في الوقت الذي يؤدي فيه وفد برلماني تونسي يضم نواب الشعب عن دائرة إيطاليا ترأسه كاتب الدولة لشؤون التونسيين في الخارج، زيارة إلى إيطاليا للإطلاع والتباحث مع الجانب الإيطالي بخصوص ملف التونسيين العالقين في مراكز الفرز والاعتقال المؤقتة بالجنوب الايطالي.. تواصل السلطات الايطالية ترحيل تونسيين كانوا قد هاجروا إلى ايطاليا بطرق غير شرعية بمعدل يقدر ب80 تونسيا أسبوعيا وبمعدل يتراوح بين 35 و40 تونسيا في كل رحلة جوية تتم عبر مطار النفيضة الدولي آخرها رحلة وصلت يوم الخميس الماضي وكان على متنها 37 تونسيا.. ورغم ان السلطات التونسية نفت رسميا أن تكون قد وقعت اتفاقا يقضي بترحيل تونسيين قسرا من ايطاليا، إلا ان رحلات الترحيل المنظمة زادت وتيرتها في الأشهر الأخيرة واعتبرها نشطاء المجتمع المدني رحلات قسرية غير قانونية، ومخالفة للقانون الدولي للهجرة الذي يحدد استثناءات محدودة جدا تسمح بالترحيل بشرط ان تكون وفق قرار قضائي.. ما يعني ان حلم معظم التونسيين «الحارقين» عن واقع معيشي أفضل وفرص عمل قد يتبخر إما بالموت غرقا في البحر او اعادة ترحيلهم قسرا أو احتجازهم بشكل مهين في مراكز الاعتقال المؤقتة.. يقول رمضان بن عمر عضو المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية في تصريح ل»الصباح» إن ترحيل التونسيين من ايطاليا هي في الحقيقة رحلات قسرية وليست طوعية، وغالبا ما تنفي السلطات التونسية والايطالية ان تكون تلك الرحلات قسرية، بل تحاول تغليفها تحت طابع «التعاون على مكافحة الهجرة غير الشرعية» والمبنية على أساس اتفاقيات ثنائية منها اتفاقية 1999 والتي تم تعديلها بمقتضى اتفاق ممضى بين الطرفين في أفريل 2011، مفيدا أن عمليات الترحيل كانت تتم بمعدل 30 تونسيا في الأسبوع قبل ان يتم الترفيع فيها لتصبح بمعدل 80 تونسيا في الأسبوع خلال سنة 2017. بين 800 والف تونسي رحلوا منذ 2017 وخلص بن عمر إلى أن معدل التونسيين المرحلين من ايطاليا يتراوح بين 800 و1000 تونسي منذ بداية 2017، كما قدر عدد التونسيين المحتجزين في مراكز الإيواء الايطالية بحوالي 850 محتجزا لكن هذا الرقم متغير صعودا او نزولا وفقا لوتيرة عمليات الهجرة غير النظامية التي تتم عبر البحر وأيضا وفقا لعمليات الترحيل المنظمة التي تتم كل يوم اثنين وخميس أسبوعيا من ايطاليا في اتجاه تونس.. مع العلم أن بعضهم تمكن من الحصول على بطاقة عبور مؤقتة وغادروا الأراضي الايطالية بعد ضغط وتحرك قوي لشبكات المجتمع المدني التونسية الايطالية تنديدا واحتجاجا على ظروف الاعتقال المهينة والصعبة للمهاجرين في مراكز الحجز الايطالية.. ما من شك ان التونسيين المهاجرين غير النظاميين الذي يصلون الى ايطاليا يتعرضون إلى انتهاكات واسعة لحقوقهم في معتقلات ومراكز احتجاز مؤقتة وهو ما أثبتته صور ومقاطع فيديو انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي وساهم في تسريبها نشطاء ايطاليين يؤمنون بعدالة قضيتهم وحق المهاجرين في معاملة لائقة وقانونية.. ويؤكد بن عمر في هذا الصدد على أن حال التونسيين المهاجرين غير النظاميين والمحتجزين في جنوبايطاليا وخاصة بجزيرة لمبادوزا ومنطقة سيسيليا الايطاليتين لا ينبئ بخير. وكشف أن مراكز الاحتجاز تفتقر الى ابسط المرافق وقد عهد في تسييرها إلى شركات خدمات خاصة وهي مكتظة بالمهاجرين يتعرضون لسوء المعاملة علما ان منظمة العفو الدولية حذرت ايطاليا منذ 2015 من الانتهاكات الواقعة على المهاجرين في مراكز الايواء المؤقتة دون جدوى. ولفت بن عمر إلى ضرورة ان تضغط السلطات التونسية لتغيير مضمون الاتفاقيات الموقعة مع ايطاليا او مع الاتحاد الأوربي في مجال الهجرة في اتجاه