مازال مسار العدالة الانتقالية يسيل الكثير من الحبر مسار شهد منذ ولادته «كرا وفرا» انطلق من شخص رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة في حد ذاتها التي أثار وجودها على رأس الهيئة جدلا كبيرا لم ينته الى اليوم وصولا الى عديد نقاط الاستفهام الأخرى المتعلقة بمدى «فاعلية» الدوائر المتخصصة في العدالة الانتقالية في ظل امتناع عدد كبير من المتهمين المشمولين بالبحث في هذه القضايا عن المثول أمام هذه الدوائر ودفع للتساؤل عن مصير هذه القضايا وما اذا كانت المحاكمات ستكون مجرد محاكمات رمزية فحسب ومازالت نقاط الاستفهام مطروحة في هذا الخصوص حول مدى نجاح مسار العدالة الانتقالية في تونس في ظل جل هذه التجاذبات؟ وهل ستكون المحاكمات صلب هذه المنظومة رمزية في ظل رفض المتهمين المثول أمام المحكمة و»أقدمية» بعض القضايا التي توفي بعض المتهمين فيها؟ فقد أكد رئيس الحكومة يوسف الشاهد في تصريح إعلامي أن هيئة الحقيقة والكرامة تسببت في مزيد تقسيم التونسيين ولم تنجح في تحقيق الأهداف المرسومة إضافة الى عدم تحقيق أي مصالحة أو رد اعتبار للضحايا بل أنه حسب قوله «هناك من سيدخل السجن وسيحاكم بسبب العدالة الانتقالية» وأضاف أنها «فشلت لأنها تأخرت في تحقيق العدالة 8 سنوات بعد الثورة وتسيّست كما أن رئيستها سهام بن سدرين شنجت الأمور « لأن «شخصية رئيسة الهيئة هي شخصية غير توافقية». فشل.. اعتبر القاضي عمر الوسلاتي ل «الصباح» ان مسار العدالة الانتقالية كان مرفوضا منذ البداية باعتبار ان بناء مسار العدالة الانتقالية في مراحل الانتقال كان «مغشوشا» لأنه لم يسمح بنقاش المسار وتداعياته على مهل بل كان هناك تسرع فكان يمكن الانتظار لفترة معينة لبناء هذا المسار وفي ذلك الوقت كان يمكن ان تكون له نجاعة أكبر بعد انتظار ظهور التركيبة السياسية وملامح المؤسسات لأنه لا يمكن بناء مسار العدالة الانتقالية على أنقاض نظام ديكتاتوري مما أدى الى الفشل الذي من أهم أسبابه أن من سنّوا قانون العدالة الانتقالية وتركيبة هيئة الحقيقة والكرامة كان فيها نوع من تصفية الحساب باعتبار أن الأعضاء لم يحضوا بالإجماع حولهم ولم يظفروا بثقة الجميع وبدل ان يعملوا في صمت من أجل المصالحة كانت الأمور عبارة عن تصفية حسابات كما أن أزمة هيئة الحقيقة والكرامة هي أزمة داخلية وخارجية جعلت البعض يستغل الأزمة الداخلية باعتبارها لم تستطع معالجة مشاكلها الداخلية في خصوص علاقاتها مع أعضائها حيث دخلت في خلاف معهم وقامت بطرد البعض ولم تحترم القانون ولا القضاء وعندما اهتزت الثقة فيها اهتزت الثقة في النتائج التي ستتوصل اليها وحتى وان كانت هناك رغبة من مرتكبي الانتهاكات في طي صفحة الماضي فان فقدانهم الثقة في حيادية الهيئة وانصافها جعلهم يحسون انها تصفية حسابات أكثر منها مصالحة ومما زاد في استفحال الأزمة هو التحول السياسي بعد الانتخابات المتمثل في عودة رموز النظام القديم. نجاح ولكن.. جمال بركات شقيق الشهيد فيصل بركات ذكر ل «الصباح» انه مقارنة بالتجارب المقارنة فان تونس نجحت نجاحا لا مثيل له فيما يخص تجربة العدالة الانتقالية وأكد أن التخوف الذي يراودهم اليوم يتعلق بأن لا يقع تنفيذ قرارات الهيئة وأضاف بأنه حسب الفصل 70 من القانون عدد 52 يجب إحداث لجنة برلمانية لمتابعة مقررات الهيئة من خلال مراقبتها ويتحمل العبء في التنفيذ، الحكومة التي لم تشجع المسار ولم تعمل على إنجاحه بل اعتبرته مسارا فاشلا منذ البداية إضافة الى الضغط الذي تتعرض له هيئة الحقيقة والكرامة وبالتالي فان الرحلة مازالت طويلة فيما يخص تحقيق النتائج المرجوة من هذا المسار ويمكن أن تمتد لسنوات أخرى. وأكد بركات في خصوص المصالحة انها لن تكون بين «الجلاد» والضحية بل هي مصالحة بين منظومة الفساد وهي الدولة التي عليها الاعتراف بارتكاب الانتهاكات وبين الضحية ولكن هذا لن يمنع المحكمة من أن تصدر أحكامها ضد المتهمين بالانتهاكات وأكد أنه مازال لديهم أمل في ان يحقق مسار العدالة الانتقالية أهدافه وفي ذات السياق ذكر العلمي الخضري وهو عسكري سابق وأحد ضحايا الانتهاكات وكذلك رئيس