المحمدية.. القبض على شخص محكوم ب 14 سنة سجنا    تالة: مهرجان الحصان البربري وأيام الاستثمار والتنمية    "سلوكه مستفز": الافريقي يطالب بتغيير هذا الحكم في مباراته ضد الصفاقسي    حالة الطقس هذه الليلة    سوسة: ايقاف مروج مخدرات وحجز 500 قرصا مخدرا    عاجل/ قضية "اللوبيينغ" المرفوعة ضد النهضة: آخر المستجدات..    بتهمة التمييز... أربع صحافيات يقاضين "بي بي سي"    أسعار المعادن في العالم: الذهب والفضة الملاذات الآمنة والنحاس مقياس للصحة الاقتصادية    مجلس وزاري مضيق: رئيس الحكومة يؤكد على مزيد تشجيع الإستثمار في كل المجالات    فاو: ارتفاع مؤشر أسعار الغذاء... اللحوم والزيوت النباتية والحبوب    نتائج قرعة الدورين ثمن وربع النهائي لكاس تونس لكرة القدم    ألكاراز ينسحب من بطولة إيطاليا المفتوحة بسبب الإصابة    حجز 67 ألف بيضة معدّة للإحتكار بهذه الجهة    لجان البرلمان مستعدة للإصغاء الى منظمة "كوناكت" والاستنارة بآرائها    تونس تحي اليوم الوطني للدبلوماسية    عاجل/ أعمارهم بين ال 16 و 22 سنة: القبض على 4 شبان متورطين في جريمة قتل    العثور على جثة آدمية مُلقاة بهذه الطريق الوطنية    ما قصة هروب افارقة من حافلة متجهة إلى ولايتي جندوبة والكاف ؟    توطين مهاجرين غير نظاميين من افريقيا جنوب الصحراء في باجة: المكلف بتسيير الولاية يوضّح    القصرين: اضاحي العيد المتوفرة كافية لتغطية حاجيات الجهة رغم تراجعها    مراسلون بلا حدود: تونس في المرتبة 118 في التصنيف العالمي لحرية الصحافة لسنة 2024    الرابطة الأولى: النادي البنزرتي يستضيف الأولمبي الباجي في حوار فض الشراكة في الصدارة    الرابطة الأولى: تعيينات حكام مقابلات الجولة الثانية إيابا لمرحلة تفادي النزول    كرة اليد: بن صالح لن يكون مع المنتخب والبوغانمي لن يعود    بطولة افريقيا للسباحة : التونسية حبيبة بلغيث تحرز البرونزية سباق 100 سباحة على الصدر    الحمامات: اختتام فعاليّات الصالون المتوسّطي للتغذية الحيوانيّة وتربية الماشية    صندوق النقد الدولي يدعو سلطات هذه البلاد الى تسريع الاصلاحات المالية    السعودية: انتخاب تونس رئيسا للمجلس التنفيذي للمركز العربي لدراسات المناطق الجافة والأراضي القاحلة "أكساد"    منظمة إرشاد المستهلك:أبلغنا المفتي بجملة من الإستفسارات الشرعية لعيد الإضحى ومسألة التداين لإقتناء الأضحية.    جندوبة: 6 سنوات سجنا وغرامة مالية لممثّل قانوني لجمعية تنموية    وزارة الفلاحة ونظيرتها العراقية توقعان مذكرة تفاهم في قطاع المياه.    الحماية المدنية:15حالة وفاة و500إصابة خلال 24ساعة.    188 قتيلا في فيضانات جراء الأمطار بكينيا..#خبر_عاجل    مواطنة من قارة آسيا تُعلن إسلامها أمام سماحة مفتي الجمهورية    قرعة كأس تونس 2024.    التلقيح ضد الكوفيد يسبب النسيان ..دكتور دغفوس يوضح    أعمارهم بين 13 و16 سنة.. مشتبه بهم في تخريب مدرسة    جدل حول آثار خطيرة للقاح أسترازينيكا مالقصة ؟    دراسة صادمة.. تربية القطط لها آثار ضارة على الصحة العقلية    اليونسكو تمنح جائزة حرية الصحافة للصحافيين الفلسطينيين    المنظمة الدولية للهجرة: مهاجرون في صفاقس سجلوا للعودة طوعيا إلى بلدانهم    خطبة الجمعة ..وقفات إيمانية مع قصة لوط عليه السلام في مقاومة الفواحش    عاجل/ اكتشاف أول بؤرة للحشرة القرمزية بهذه الولاية..    