أحيت تونس أمس الذكرى الثامنة لثورة الحرية والكرامة 17 ديسمبر - 14 جانفي والتي حملت شعار «شغل، حرية، كرامة وطنية» وهو الشعار الذي ما زال رافعوه بانتظار تحقيقه بعد هذه السنوات الثماني. ذكرى الثورة، حلت كسابقاتها في سياق أزمة شاملة وعميقة تستفحل عاما بعد عام تسبّبت فيها كل الحكومات المتعاقبة والسياسات المرتعشة وسوء الإدارة والحوكمة والارتهان لقرارات الدوائر المالية العالمية وحتى لقرارات وأوامر بعض الدول المتنفذة وغير المتنفذة.. ذكرى الثورة حلت وسط أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية، تركها أهل الحل والعقد في البلاد من حكام وسياسيين جانبا ليركزوا فقط على سبل خوضهم وكسبهم لحرب المواقع والكراسي وخاصة في الفترة الأخيرة التي تستعد فيها البلاد للاستحقاقات الانتخابية لسنة 2019. لقد كان هذا الشعب يأمل من ثورته في تغير حاله إلى الأفضل وفي تحقيق مطالبه الثلاثة، لكنه اليوم وجد نفسه عاجزا عن تأمين عيشه وتوفير أبسط ضرورياته من مواد غذائية ودواء بعد انهيار المقدرة الشرائية، هذا دون الحديث عن تردي مستوى الخدمات العامة التي قامت عليها البلاد مباشرة بعد الاستقلال على غرار الصحة والتعليم والنقل والبيئة... لقد أصبحت البلاد بسبب حكامها وسياسييها، آلة بأيدي مافيات تتحكم في القرار السياسي والواقع الاقتصادي وبأيدي الدوائر المالية العالمية مما عصف بأبسط مقومات وأسس الاقتصاد الذي يعرف اليوم أرقاما سلبية غير مسبوقة فيما يتعلق بارتفاع عجز الميزان التجاري وانهيار قيمة الدينار وتراجع احتياطي العملة وارتفاع المديونية... أما فيما يتعلق بالوضع الاجتماعي، فإن السنوات الثماني الأخيرة، وبفضل من مروا على كراسي الحكم سواء ضمن السلطة التنفيذية أو التشريعية، شهدت توسعا في رقعة الفقر وزيادة في نسب التهميش وسوء العدالة في التنمية لترتفع نسب البطالة في الجهات الداخلية في ظل انعدام المشاريع التنموية والتشجيعات الحكومية للاستثمار. هذا الوضع، لن يجعلنا نقر ونعترف بفشل الثورة في تحقيق أهدافها، بل فقط تجعلنا نعترف بانعدام «ساسة» و»وطنيين» قادرين على الحكم وتسيير شؤون دولة.. نعترف بانعدام من يفكر في هذا الوطن وهذا الشعب قبل التفكير في مصالحه الضيقة وفي ما سيجنيه من الكرسي والسلطة... نعترف بان الثورة أبعدت بضع عشرات من الفاسدين ولكنها أنجبت الآلاف من الفاسدين والمتمعشين الجدد.. 8 سنوات مرت، ومازلنا نحلم بالنجاح وبتحقيق مطالب هذا الشعب بعيدا عن شعار «أن الثورة التونسية مثلت الاستثناء بين تجارب الربيع العربي».. فخيباتنا وعثراتنا أكثر بكثير من نجاحاتنا.. واليوم وبعد ثماني سنوات من الثورة، من الضروري العمل على إيقاف الانهيار الذي أصاب كل المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية عبر برنامج وطني للإنقاذ يضع حدا لانهيار المقدرة الشرائية والخدمات العمومية وغلاء الأسعار وانزلاق الدينار وتفاقم المديونية.. فالأولوية اليوم تقتضي التركيز على الواقع الاقتصادي والاجتماعي للبلاد والعمل على النهوض به لأن هذا الشعب الذي قاد ثورة صفق لها كل العالم يستحق وضعا أفضل وأحسن من الوضع الذي يعيش اليوم.