جمعية الكرامة المعنية بالقضايا المعروضة أمام الدوائر المتخصصة في العدالة الانتقالية ل «الصباح» أنهم سيحاولون اكمال مسار العدالة الانتقالية الى النهاية باعتبار ان الدستور والقانون هما اللذان سيضمنان اكتمال المسار . وأضاف أن نشر قضايا الانتهاكات أمام الدوائر المتخصصة في العدالة الانتقالية يؤكد أن القضاء تخلص من الضغوطات وبأنه أصبح مستقلا وأكد أنه في صورة عدم امتثال المتهمين وحضورهم أمام المحكمة واعتذارهم فان المحاكمة ستصبح صورية وغير عادلة . مؤاخذات من جهتها أصدرت نقابة القضاة التونسيين مؤخرا بيانا عبرت فيه عن تضامنها المطلق مع القضاة على خلفية ما اعتبرته تعرضهم ل»سوء المعاملة وخرق للإجراءات وهرسلة من قبل أعضاء هيئة الحقيقة والكرامة تحت مطية البحث والتقصي» وأكدت ان نجاح مسار العدالة الانتقالية رهين احترام الهيئة للقانون وتجنب التشفي والإخلالات وخرق الإجراءات وأبرزت ضرورة احترام السلطة القضائية عبر دعوة القضاة ومخاطبتهم عن طريق المجلس الأعلى للقضاء فضلا عن إحترام قرينة البراءة كمبدأ دستوري « مما جعل هيئة الحقيقة ترد على هذا البيان ببلاغ عبّرت من خلاله عن أسفها لأي «إزعاج أو التباس نتيجة الاستدعاءات التي وجّهتها لعدد من القضاة على خلفية إعلان نقابة القضاة التونسيين رفع قضية ضد الهيئة لارتكابها خروقات قانونية وهرسلة القضاة باستدعائهم في إطار العدالة الانتقالية» فيما اعتبر ابراهيم بوصلاح رئيس نقابة القضاة التونسيين في تصريح إعلامي أن «ملف الإصلاحات الوظيفية هو ملف خطير ولكن لم تراع فيه احترام الفصل 43 من القانون الأساسي المنظم للعدالة الانتقالية الذي يحدد شروط جوهرية وأساسية يتم على ضوئها استدعاء أي طرف إن كان قاض أو غيره كما انه لم يقع احترام أجال ثلاثة أيام لإنجاح مسار وظيفي»، وأضاف ان النقابة لم تنتظر هذا النوع من الاعتذار من قبل هيئة الحقيقة والكرامة موضحا أن النقابة انتظرت اعتذارا يعادل ويناسب حجم الضرر الذي لحق بالقضاة باعتبار ان الهيئة قللت من شأن القاضي مشددا على أن بيان الاعتذار لن يضيف للقضاة شيئا بعد الاهانة التي تعرّضوا لها. مقاطعة.. في ذات السياق ذكر رياض الرزقي المكلف بالاعلام بالنقابة الوطنية لقوات الأمن الداخلي ل «الصباح» أنهم دعوا منظوريهم من الأمنيين ممن شملتهم التتبعات في قضايا العدالة الانتقالية الى الامتناع عن حضور جلسات المحاكمة في هذه القضايا باعتبار ان سهام بن سدرين رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة ليست انسانة محايدة بل هي «حاربت» الأمنيين منذ العهد البائد مما جعل العدالة الانتقالية عدالة «انتقائية» وقال «بالنسبة لنا فان القضاء العدلي قال كلمته في مختلف القضايا التي تمت احالتها على العدالة الانتقالية ونحن نعترف بالقضاء ولا تعنينا هيئة الحقيقة والكرامة التي اعتبرها نقمة من نوع آخر». محاكمة فعلية.. وفي ظل جل هذه التجاذبات أكدت سلوى القنطري مديرة مكتب المركز الدولي للعدالة الانتقالية بتونس ل»الصباح» أنه لم يحن الوقت بعد للحديث عن نجاح مسار العدالة الانتقالية من عدمه باعتبار أن ذلك لن يتم الا بعد اكتمال هذا المسار والاطلاع على كامل نتائجه لاكتشاف اذا ما تحققت أهداف هذا المسار من عدمها وأكدت ان المحاكمات في اطار منظومة العدالة الانتقالية حتى ولئن شملت قضايا تعود الى أمد بعيد كأحداث الخبز وقضية صالح بن يوسف وغيرها هي ليست مجرد محاكمات رمزية بل هي محاكمات فعلية فالهدف هو إعادة الاعتبار وتمكين الجميع من الحق في العدالة ومعرفة أسباب الاحتقان الذي حصل ونوعيته ومخلفاته .. وأكدت أن قانون العدالة الانتقالية هو قانون صادق عليه البرلمان وهو قانون صارم وحاسم مثله مثل بقية القوانين كما ان الدولة ساهمت في تدريب القضاة للعمل في هذا المسار وقبلت ملفات الضحايا وبالتالي لا يمكن الحديث عن محاكمات صورية وعلى الدولة احترام التزاماتها في تنفيذ القانون فيما يخص مسار العدالة الانتقالية وفي كل الأحوال فان المحكمة ستصدر أحكاما قضائية باتة حتى في صورة عدم مثول المتهمين أمامها بعد استيفاء جميع الطرق القانونية في استدعائهم.