التضحية في سبيل الوطن شرف عظيم لا يدانيه شرف وواجب لا يضاهيه واجب وكم من الشهداء ارتقت أرواحهم إلى باريهم على ارض هذا الوطن سواء في معركة التحرير ضد المستعمر أو معركة القضاء على الإرهاب أو في غيرها من المناسبات التي يسقط فيها أحدهم صريع الواجب. وقد دأبت الدول على الاعتراف بالجميل لشهدائها بأنواع شتى من التكريم، أوسمة، إطلاق أسمائهم على شوارع وأنهج، تخصيص يوم للشهيد وغيرها من صنوف العرفان والتبجيل وهي حركات من الصعب أن تفي حق شهيد يبذل روحه طواعية ويثبت في مواجهة الموت ويسمو على الحياة التي تدفعنا غريزتنا للحرص عليها. لقد عشنا بعد الثورة أحداثا جمّة سقط بسببها أكثر من شهيد وكنا شاهدين على الوعود التي أطلقت لعائلات الذين أماتهم الواجب.. وعود تفتر بمضي الأيام لتبقى العائلات في صراع مستمر بين ألم فراق عزيز عليهم وبين ظروف اجتماعية قاسية خلّفها غياب مُعيلها.. هذه الصورة القاتمة تعكسها معاناة عائلة معتمد مطماطة محسن بن عاسي الذي دفع حياته نظير واجبه الذي كان يحتم عليه أن يخرج في ذلك اليوم المطير لإنقاذ حياة التلاميذ الذين علقوا بسبب السيول الجارفة ويعيدهم إلى أهاليهم سالمين.. وكلنا يتذكر الوعود التي أطلقها المسؤولون لعائلة الشهيد آنذاك والتي لم تتحقق بدليل الأخبار التي تناقلتها مواقع إعلامية مختلفة عن الوضع العسير الذي تتخبط فيه عائلة المعتمد الشهيد بعد إيقاف راتبه وحيرتها حيال ما ينتظرها من مصير إذا ما تم تكليف معتمد جديد وأُجبرت على ترك المسكن الوظيفي دون اعتبار ما تردد من أن أرملة وأبناء الشهيد باتوا يعيشون على «الصدقات»... أهكذا يكافأ هو وغيره ممن ضحوا بحياتهم في سبيل بقاء الوطن؟ أهذه الرسالة التي نوجهها للأجيال الشابة ونعلمهم بها كيفية «نموت نموت ليحيا الوطن».. أبهذه الأساليب نزرع روح المواطنة في جيل الغد ونغرس فيه قيم التضحية ونربيه على أن لا صوت يعلو ولا روح تسمو على صوت وروح الوطن؟ أبنكران الجميل نؤسس لقيمة أن الوطن شجرة طيبة لا تنمو إلا في تربة التضحيات وتسقى بالعرق والدم؟ إن من مسؤولية الدولة أن تتعهد بحفظ كرامة عائلات الشهداء فهذا حق وليس استجداء أو منّة كما من مسؤوليتها أن تعلم أن قضية الموت ليست على الإطلاق قضية الميت.. إنها قضية الباقين الذين يستخلصون العبر والدروس مما يشاهدون ويسمعون من روايات عن كيفية تعامل الدولة مع من دفعوا حياتهم رهن دوامها واستقلالها وأمنها فإما أن ترخص أرواحهم للوطن وإما أن يصبح هذا الوطن مجرّد رقعة جغرافية ومجرد علاقة بين كائن ومكان.