تحسينها نحو الأفضل عبر فتح مسارات هجرة منظمة وفتح الحدود والغاء التأشيرات.. مشيرا إلى ان بعض الاتفاقيات التعاون الثنائي في مجال الهجرة لم تكن عادلة ووافقت عليها تونس وهي في وضع اقتصادي هش ولم تكن ندية.. وضرب مثالا على ذلك نجاح السلطات التركية في فرض بنود جديدة لصالح مواطنيها من خلال تسهيل تنقلهم إلى البلدان الأوربية والغاء تأشيرات السفر في اتفاقيات هجرة موقعة مع الاتحاد الأوربي في السنتين الأخيرتين مع تفاقم ظاهرة الهجرة الجماعية لسوريين هاربين من جحيم الحرب في بلادهم وتدفقوا بالآلاف على أوروبا.. وقلل من أهمية زيارة الوفد البرلماني التونسي إلى ايطاليا ملاحظا ان المهم في الأمر هو في الضغط لكشف مصير التونسيين المفقودين منذ 2011 والكشف عن حقيقة وجود اتفاقية ثنائية سرية بين تونسوايطاليا، والعمل على ضرورة تحسين أوضاع المحتجزين وخاصة الضغط من اجل التوصل إلى مراقبة جديدة في مجال الهجرة تأخذ بعين الاعتبار الجانب الإنساني والاجتماعي للمهاجرين وعدم التعامل معهم كمجرمين أو مخالفين للقانون، وأيضا الأخذ بعين الاعتبار للظرف الاقتصادي الصعب الذي تمر به البلاد.. ضغوطات أوروبية تجدر الإشارة إلى أن بعض دول الاتحاد الأوروبي غالبا ما تنظر إلى مشكل الهجرة غير النظامية عبر منظور أمني وليس عبر منظور انساني اجتماعي.. وهي تحاول ممارسة ضغوطات على دول جنوب المتوسط على غرار ليبيا وتونس لوقف عمليات الهجرة غير الشرعية.. وكانت تونس قد رفضت - بعد ضغوطات من المجتمع المدني- مقترحات تقدمت بها خلال سنة 2016 كل من ألمانيا وفرنسا وايطاليا والاتحاد الأوروبي أن تكون ملاذا مؤقتا لاستقبال المهاجرين واللاجئين من أوروبا ومن جنسيات مختلفة عربية وافريقية حتى تقوم فيما بعد بفرز وضعياتهم حالة بحالة وتتولى تقديم طلبات اللجوء من تونس، أو يتم ترحيلهم إلى بلدانهم الأصلية.. مقابل وعود مالية واقتصادية. يذكر أن وزير الشؤون الخارجية خميس الجهيناوي، قال خلال جلسة عمل عقدها بتاريخ 23 أكتوبر 2017 ببالارمو مع نظيره الإيطالي أنجلينو ألفانو، أن البعثات الدبلوماسية والقنصلية المعتمدة بإيطاليا تتابع بصفة مستمرة وضعيات المهاجرين التونسيين. وحسب بلاغ صادر عن الطرفين تم الاتفاق على النظر في «إمكانية إبرام اتفاق ثنائي ينظم الهجرة، بما يستجيب لحاجيات سوق الشغل الإيطالية ويساعد على خلق فرص عمل للشباب التونسي، وذلك في إطار التنمية المتضامنة بين الطرفين». وكانت منظمات حقوقية تونسية قد دعت إلى وقف عمليات الترحيل القسرية للمهاجرين غير الشرعيين من إيطاليا إلى تونس رغم سوء الأوضاع في جزيرة لامبيدوزا الإيطالية. وطالبت في بيان نشرته خلال الشهر الماضي، بالكشف عن «حقيقة المحادثات الأخيرة بين المسؤولين التونسيين مع نظرائهم الإيطاليين وما إذا كانت موجة للترحيل القسري الأخيرة للمهاجرين السريين تستند إلى اتفاق غير معلن بين الطرفين». وشدد كل من منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية ورابطة حقوق الانسان وشبكة أورومتوسطية لحقوق الإنسان، على ضرورة «إعادة النظر في الاتفاقيات الثنائية الخاصة بالهجرة غير النظامية مع الحكومة الإيطالية، والتي تخالف المعاهدات الدولية وتُستعمل كذريعة من قبل السلطات الإيطالية لإتمام عمليات الترحيل». وتزامنت دعوات المنظمات الحقوقية مع صدور نداء استغاثة وجهه مهاجرون تونسيون محتجزون في جزيرة لامبيدوزا الإيطالية، مطالبين بعدم ترحيلهم قسراً إلى تونس ونفذ بعضهم إضرابا عن الطعام لتحقيق ذلك، مشيرين إلى أنهم «لجأوا إلى الهجرة غير الشرعية بسبب فشل السياسات الاقتصادية في تونس وبسبب السياسات الأوروبية المقيِّدة للهجرة النظامية». وقدرت