صادق مجلس نواب الشعب على ميزانية هيئة الانتخابات لسنة 2019 بعد أن تم التخفيض من الاعتمادات المحددة من قبل مجلس الهيئة ب162 مليون دينار. ومع ذلك يعتبر المبلغ المسند مبالغا فيه، إذ أنه يفوق المبلغ الضخم لإنجاز انتخابات سنة 2014 التشريعية والرئاسية والذي تجاوز 98 مليون دينار. وفي الواقع، تعتبر الهيئة المشكلة من قبل حركة النهضة سنة 2014 استثمارا ناجحا ومشغلا جيدا لعشرات آلاف الأعوان في كل موعد انتخابي وتحظى بالتالي بحمايتها المطلقة من المساءلة وإن شهدت ميزانيتها تضخما غير مبرر. علما وأن أغلب الاستثمارات الثقيلة ذات الاستعمالات المستقبلية والمتعددة والتي تشمل اقتناء التجهيزات والمعدات والمنظومات والشبكات وتهيئة المقرات ونفقات إعداد سجل الناخبين وغيرها تمت كلها سنة 2011 وقد تكلفت بمبلغ 5. 25 مليون دينار وبقيت صالحة لمختلف الانتخابات الموالية وستستغلها الهيئة المحدثة في مختلف الانتخابات القادمة. يبين التقرير المالي الصادر سنة 2011 عن الهيئة الانتخابية الأولى والتي حلّتها الحركة إثر وصولها للحكم بكل وضوح حجم الهوّة، إذ لم تتجاوز النفقات الانتخابية المباشرة لإنجاز انتخابات المجلس التأسيسي مبلغ .16 مليونا و 400 ألف دينار من اعتمادات جملية كانت بلغت 37 مليون دينار. بينما فاقت النفقات المباشرة لإنجاز الانتخابات التشريعية سنة 2014 وفق التقرير المالي للهيئة المحدثة 27 مليونا و615 الف دينار وتلك المتعلقة بالانتخابات الرئاسية بدورتيها مبلغ 41 مليون 436 ألف دينار.. كما تمثل التكلفة الضخمة التي وردت صلب التقرير المالي في ما يخص تحيين سجل الناخبين سنة 2014 فضيحة بكل المقاييس، إذ بلغت 12 مليونا 700 ألفا 251 دينارا وخاصة بمقارنتها مع نفقات تسجيل بلغت 6 ملايين 58 ألفا 378 دينارا لا غير وفق التقرير المالي الصادر سنة 2011. ليس ذلك فقط، فقد ورد في التقرير النهائي للهيئة سنة 2011 بأن العدد الإجمالي من الناخبين المسجلين في الداخل والخارج بلغ 5 ملايين 16 ألفا 420 ناخب (باعتبار أن من صوتوا في مراكز اقتراع خاصة وعددهم 547 ألفا 674 ناخبا بوصفهم مسجلين «آليا» قد انضموا للسجل «إراديا» بعد أن أدلوا ببياناتهم). وهو ما جعل ذلك من تكلفة تسجيل الناخب الواحد لا تتجاوز مبلغ دينار و207 مليمات وهي على كل حال لم تتجاوز دينار و355 مليما وإن أقصينا المسجلين آليا المذكورين آنفا واحتسبنا فقط من سجلوا إراديا وعددهم 4 ملايين 468 ألفا 746 ناخبا. وكم كان مفاجئا أن تعلن الهيئة المحدثة في تقريرها النهائي حول انتخابات سنة 2014، بأن عدد الناخبين المسجلين داخل وخارج الجمهورية بلغ 5 ملايين 306 ألفا 324 ناخبا. إذ أثبت ذلك زيف إدعاءاتها حول تسجيلها 993 ألفا 783 ناخبا جديدا، حيث أنها لم تسجل في الواقع سوى 289 ألفا 904 ناخب إضافي وبتكلفة خيالية قفزت إلى 43 دينارا 808 مليما لتسجيل الناخب الواحد . وإذ ما تمت المقارنة فقط مع عدد من سجلوا إراديا سنة 2011 فإنها تكون قد سجلت 837 ألفا 578 ناخبا بتكلفة تبلغ 15 دينارا 165 مليما لتسجيل الناخب الواحد. لذلك عمدت الهيئة المحمية من الحركة ولكي يتسنى لها تخفيض تكلفة تسجيل الناخب الواحد وإعلانه للعموم صلب تقريرها المالي إلى مغالطات واضحة. أولها تمثلت في الإيحاء بارتفاع عدد المسجلين الجدد وذلك بقسمة التكلفة الجملية على 1 مليون 354 ألفا953 وهو رقم لا علاقة له بأولئك، إذ لا يمثل في الواقع سوى عدد «العمليات المرتبطة بتحيين سجل الناخبين» لكي تتحصل على 9 دنانير 373 مليم كتكلفة تسجيل للناخب الواحد وهي المغالطة الثانية(ص33 من التقرير). ويبدو أن كل من اتصل بخدمة البيانات غير المهيكلة عن طريق الهاتف الجوال (USSD) ولو للتثبت من مكتب اقتراعه تم احتسابه من بين الذين قاموا بتحيين تسجيلهم. أما تكلفة «تصويت» الناخب الواحد في جميع مراحل انتخابات 2014 التشريعية والرئاسية فقد بلغت على عدد المسجلين الذين أعلنتهم 18 دينارا 566 مليما وقد تتجاوز ذلك المبلغ بكثير. في حين أنها لم تتجاوز 3 دنانير و 269 مليما لكامل انتخابات سنة 2011 التي كانت تكلفتها منخفضة جدا مقارنة بالمقاييس العالمية خاصة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار تضمّن هذه التكلفة لنفقات تتعلق باستثمارات تم استغلالها من قبل الهيئة الحالية في أكثر من موعد انتخابي. وعليه، فمن الواضح انه بات اليوم ضروريا فتح جميع الصناديق السوداء في هيئة الانتخابات وما أكثرها ومن أهمها الملف المالي والإعلامية وسجل الناخبين وذلك قبل الانتخابات المقبلة.