يختلف مفهوم العمل بين شخص وآخر وإذا كان البعض ينظر للعمل على انه وسيلة لتحقيق المكاسب المادية فإن البعض الآخر ينزله منزلة الفريضة وشتان بين المفهومين. لا تفصلنا عن الاحتفال بعيد الشغل إلا أيام قليلة وهي مناسبة متجددة لتذكير التونسيين بأهمية البذل والعطاء ومضاعفة المجهود من اجل تجاوز الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعيشها البلاد والتي قد تتضاعف حدّتها ما لم يشمر الموظفون والعمال عن سواعد الكدّ وتخلصوا من الاستكانة والتفكير فقط في المغانم والعائدات المادية مقابل عدم الإيمان بان الوطن لا يستطيع النهوض إلا من خلال عمل جميع مواطنيه والدليل أن الكثير من الدول النامية التي آمنت بأن الإنتاج هو أول وسيلة للرقي التحقت بركب الدول الغنية وذلك بفضل أبنائها الذين عملوا بجد وهمّة من أجل ريادتها ورفعتها. منذ مدّة ونحن نعيش على وقع احتجاجات وإضرابات للمطالبة بتحسن الأوضاع وبالمنح وبإلحاق بعض المهن بتصنيف المهن الشاقة وهي مطالب لئن كانت مشروعة إلا أنها لا تعفي من السؤال عما إذا كان البعض ولا نقول الكل- لأن التعميم لا يجوز – لا يتنصل من مسؤولياته الشغلية ويقوم بواجباته على أكمل وجه أم انه من أولئك الذين يكثر لديهم رصيد الكلام وتقل الحركة. نقول هذا الكلام ودليلنا ما أكده رئيس الإتحاد العام التونسي للمرفق العام والحياد الإداري، من أن 58 ٪ من الموظفين لا يحترمون التوقيت الإداري و18 ٪ يتغيبون باستمرار بالإضافة إلى البعض ممن يغادرون قبل انتهاء وقت الدوام لقضاء شأن خاص. الواقع أن هذه المسألة في غنى عن الدراسات الميدانية لكشف حقيقتها فجميعنا رأى بأم عينيه بعض الموظفين والأعوان يجلسون خلف مقاعدهم بعد توقيت الدخول ليغادروها قبل توقيت الخروج وما بين الدخول والخروج يهدرون وقتا طويلا إما في الحديث أو في تصفح شبكات التواصل الاجتماعي أو في إجراء مكالمات هاتفية. إن التفاني في أداء الواجب هو عقلية قبل أن يكون التزاما ولنضرب مثلا دولة كاليابان حيث تسعى الحكومة جاهدة لتحسين سمعة البلاد السيئة فيما يتعلق بالعمل لساعات طويلة وذلك بتشجيع الموظفين والعمال على مغادرة العمل مبكرا في الجمعة الأخيرة من كل شهر بل ابعد من ذلك فقد ذهبت بعض الشركات إلى حد تمكين كل موظف يغادر مقر عمله في الثالثة مساء من مكافأة قدرها 3200 ين (تقريبا 28 دولارا) لكن الغريب أن هذه الخطة لم تحظ بالنجاح ومن هذه المقارنة نستطيع أن نفهم الفرق بين عقليتين مختلفتين ومع ذلك لا يمكننا أن ننكر مجهود فئة من التونسيين تؤمن فعلا بأن العمل عبادة فتتقنه من القلب دون منة وليس فقط لإرضاء المسؤول ولا تنظر إليه من زاوية المكاسب فحسب. إن العمل هو الأساس الذي ترتكز عليه دعائم المجتمع وعليه فلا بد من تكثيف الحملات التي تحث على الكد والعطاء كما لا بد على المسؤولين على اختلاف مراتبهم أن يكونوا قدوة في الإخلاص في العمل ومن لم يجعل من ساعده أداة لخدمة بلده فهو خائن لوطنه ولضميره وللإنسانية.