عاجل/ الأمن يتدخل لاخلاء محيط مقر مفوضية شؤون اللاجئين في البحيرة من الأفارفة..    زلزال بقوة 4.2 درجة يضرب إقليم بلوشستان جنوب غرب باكستان    خطير/ خبير في الأمن السيبراني يكشف: "هكذا تتجسس الهواتف الذكية علينا وعلى حياتنا اليومية"..    العمل شرف وعبادة    ملف الأسبوع .. النفاق في الإسلام ..أنواعه وعلاماته وعقابه في الآخرة !    "أنثى السنجاب".. أغنية أطفال مصرية تحصد مليار مشاهدة    بايدن يتحدى احتجاجات الطلبة.. "لن أغير سياستي"    وزارة الشؤون الثقافية تنعى الفنان عبد الله الشاهد    وفاة الممثل عبد الله الشاهد‬    صفاقس : غياب برنامج تلفزي وحيد من الجهة فهل دخلت وحدة الانتاج التلفزي مرحلة الموت السريري؟    موعد عيد الإضحى لسنة 2024    أبرز اهتمامات الصحف التونسية ليوم الخميس 2 ماي 2024    وفاة الروائي الأميركي بول أستر    ''أسترازنيكا'' تعترف بأنّ لقاحها له آثار قاتلة: رياض دغفوس للتونسيين ''ماتخافوش''    وفاة حسنة البشارية أيقونة الفن الصحراوي الجزائري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المؤتمر الإسلامي العالمي للحوار بمكّة... حدوده وأبعاده
نشر في الصباح يوم 06 - 07 - 2008

انعقد بمكّة المكرّمة من 30 جمادى الأولى 1429 الموافق ل 4/6/ 2008 إلى 2 جمادى الثانية 1429 الموافق ل 6/ 6/ 2008 المؤتمر العالمي للحوار. وقد مثّل بفعاليّاته جسرًا متعدّد الاتجاهات بنته بكلّ حكمة المملكة العربيّة السّعوديّة، ورعاه بكلّ عناية الملك عبد اللّه بن عبد العزيز آل سعود خادم الحرمين الشريفين، وجسّمته بكل اقتدار رابطة العالم
الإسلامي العتيدة وعلى رأسها أمينها العام معالي الدّكتور عبد اللّه بن عبد المحسن التّركي باستدعائها لحوالي 500 باحث من أبرز علماء الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها. ونزل جميعهم مكرّمين ضيوفا بأشرف البقاع وأقدسها: حلّوا بمكّة مهبط الوحي ومدينة الإيمان فكانت بهذا المؤتمر -وسوف تبقى- بيت الحكمة ورحاب التّسامح ورمز التّآخي، بما دار من حوار بناء بين علماء المسلمين وما تمّ من تعارف مثمر بينهم، وما صدر في خاتمته من نداء إنساني للمحبّة بين البشر تحت شعار "كُلُّكُمْ مِنْ آدَم وَآدَمُ مِن تُراب".
وكانت ضربة البداية لهذا المؤتمر العالمي بالجلسة الافتتاحيّة يوم الإربعاء 4/6/ 2008 على السّاعة التاسعة صباحا. وهي الجلسة التي أشرف عليها بنفسه عاهل المملكة العربيّة السّعوديّة، وألقى كلمة رسم فيها الخطوط الكبرى لهذا المؤتمر في حدوده وأبعاده، فقد وضع له شعارًا الآية الكريمة "ادعُ إلى سبيل ربِّكَ بِالحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ، وَجَادِلْهُمْ بالّتِي هِيَ أَحْسنُ" (النحل 125). وحدّد له هدفا ساميا هو "خير الإنسان" وهذا لا يتأتّى -حسب جميع الأديان- إلاّ بتعزيز القيم الإنسانيّة والأخلاقيّة لدى الشّعوب بتسامحها، وفي المجتمعات بتضامنها، وفي الأسرة بتماسكها.
وممّا يثلج الصّدر ويقرّ العين هو طريقة سلام الملك على علماء المسلمين، فعند دخوله القاعة الفسيحة بالقصر الملكي المعمور "الصّفاء" كرّر سلامه ثلاثا: يمينا ووسطا وشمالا وكأنّه يحيّي الجميع فردًا فردًا: تلك تقاليد الملوك الكبار كما رسمها مؤسّس المملكة المغفور له الملك عبد العزيز آل سعود ورسّخها أبناؤه من ملوك وأمراء من بعده.
