ربّما تكون عبارة «الانضباط» الواردة في العنوان «منفلتة» أو غير «متأدّبة» في حقّ منظّمة نقابيّة وطنيّة عريقة ومناضلة في حجم وقيمة وتاريخ «الاتّحاد العامّ التّونسي للشّغل».. ولكنّنا أدرجناها قصدا اعتبارا لمضمون و»دلالات» بعض «الرّسائل» الّتي ربّما تكون «تعمّدت» ارسالها للمنّظمة النّقابيّة الأمّ (الاتّحاد العامّ التّونسي للشّغل) على امتداد الأيّام والأسابيع الأخيرة «أطراف» بعينها (أحزاب سياسيّة ومنظّمات وهيئات مختصّة وخبراء) تدعوه فيها امّا صراحة أو ضمنيّا الى ضرورة أن «ينضبط» نقابيّا وأن يكون في هذه المرحلة المفصليّة من تاريخ تونس ومن مسار عمليّة الانتقال الدّيمقراطي «أكثر وفاء» لضوابط الرّسالة النّقابيّة والاجتماعيّة الّتي تأسّس عليها «الاتّحاد» تاريخيّا اللاّفت هنا أنّ بعض هذه «الرّسائل» صدرت أحيانا عن أطراف لا يمكن «تصنيفها» ضمن قائمة «أعداء الاتّحاد» أو «أعداء العمل النّقابي».. من ذلك مثلا «رسائل» الخبير الاقتصادي ووزير الماليّة الأسبق النّقابي حسين الدّيماسي الّتي ما انفكّ في كلّ مرّة وكلّما تحدّث لوسائل الاعلام الوطنيّة يرسل بها الى قيادات المركزيّة النّقابيّة يدعوهم فيها الى «التّخفيف» من «حجم» المطلبيّة ومن «وتيرة» الاضرابات خاصّة عندما يتعلّق بمسألة الأجور.. السيّد حسين الدّيماسي ذهب الى حد القول في واحد من هذه التّصريحات الاعلاميّة بأنّه من الأفضل لقيادة الاتّحاد العامّ التّونسي للشّغل أن تؤسّس حزبا سياسيّا عمّاليّا تخوض من خلاله وبكلّ وضوح «معترك» السّياسة ان كانت ترغب في تعاطي السّياسة لأنّ ما باتت تصدر عنه اليوم في مواقفها «النّقابيّة» وبعض «تحرّكاتها» الاجتماعيّة هو أقرب الى السّياسة منه الى العمل النّقابي.. «تداخل» السّياسي والنّقابي.. لسنا في وارد الحديث عن «تهمة» التّسييس الّتي كثيرا ما تعمد بعض «الأطراف» الى الصاقها بالمنظّمة النّقابيّة الأمّ (الاتّحاد العامّ التّونسي للشّغل) كلّما عنّ لها أن «تحرج» قياداتها أمام الرّأي العامّ الوطني أو أن «تحشرهم» نقابيّا في الزّاوية.. وهي بالمناسبة وهذه مفارقة «تهمة» لا يبدو أنّها «تقلق» أو «تستفزّ» الطّرف النّقابي.. فبعض القيادات النّقابيّة الوازنة والنّشيطة اعلاميّا مثل الأمين العامّ المساعد المكلّف بالإعلام السيّد سامي الطّاهري على سبيل الذّكر لا الحصر لا تبدو «متبرّئة» بالكامل من هكذا «تهمة» على اعتبار أنّ للمنظّمة النّقابيّة دورا «وطنيّا» بمعنى (سياسي) مارسته تاريخيّا وهي مدعوّة دائما الى «ممارسته» و»الاضطلاع» به كلّما دعت الحاجة و»الضّرورة» الوطنيّة.. «رسالة» راشد الغنّوشي رئيس حركة «النّهضة» الأستاذ راشد الغنّوشي كانت له منذ أسبوعين تقريبا ما يمكن أن يصنّف على أنّه «رسالة» توجّه بها الى القيادة النّقابيّة دعاها فيها ضمنيّا الى أن «تنتبه» الى أنّ «الاتّحاد» ربّما يكون قد «أوغل» كثيرا في «تعاطي» السّياسة في مرحلة ما بعد الثّورة وأنّه بات في نظر عديد الدّوائر والمراقبين بما فيهم الدّوليّين بمثابة «الحزب السّياسي الثّاني» في تونس بعد حزب «حركة النّهضة» وذلك عندما قال وهو يخطب في اجتماع حزبي أنّ سفير هولندابتونس أسرّ له ذات لقاء أنّه (سفير هولندا) لا يرى في تونس اليوم سوى حزبين سياسيّين قويّين مهيكلين هما حزب حركة النّهضة أوّلا و»حزب» الاتّحاد العامّ التّونسي للشّغل ثانيا.. «رسالة» راشد الغنّوشي هذه قد تكون بدورها واحدة من ضمن «الرّسائل» الّتي وقع توجيهها تباعا الى «اتّحاد الشّغل» على امتداد الأيّام والأسابيع الأخيرة والّتي تدعوه الى ضرورة أن «ينضبط» نقابيّا خاصّة في المرحلة المقبلة من مسار لا فقط