عجّت يوم العيد المقابر والمساجد وبعض الطرقات الرئيسية في كثير من المدن بالمتسولين، فبين متسوّل ومتسوّل متسوّل أو متسوّلة، افترشوا الأرض وهبّوا لاختيار أماكن لهم منذ ساعات الصباح الأولى لطلب المال. هذه المشاهد ليست بالجديدة، فمنذ عشرات السنين دأبنا على هذه الظاهرة وتعودنا منذ نعومة أظافرنا على مشاهدة المتسوّلين في أول أيام العيد في مثل هذه الأماكن وغيرها، بل إنها انتشرت بنسق سريع في السنوات الأخيرة من الثورة. هذا في الأعياد والمناسبات الدينية، ولكن في ذات الوقت لم تعُد المدن والشوارع خاصة منها الرئيسية تخلو من المتسولين من مختلف الشرائح العمرية، ولم تعُد في هذا السياق تُميّز بين المحتاج فعلا وبين من اختار التسوّل مهنة يكسب منها المال من المارة طيلة أيام السنة. يُقال أنّ الفقير والمحتاج فعلا «نفسه عزيزة» فلا يخرج للشارع متسوّلا ولا مستجديا الناس للظفر بالمال. بل العكس تماما تجد هؤلاء المحتاجين وذوي الخصاصة يبحثون عن موارد رزق حتى وإن كانت شاقة ومتعبة كعمل النساء في الأراضي الفلاحية أو معينات منزليات أو غيرها من المهن اليومية أو بحضائر البناء بالنسبة للشباب والكهول. ومن المؤسف أنّه بعد الثورة صارت النوادر لا تُحصى ولا تُعد، فتجد صفحات التواصل الاجتماعي «الفايسبوك» تنقل من حين إلى آخر الأشكال والطرق التي يعتمدها المتسوّلون للظفر بالقليل من المال أو بالأحرى للتحيّل على الناس. وفق كاتب عام النقابة العامة لموظفي الشرطة البلدية محمّد الولهازي تنقسم أشكال التسوّل من خلال القضايا ومتابعة الوضع اليومي إلى خمسة أشكال وهي التسوّل بالشهائد والوصفات الطبيّة، وأيضا التسوّل بالعاهات المرضية، أو التسّول عن طريق تأجير أطفال العائلات المعوزة من الأحياء الشعبية فتُقدّر قيمة التأجير في اليوم الواحد 30 دينارا، إلى جانب استغلال الأطفال ذوي الإعاقات الذهنية. كما يوجد نوع آخر من أشكال التسوّل وفق تصريح الولهازي ل«الصباح الأسبوعي» ويتمثّل في إشهار وثائق مغادرة السجن كنوع من الاستجداء وفي نفس الوقت تهديد باطني للمارة. وتمّت معاينة هذا الشكل من التسوّل خاصة في جهة الباساج بالعاصمة وبين نقاط الترابط لوسائل النقل العمومي. هؤلاء المتسولون يتمركزون في الأغلب أمام الجوامع خاصة يوم الجمعة، وأيضا في مختلف المناسبات الدينية الأعياد وشهر رمضان في صلاة التراويح، بالإضافة إلى المركبات الترفيهية العائلية والمساحات التجارية الكبرى ومفترقات الطرق والبنوك. أغلب المتسولين يأتون من القرى والأرياف والأحياء الشعبية والفقيرة وأيضا من فاقدي السند العائلي ويُضاف إليهم بعض الأفارقة الذين التحقوا بهذا الركب وأيضا سوريون نساء ورجالا، ومؤخرا تمّ القبض على امرأة رفقة ابنها من مدينة عنابة الجزائرية. وقال كاتب عام النقابة العامة لموظفي الشرطة البلدية محمّد الولهازي إنّه خلال عمليات المعاينة بشارع جون جوراس بالعاصمة تمّ التفطن الى أنّ استقطاب المتسولين يتمّ عن طريق مجموعات منظمة تقوم بتوزيعهم وأيضا مراقبتهم عن بعد. وخلال عمليات المعاينة أكّد الولهازي أنّه «خلال سنة 2017 تمّ إيقاف 3284 شخصا من طرف الشرطة البلدية فقط وإعلام وكيل الجمهورية، امّا بالنسبة لسنة 2018 وتحديدا منذ شهر جانفي إلى غاية غرّة ماي تمّ إلقاء القبض على 873 شخصا». أما بالنسبة لشهر رمضان، فإلى حدود 13 جوان الجاري قال كاتب عام النقابة العامة لموظفي الشرطة البلدية «تمّ إيقاف 141 شخصا أي أنّه منذ بداية السنة إلى منتصف شهر جوان حصيلة الموقوفين من المتسولين 1014 متسوّلا». هذه الظاهرة لا يمكن القضاء عليها بين ليلة وضحاها، مادامت وضعيات العديد من العائلات التونسية ما تزال مهمّشة وفي ظلّ غياب حلول جوهرية للتنمية والتشغيل والعدالة الاجتماعية بين مختلف الجهات والمناطق. فقد أوضح محمد الولهازي أنّ «ظاهرة التسوّل تتطلب تشخيصا دقيقا ومعالجتها لا يجب أن تقتصر على الحملات الموجهة من فترة إلى أخرى وحسب متطلبات المواسم من ذلك الموسم السياحي أين تتركز الحمالات الأمنية بالمناطق السياحية».