تكتسي المفاوضات مع صندوق النقد الدولي في فترات الازمات الاقتصادية اهمية خاصة باعتبار تأثيراتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية على البلدان فمطالب الاصلاحات تكون مشطة لان صندوق النقد يضع نصب عينيه اعادة التوازنات الكبرى وفي بعض الاحيان دون النظر للتوزانات الاجتماعية والسياسية بما فيه الكفاية وغالبا ما تكون المفاوضات صعبة ومعقدة لسعي الحكومات الى المحافظة على التوازن بين معالجة الاخلالات الاقتصادية من جهة والاهتمام بالمسائل السياسية والاجتماعية. كما ان المفاوضات مع الصندوق تكتسي اهمية كبرى لانها تفتح لا فقط دعم المؤسسات المالية العالمية الاخرى بل كذلك ثقة للمستثمرين على الاسواق العالمية، فالمؤسسات المالية العالمية تشترط في تعاونها المالي مع البلدان التي هي ضمن مراقبة الصندوق الوصول الى اتفاق معه لمواصلة دعمها. اما المستثمرون على الاسواق العالمية فوجود اتفاق مع صندوق النقد يعتبر ضمانة هامة لهم. ولا تختلف تونس عن غيرها من البلدان التي تمر بنفس الاوضاع والتي تعيش ازمات اقتصادية كبيرة، فزيارات المراجعة لصندوق النقد اصبحت الهاجس الكبير للحكومة لانعكاساتها الهامة لا فقط على المستوى الاقتصادي والمالي بل وكذلك حتى على المستوى السياسي، وكانت لزيارة الصندوق الاخيرة والتي انتهت منذ ايام باصدار بيان صحفي للبعثة اهمية اكثر من سابقاتها باعتبارها تمت في اطار الضبابية التي تعرفها بلادنا حول مستقبل الحكومة، ولئن اشار البيان الى بعض مظاهر التحسن الاقتصادي الذي تعرفه بلادنا على مستوى النمو والعجز التجاري فانه اكد على القرارات التي ينتظر اتخاذها من الحكومة قبل المرور امام مجلس الادارة للحصول على القسط الرابع في اطار برنامج «تسهيل الصندوق الممدد». ومن خلال هذا البيان يمكن لنا الاشارة الى انتظارات الصندوق في جانبين، الجانب الاول ينص تأكيد الصندوق على ضرورة أخذ الحكومات لاجراءات حاسمة مما يعني انه لن يكتفي بالاجراءات العادية، اما الجانب الثاني فيهم المجالات والسياسات الاربعة التي يطالب للصندوق بالحسم فيها، المجال الاول يهم السياسة المالية حيث يطالب الصندوق بالترفيع من نسبة الفائدة، المجال الثاني يهم الدعم في المحروقات حيث يطالب الصندوق بالتخفيض فيه، المجال الثالث يهم الزيادة في الاجور حيث يدعو الصندوق الى احتوائها، والمجال الرابع يخص قانون اصلاح نظام التقاعد حيث ينادي الصندوق باعتماده. في رأيي تشكل هذه المبادئ والمجالات الشروط الضرورية من وجهة نظر الصندوق لتسريح القسط الجديد من القرض، وله يخفي على احد الانعكاسات الاجتماعية والاقتصادية الباهظة لهذه الشروط والجانب الموجع للقرارات الحاسمة التي ينتظرها الصندوق. ان مواصلة دعم الصندوق لبلادنا مرتبط بقدرة الحكومة على اخذ هذه الاجراءات الحاسمة والموجعة لا فقط على المستوى الاجتماعي لكافة الفئات الاجتماعية بل وكذلك للمؤسسات الاقتصادي كما اشار لذلك البيان بكثير من الوضوح وفي رأيي فانه لابد لنا من اعادة النظر في هذه المفاوضات لمحاولة ايجاد هامش يسمح لنا بدعم النمو والاستثمار والخروج من الازمة الحادة التي نعيشها اليوم.