إن الأخبار التي تناولتها وسائل الإعلام المرئية والمكتوبة حول ما يحصل في "مدرسة قرآنية " بمعتمدية الرقاب فظيعة وخطيرة جدا وتمثل وصمة عار على جبين كل التونسيين. فقد أفادت وزارة الداخلية وفق بيان صادر لها أن هناك أطفالا وشبابا تبيّن أنهم "يُقيمون اختلاطا بنفس المبيت في ظروف لا تستجيب لأدنى شروط الصحة والنظافة والسلامة وجميعهم منقطعون عن الدراسة، كما أنهم يتعرّضون للعنف وسوء المعاملة ويتم استغلالهم في مجال العمل الفلاحي وأشغال البناء ويتم تلقينهم أفكارا وممارسات متشددة". إننا نعتقد أنه لا يمكن لأحد أن يتنصل من المسؤولية تجاه هذه المستجدات وعلى جميع التونسيات والتونسيين أن يسارعوا لا بالتنديد بما وقع بل أن يطالبوا الدولة بتحمل مسؤوليتها واعتبار ما جد بمعتمدية الرقاب من أولويات الشعب التونسي بأكمله ولا يقل أهمية عن ضرورة مقاومة الإرهاب. لكن لنا سؤال نعتبره جوهريا: لماذا لا تحصل هذه التجاوزات وغيرها إلا في رياض الأطفال، في الكتاتيب، في المنازل المهجورة الموجودة عادة بالقرى التابعة للمدن الداخلية المنسية والمهمشة؟ فهل أن ما نشاهده ونسمع به في مختلف وسائل الإعلام من أوضاع مزرية للعائلات التونسية إثر نزول كميات من الأمطار وتساقط الثلوج يحصل في المدن المحظوظة؟ هل نشاهد أطفال المدن يسيرون على الأقدام للوصول إلى مدارسهم ومعاهدهم منذ غبش الفجر ثم يعودون إلى بيوتهم وقد عسعس الليل!؟ إننا لا نشاهد في المدن المحظوظة عادة سوى السيارات الفاخرة والفارهة أمام المدارس والمعاهد التي تكاد تلج الساحات لإيصال الأبناء إلى قاعة الدرس أو للرجوع بهم إلى المنزل في كل الأوقات، فالأولياء في هذه المدن يتابعون أبناءهم لحظة بلحظة ولو على حساب ساعات العمل والالتزامات المهنية، وبين هذا وذاك تراهم يسجلونهم في معاهد الموسيقى الخاصة وفي الجمعيات الرياضية ودور الشباب. سلوا عن عدد المدارس التي تعيش نقصا كبيرا في عدد المدرسات والمدرسين بعد مرور شهور وشهور على انطلاق السنة الدراسية أين توجد؟ سلوا عن عدد المدارس والمعاهد الآيلة للسقوط أين تقع وفي أين منطقة من مناطق البلاد توجد؟ هذه الحقائق وغيرها من علامات اللاتكافؤ بين جهات القطر تشير لك بالبنان عن سبب تحويل أبنائنا وفلذات أكبادنا إلى مواطنين من قندهار وأفغانستان سلوكا ولباسا. لماذا يحرم هؤلاء من الدراسة في عمر الزهور؟ لماذا يلقى بهم في عوالم نهايتها لا تكون إلا في معمعة بؤر التوتر ولماذا يكونون على رأس قائمة الإرهابيين؟ عفوا، إن استعمالنا لكلمة "أبنائنا" و"فلذات أكبادنا" فيه ضرب من الكذب والبهتان لأن هذه الصفة لا نلتجئ إليها ولا نستعملها إلا في كتاباتنا وتصريحاتنا، فترانا نلوكها لوكا حينما تحدق بهؤلاء الضحايا المصائب وما عدا ذلك فنحن في الحقيقة في عالم وهم في عالم آخر. فمن منا لا يعرف أنهم يولدون ولا يرسمون في دفاتر الحالة المدنية في الإبان ولا حتى بعد أعوام ويمر سن دخولهم للمدرسة ولا يدخلونها؟ من منا لا يعرف أنه تحين مدة تلقيحهم من عدة أمراض ولا يلقحون؟ من منا لا يعرف أنهم يولدون ويموتون دون أن يشاهدوا مسرحية ولا شريطا ودون أن يقرؤوا كتابا أو تمسك أياديهم صحيفة أو مجلة في يوم ما؟ إن الذين يدافعون عن البلاد والعباد وأنا من بينهم عليهم أن يعوا جيدا أن هؤلاء الصبية الأبرياء وغيرهم وهم كثر نحن الذين نتحمل المسؤولية الجسيمة في تقديمهم على طبق من ذهب للظلاميين ل"الدواعش"، لأعداء الحياة وللمُنظّرين لثقافة الموت.