وقد استمع الحاضرون -بعد تلاوة ما تيسّر من كتاب اللّه العزيز رتّلها فضيلة الدّكتور عبد اللّه بن علي يصفر الأمين العام للهيئة العالميّة لتحفيظ القرآن الكريم- إلى الكلمات الرّسميّة التّالية:
1) كلمة فخامة الرّئيس علي أكبر هاشمي رفسنجاني رئيس هيئة تشخيص مصلحة النّظام ورئيس مجلس الخبراء في الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة، أكّد فيها أنّ المؤتمر الإسلامي العالمي للحوار ازدادت أهميّته بانعقاده على بعد أمتار من المكان الذي أعلن فيه الرّسول (صلى الله عليه وسلم) رسالته. وما هذا الحوار بين المسلمين إلاّ تمهيد للحوار بينهم وبين أصحاب الدّيانات الأخرى.
2) كلمة سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد اللّه آل الشيخ المفتي العام للملكة العربيّة السّعوديّة ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلميّة والإفتاء ورئيس المجلس التَّأسيسي لرابطة العالم الإسلامي، بيّن فيها أنّ الحوار بين أصحاب الدّيانات السّماويّة وغيرهم من أصحاب الحضارات واجب تفرضه حياة الجميع في هذا الكوكب القرية، وتفرضه المصالح المشتركة التي تزداد كلّ يوم تداخلا وتعقيدا.
3) كلمة سماحة الدّكتور محمد سيّد طنطاوي شيخ الأزهر، ألقاها نيابة عن المشاركين في المؤتمر وأوضح فيها أنّ الحوار النّزيه هو خير وسيلة للوصول إلى الحقيقة من جهة، والتّقليل من الخلاف بين البشر من جهة أخرى.
4) كلمة معالي الدّكتور عبد اللّه بن عبد المحسن التركي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي عبّر فيها عن وعي المملكة العربيّة السّعوديّة بخطورة ما تعيشه البشريّة اليوم من أزمات، وما يسود المجتمعات من فوضى وما يكتنف الأسرة من تفكّك، لذا وجب الرّجوع إلى المشترك الإنساني في الرّسالات الإلاهيّة والفلسفات الوضعيّة، ففيه ما يدعو إلى الالتزام بفضائل الأخلاق ويرفض مظاهر الظلم والعدوان والانحلال الأخلاقي والتّفكك الأسري والإضرار البالغ بالبيئة والإخلال بالتّوازن المناخي.
وإثر ذلك دعَا الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود جميع الحاضرين من علماء المسلمين إلى مأدبة غداء على مائدته بالقصر الملكي المشرف على الكعبة المكرّمة.
الجلسات العلميّة
بدأت الجلسات العلميّة منذ ظهر اليوم الأوّل لانعقاد المؤتمر فتناولت المداخلات ودار النّقاش حول المحاور التالية:
1) المحور الأوّل: التأصيل الإسلامي للحوار. وتناول فيه المحاضرون خلال الجلسة العلميّة الأولى وفي ثلاث مداخلات: الحوار في القرآن والسّنة، أهدافه وأسسه ومنطلقاته، وقدّموا نماذج من هذا الحوار الدّيني والحضاري عبر التّاريخ. وفي الجلسة العلميّة الثانية وقع النّظر في مصطلحات الحوار الشرعيّة ومحدّداته من خلال مداخلتين اثنتين. ومن أبرز ما أشارت إليه المداخلتان والنّقاش حولهما هو أنَّ الخلاف والاختلاف بين الشعوب أمر واقع أراده اللّه عزّ وجلّ ونصّ عليه في كتابه العزيز. ومن هنا جاءت مشروعيّة الحوار بين الأمم ليتعارفوا ويتعاونوا للتغلب على ما يجدّ في الحياة من صعاب، وما يحدث فيها من عراقيل. وفي القرآن والسّنة منهج للحوار أصيل اتبعه النبيّ، وسار عليه من سبقه من الأنبياء لغاية التّواصل مع أقوامهم وإقناعهم بقيم عليا ومبادئ سامية فيها كلّ الخير لبني البشر جميعا.