وزارة الداخلية عدد الموقفين بعد احباط محاولات ابحارهم خلسة الى الحدود الايطالية بأكثر من 2700 مهاجر وقالت بأن من بينهم مطلوبين للعدالة في جرائم حق عام وجرائم ذات صبغة إرهابية. وحسب المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، تمكن 5 آلاف مهاجر تونسي من الوصول إلى إيطاليا خلال الأشهر ال3 الأخيرة. ويصل العدد الإجمالي للذين وصلوا إلى إيطاليا سراً إلى 22 ألفا فُقد منهم 504 أشخاص. ◗ رفيق بن عبد الله أرقام ودلالات عن الهجرة غير الشرعية في تونس جاء في ملخص ورشة مغلقة حول الهجرة غير الشرعية نظمها المعهد الوطني للدراسات الإستراتيجيةارتفاع عدد عمليات الهجرة غير الشرعية المحبطة في تونس إلى 250 بالمائة سنة 2017 بالمقارنة مع 2016 و270 بالمائة بالنسبة للمجتازين الذين تم ايقافهم سنة 2017 مقارنة ب2016. وتوزعت عمليات الهجرة غير الشرعية إلى حدود اكتوبر 2017 بين 10 ولايات تونسية ساحلية لتتصدر ولاية صفاقس القائمة وخاصة جزيرة قرقنة في العمليات التي تم احباطها (62 عملية) ثم ولاية نابل (34 عملية) ثم بنزرت (24 عملية) وجرجيس (11 عملية) مع ملاحظة ارتفاع وتيرة محاولات الهجرة انطلاقا من اوت 2017 حيث تم احباط 36 عملية لترتفع إلى 69 عملية في سبتمبر 2017 و78 عملية في اكتوبر 2017. كما تم تسجيل ارتفاع نسبة الأجانب المجتازين الذين تم ايقافهم من 9.3 بالمائة سنة 2016 إلى 12.4 بالمائة سنة 2017 الى حدود اكتوبر 2017 ومن ابرزهم الجنسيات الافريقية ( الكوت دي فوار، نيجريا، الجزائر).. ويمثل الشباب الموقوفين أكبر نسبة المشاركين في عمليات الهجرة غير الشرعية بنسبة تفوق 67 بالمائة ويمثل الاناث 4 بالمائة من نسب المجتازين. يعتبر عدد التونسيين الذين بلغوا السواحل الايطالية منخفضا جدا مقارنة بالجنسيات الأخرى إذ يأتي ترتيب الجنسية التونسية في 9 اشهر من سنة 2017 في المرتبة 16 ما يفسر ارتفاع عدد الأفارقة المجتازين الى السواحل الايطالية عبر ليبيا لاتساع الحدود الليبية وكثرة المسالك الصحراوية المؤدية الى ليبيا والوضع الأمني الهش في ليبيا وانخفاض كلفة الهجرة السرية من ليبيا (الف دينار ليبي) يقابله سيطرة وحدات الجيش والأمن والحرس التونسي على الحدود التونسية اضافة الى ارتفاع تكلفة الهجرة السرية من تونس ( بين 3 آلاف دينار و8 آلاف دينار تونسي). ◗ رفيق تعريف الأممالمتحدة للهجرة غير النظامية تعتبرالاتفاقية الدولية لحماية جميع حقوق العمال المهاجرين وأفراد أسرهم التي اعتمدت بقرار الجمعية العامة 45/158 المؤرخ يوم 18 ديسمبر1990 أهم اتفاقية تعترف بحقوق المهاجرين وأسرهم وتضع آليات لحماية دولية مناسبة لحقوقهم. وهي تنطبق على جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم دون تمييز من أي نوع. وتنص المادة الخامسة من هذه الاتفاقية على أن العمال المهاجرين وأفراد أسرهم: - يعتبرون حائزين للوثائق اللازمة أو في وضع نظامي إذا أذن لهم بالدخول أوالإقامة ومزاولة نشاط مقابل أجر في دولة بموجب قانون تلك الدولة وبموجب اتفاقات دولية تكون تلك الدولة طرفا فيها. - يعتبرون غير حائزين للوثائق اللازمة أو في وضع غير نظامي إذا لم يمتثلوا للشروط المنصوص عليها في الفقرة الفرعية (أ) من هذه المادة. وهذا يعني أن نطاق هذه الاتفاقية يشمل العمال المهاجرين الموجودين في وضع غير نظامي ولا يتوفرون على الوثائق اللازمة. وتعرّف منظمة الأممالمتحدة الهجرة غير الشرعية بأنها: «دخول غير مقنن لفرد من دولة إلى أخرى عن طريق البر أو الجو أو البحر.. ولا يحمل هذا الدخول أي شكل من تصاريح الإقامة الدائمة أو المؤقتة، كما تعني عدم احترام المتطلبات الضرورية لعبور حدود الدولة».