرا مما يؤدي الى تفاقم المشاكل في دائرتها وتعددها والمساس في عديد الاحيان حتى بمخططاتها الاساسية في مجال تطور النسق العمراني داخلها، ولا شك أن جملة هذه الابعاد تحد من دور البلدية، خاصة اذا كانت إمكانياتها المادية محدودة. إن الاشكالات التي تحصل داخل البلديات تبدو كما أشرنا متعددة، ومتنوعة المشارب، وهي تمثل ضغطا يوميا عليها، وتهديدا لأمثلة التهيئة داخلها، ولعل هذه الصورة التي تتكرر في كل منطقة تتطلب جهدا كبيرا للحد منها ، خاصة في ما تعلق بتآكل المناطق الفلاحية والزحف عليها، وأيضا بخصوص مستقبل هذه المناطق وما وضع من برامج ومشاريع مستقبلية لها في اطار نموها العمراني. كما أن ملف رخص البناء والمقاسم وغيرها من الجوانب لابد أن تطرح بشكل عميق، لأنها تمثل في الحقيقة العوائق الاساسية أمام المواطن من ناحية والبلدية من ناحية أخرى. فهل يأتي التحيين الجاري لأمثلة التهيئة ببعض القرارات والتطورات الجديدة للعمل البلدي ولمجالات تدخل البلديات للحد من هذه المظاهر التي تخل يوميا بنسق النمو العمراني في المناطق البلدية وتكبل أيضا المواطن في بعض الجوانب وتدفعه للقيام ببعض التجاوزات؟