2) المحور الثاني: منهج الحوار وضوابطه ووسائله. وقد تم تداول هذا المحور في اليوم الثاني من المؤتمر وخلال الجلسة العلميّة الثالثة في ثلاث مداخلات تناولت آليات الحوار وآدابه وإشكاليّاته. وقد أكّد الباحثون فيها على أنّ الحوار منهج قرآني وسنة نبويّة .وفي سيرة الرّسول (صلى الله عليه وسلم) نماذج رائعة من الحوار مع أهل الكتاب ومع قومه من قريش، ومع ملوك عصره من خلال رسائل بعثها إليهم يدعوهم فيها إلى الدّين الحنيف.
3) المحور الثالث: مع من نتحاور ؟ سؤال أجاب عنه الباحثون الأجلاّء في الجلسة العلميّة الرّابعة ومن خلال أربع مداخلات. وكان منطلقهم واضحا وهو أنّ الإسلام لا يعادي أحدًا ويحمي حقوق الجميع. وهو دين الانفتاح على جميع الأديان والثقافات والحضارات دون تهميش أو إقصاء للبعض ودون خضوع واستسلام للآخر. وفي الجلسة العلميّة الخامسة وفي نفس المحور نظر المؤتمرون من خلال مداخلتين في كيفيّة تطوير الحوار وضبط آفاقه المستقبليّة باعتباره الآداة الفعّالة للتّعايش السلمي بين الشّعوب.
4) المحور الرّابع: مجالات الحوار: وخصّص لها المؤتمرون الجلسة العلميّة السّادسة والأخيرة، ألقيت خلالها أربع مداخلات، أكّد أصحابها فيها على:
أ- وجوب الحوار في المبادئ الإنسانيّة المشتركة بين البشر، ففيها ما يجمعهم على الخير وينفرّهم من الشرّ.
ب- إعطاء الأوليّة في الحوار لحماية القيم والأخلاق ونبذ العنف والتّعصّب ورفض مظاهر الظلم والقهر والاستغلال.
ج - التّأكيد في الحوار على مظاهر الاعتداء على البيئة، وما ينجم عن ذلك من أخطار وكوارث تطال الإنسانية جمعاء.
د- التطرّق في الحوار إلى الأسرة وما انتابها من تفكّك وإلى المجتمعات وما أصابها من انحلال لمحاولة رتق الفتق مادّيا ومعنويا في سبيل إعداد جيل صالح يعمّر الأرض ويكون فيها خليفة للخالق وفق المشيئة الإلاهيّة.
هذا وقد عمل ثلّة من موظفي رابطة العالم الإسلامي يتقدّمهم الأستاذ رحمة اللّه بن عناية اللّه أحمد المدير العام للدّراسات والمؤتمرات، على حسن سير الجلسات العلميّة. فقد كانوا في حركة دؤوبة ينتقلون في أرجاء القاعة الفسيحة منتبهين إلى كلّ كبيرة وصغيرة: فلديهم لكلّ سؤال جواب، ولكلّ استفسار توضيح، ولكلّ اقتراح قبول.
والملفت للنّظر في هذا المؤتمر الحضور المكثّف للمؤتمرين ورغبتهم الملحة في النّقاش. لذا يمرّ الوقت سريعا في كلّ الجلسات، ولا يجد رئيس الجلسة من حلّ إلاّ تمديد فترة النّقاش ليفسح المجال للمؤتمرين لإبداء آرائهم وتقديم مقترحاتهم بكلّ حرّيّة وجرأة.
ولقد أضفى المؤتمرون جميعا وخاصّة بعض الشخصيات المرموقة في عالم السياسة والفكر والدّين كالرّئيس الإيراني السابق رفسنجاني والرئيس السّوداني الأسبق سوار الذّهب ومفتي المملكة العربيّة السّعوديّة والأمين العام لرابطة العالم الإسلامي وشيخ الأزهر والشيخ القرضاوي، أضفوا على المؤتمر - بحضورهم في أغلب الجلسات العلميّة إن لم نقل في كلّها -حنكة السّياسة ووقار العلم وصراحة المنهج وجديّة البحث وعمق الفكرة ودقّة التّنظيم.