الانتقال الدّيمقراطي وانّما أيضا بل وخاصّة «الانتقال الاقتصادي» . الرّسالة «الأخطر» على أنّ «أخطر» هذه «الرّسائل» و»أوضحها» على الاطلاق هي تلك الّتي «بعثت» بها منذ أيّام قليلة هيئة «الحقيقة والكرامة» وهي تبثّ تلفزيونيّا وعلى الهواء مباشرة وقائع وشهادات جلسة الاستماع العلنيّة لضحايا ما بات يعرف ب«حادثة الرّشّ» (2012) في سليانة والّتي من بين ما جاء فيها شهادة والي سليانة في ذلك التّاريخ والّتي قال فيها حرفيّا أتّه بصفته وقتها واليا للجهة اتّصل في أوج الأحداث ولمّا كانت الجموع تحاصره داخل مقرّ الولاية.. اتّصل بالاتّحاد الجهوي للشّغل بسليانة الّذي كان يقود الاحتجاجات ويتبنّاها فكان الرّدّ النّقابي أنّه ليس «للاتّحاد» أيّ مشكل مع شخصه (شخص الوالي) ولكن هذه الحكومة (حكومة «التّرويكا» وقتها الّتي يرأسها النّهضاوي حمّادي الجبالي) يجب أن تسقط.. الجانب الآخر من «المشهد».. ربّما يكون هذا الّذي استعرضناه والّذي مفاده أن» الاتّحاد العامّ التّونسي للشّغل» قد أصبح «يشتغل» أكثر ما يشتغل بالسّياسة في مرحلة ما بعد الثّورة وأنّه بات «مطلوبا» منه في نظر العديد من «الأطراف» أن «ينضبط» نقابيّا في المرحلة القادمة من مسار الانتقال الدّيمقراطي بحسب «الرّسائل» الّتي وجّهتها اليه.. هذا القول ربّما يكون فيه تجنّ على المنظّمة النّقابيّة العريقة والمناضلة الّتي كان دورها ولا يزال كبيرا بل وحاسما أحيانا في تحقيق الاستقرار وانقاذ المسار الدّيمقراطي وتجنّب الأسوأ (دورها المعلوم والبارز في اطلاق وادارة «الحوار الوطني» الّذي أمّن الخروج من أزمة سياسيّة خطيرة كانت تهدّد في وقت من الأوقات لا فقط المسار الانتقالي في تونس ما بعد سقوط نظام بن عليّ وانّما أيضا السّلم والأمن الاجتماعيّين) على أنّ هذا لا يمنع من القول بالمقابل أنّ بعض ما يعرف ب»الجامعات العامّة» المنضوية اليوم نقابيّا تحت لواء الاتّحاد العامّ التّونسي للشّغل وكذلك بعض «الأطراف» المتأدلجة صلبه تبدو أحيانا وكأنّها «تتعمّد» توريط «الاتّحاد» في «تحرّكات» احتجاجيّة ومواقف نقابيّة يشتمّ منها وبوضوح رائحة السّياسة والايديولوجيا بالمعنى الضيّق والرّثّ والبائس للكلمة.. ولعلّه لمثل هذه «الأطراف» يجب أن ينتبه اليوم «اتّحاد» حشّاد والحامّي وعاشور وغيرهم من القيادات التّاريخيّة والرّموز النّقابيّة الوطنيّة الصّلبة الّتي تداولت على قيادة المنظّمة في فترات مختلفة من تاريخها النّضالي المشرّف نقابيّا واجتماعيّا والواقع أنّ كلّ الدّلائل تشير وخاصّة بعد أن آلت «القيادة» صلب المنظّمة وبالانتخاب الى فريق من النّقابيّين «معتدل» ومناضل ووطني وغير متأدلج في غالبيّته أنّ «الاتّحاد العام التّونسي للشّغل» قد اختار «نهج» الواقعيّة وأنّه سيكون كعادته تاريخيّا في الموعد لخدمة المصلحة الوطنيّة العليا وأنّه بالتّالي لن يكون بحاجة الى «رسائل» مهما كان نوعها لترشده أو «تنبّهه» فهو يعرف جيّدا «طريقه».. الّذي هو طريق مصلحة الوطن.. بمعنى مصلحة تونس عامّة ومصلحة الشّعب والأجيال بعيدا عن أيّ توجّه فئوي أو مصلحي ضيّق.. «الاتّحاد العامّ التّونسي للشّغل» كان وسيبقى دائما «منضبطا» لهكذا ثوابت وطنيّة تاريخيّة وهذا ما تعترف له به على ما يبدو حكومة يوسف الشّاهد وكلّ «الأطراف» و»الحساسيّات» الوطنيّة بمختلف توجّهاتها السّياسيّة.. ولعلّ الزّيارة الّتي أدّاها رئيس حركة «النّهضة» راشد الغنّوشي أمس الأوّل الثّلاثاء الى مقرّ «الاتّحاد» ببطحاء محمّد عليّ ولقائه بالأمين العامّ السيّد نورالدّين الطبّوبي يومين فقط بعد بثّ جلسة الاستماع حول أحداث الرّشّ بسليانة الاّ دليل على هذا الّذي نقول..