هذا وقد قام الإعلام في المملكة على نقل صورة حيّة عن هذا المؤتمر الكبير ببثّ مباشر له وبحوار مكثّف مع علماء الإسلام بكلّ حريّة وواقعيّة، فكان - بحقّ- خير واسطة بيننا وبين الآخر الذي، لئن كان مفقودا في المؤتمر، فهو موجود بفضل الإعلام ورجاله من شباب المملكة المتّقدين حيويّة وحماسا والمقتدرين كفاءة ومهارة.
وفي اليوم الثالث ظهرًا كانت الجلسة الختامية، وقد تمّت فيها تلاوة التّوصيات التي أقرّها المؤتمرون وتوجهوا فيها بنداء إلى كافة شعوب العالم وحكوماته ومنظماته بمختلف أديانهم وحضاراتهم وثقافاتهم من أجل تعايش سلمي يقوم على الاحترام المتبادل والتعاون المثمر والمصالح المشتركة.
وفي هذه التوصيات تأكيد على أنّ حوار المسلمين مع بقيّة أصحاب الدّيانات الأخرى السّماويّة وغير السّماوية واجب تفرضه حياة الجميع اليوم في هذا الكوكب - القرية، وتفرضه المصالح المشتركة التي تزداد كلّ يوم تداخلا وتعقيدا. وهو واجب على المسلمين للتعريف بقيم الإسلام السّمحاء وللوقوف أمام الحملات المغرضة للإساءة لنبيّه وتشويه مبادئه.
لقد أصبحت المملكة العربيّة السّعوديّة بهذا المؤتمر رمزًا للإسلام في وسطيّته وتسامحه، وللعقل في اتّزانه وحكمته، وللواقعيّة السّياسيّة في فهمها وبعد نظرها(1).
المشاركة التّونسيّة
هذا وقد شاركت تونس في هذا المؤتمر بوفد من أساتذة الجامعة المهتمّين بموضوع حوار الدّيانات والحضارات يتركّب من السّادة: د. كمال عمران، د. عبد الرّزاق الحمّامي، د. محمد صالح الجابري (ممثّلا للمنظمة العربيّة للتربية والعلم والثقافة)، د. جمعة شيخة.
وقد قدّم هذا الأخير للمنظّمين بحثا تحت عنوان "الحوار زمن العولمة وتحدياتها"(2) ركّز فيه على النّقاط التّالية:
1) لقد تعدّدت الندوات والمؤتمرات حول حوار الحضارات والأديان وكلّها ترمي إلى تركيز قيم دينيّة، ومبادئ إنسانيّة، وديموقراطيّة سياسيّة من أجل تعايش سلمي وتضامن بشري وأمن عالمي. لكن مع الأسف ضعف تأثير هذه القيم، وكادت أن تضمحل تلك المبادئ لأنّ الحوار في زمن العولمة التي نعيشها تغيّر جذريا كان حوار قيم ومبادئ نسبيّا فأصبح حوار مصالح ومكاسب كلّيا.
2) المحاوِرُ زمن العولمة متنوّع: هناك رجل الدّين وهناك المبدع وهناك المفكّر وهناك الصّحافي وهناك رجل السّياسة. ولكلّ من هؤلاء منهج وأسلوب في الحوار معه، تبعا للمصلحة التي ينشدها والأهداف التي يريد أن يُحقّقها. ولنا على ذلك أمثلة كثيرة:
أ - فباسم حرّيّة الفكر والمقارنة بين الأديان، قام الحبر الأكبر ( البابا) فنعت الإسلام باللاّ عقلانيّة، وبأنّه دين العنف ودين السّيف المسلّط على الرّقاب معتمدًا -مع الأسف- في حكمه هذا على قولة لأمبراطور بيزنطي حاقد وموتور من قوّة الإسلام في عهده. والبابا بهذه التّهمة يخدم مصلحته الشّخصية ومصلحة من أوصلوه إلى ذلك المنصب الرّفيع. ولو علمنا كيف وصل إليه ؟ وما هي أهدافه المعلنة والخفيّة؟ لَما صُدِمت من محاضرته عقولُنا وقلُوبنا.
هذا البابا لا نردّ عليه بتشنّج وإنّما باقتباس نصوص من كبار رجال الدّين المسيحي الذين مجّدوا الإسلام، ووقفوا في وجه من أرادوا تشويهه. وللبابا نقول: إنّ من أبسط مبادئ الحقّ والعدالة ألاّ نستشهد على المتّهم بأقوال أعدائه فيه. ونذكّره بأنّ ما يقوم به لا يساعد على المحبّة البشريّة التي نادى بها المسيح صلوات اللّه عليه وسلامه.
ب - وباسم حرّية التعبير والإبداع الفنّي قامت صحافة الغرب بنشر صور مسيئة إلى الرّسول (صلى الله عليه وسلم)، وبتصوير أفلام تُسيء إلى الإسلام ولكتابه المقدّس، وتعمّدت تكرار الصّور بإعادة نشرها والأفلام بإعادة عرضها. فعلت كلّ ذلك خدمة لمصالحها. فعند نشر كلّ صورة وعرض كلّ فيلم هناك ربح مادّي لا يُستهان به، وفي الإعادة ربح إضافي.
هؤلاء لانردّ عليهم بالمظاهرات وإنما نردّ عليهم بترجمة نصوص إبداعيّة لكبار الشعراء والكتاب في التّراث الغربي أمثال فيكتور هيقو ولامرتين وغيرهما من مبدعي الألمان والإنقليز والإسبان، وممّن عرفوا واقتنعوا بعظمة محمّد (صلى الله عليه وسلم) هاديا للبشر وبالقرآن دستورًا رائعًا للحياة. وخير نموذج على ذلك قصيدة هيفو وعنوانها "السّنة التّاسعة للهجرة" وهي السّنة التي ألقى فيها الرّسول (صلى الله عليه وسلم) خطبة الوداع، وشاتوبريان في "من باريس إلى القدس" ولامرتين في "حياة محمد" الخ...
ج- وباسم السّلام العالمي عمد بعض ساسة الغرب إلى ربط العنف بالإسلام ووجدوا في أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 تعلاّت لتبرير هذه التّهمة. وهم على يقين أنّ من قام بتلك الفعلة الشّنعاء لا يمثلون قيم الإسلام السّمحة. والأدهى من ذلك وأمرّ سعيُ بعضهم إلى تلفيق أكاذيب لاتّهام هذا البلد أو ذاك بامتلاك أسلحة دمار شامل أو السعي لاكتسابها، فشنَّت عليها هجوما شرسا لتدميرها نفسيا واقتصاديا وحضاريا. وما السّلام العالمي إلاّ شعار مزيّف من أجل خدمة نهمهم للاستيلاء على ثروات الشعوب، وللتزلّف إلى كيان أصبحوا معتقدين اعتقادا جازما أنّ الحلّ والرّبط بيده في كلّ مراحل انتخاباتهم: كلّهم أصبحوا يساهمون بدرجات مختلفة في إرضاء المتغطرسين من بني صهيون لمزيد هضم حقوق المستضعفين من أبناء فلسطين، لا لشيء إلاّ لأنّ مصلحتهم ومصلحة أحزابهم تقتضي ذلك للفوز في انتخاباتهم.
ولقد قام بعض مفكّريهم بالتأكيد على أنّه لا حوار بين الحضارات اليوم، وإنما هو صراع وصدام بينها أوّلا وأخيرا. كان الصّراع بين الشيوعيّة والرّأسمالية منذ بداية القرن العشرين وما إن سقط المعسكر الاشتراكي في نهايته حتى خلقوا من أجل مصلحتهم عدوّا جديدا فكان الإسلام دينا وحضارة، فكرا وقيما. ومصلحتهم في هذا مزدوجة: أوّلا السّيطرة على خيرات البلدان، ثانيا حماية غرس خبيث وسطها ليستمرّ مرضها المسبب لضعفها وانقسامها وتشرذمها.
وهؤلاء الرّدّ عليهم سهل لأنّ كبار المفكّرين وبعض ساسة الغرب رفضوا حججهم الواهية وأحكامهم المسبقة ونواياهم المُبيّتة، وكتبوا كلّ ذلك في كتب مختصّة وفي مجلاّت رائجة وفي جرائد متميّزة. ودورنا هو ترجمة نصوصهم ليقرأها النّاس بلغات مختلفة.
د- وباسم نقل الحقائق إلى المشاهدين قامت القناة الثّانية الفرنسيّة في برنامجها المعروف ب "مبعوث خاص"(3) بِربرتاج، وبثته في خضمّ حرب كوسوفو: قدّم البرنامج شريطا تلفزيّا صوّر فيه معاناة المرأة المسلمة في باكستان: فهي امرأة تعذّب وتقتل ويشوّه وجهها بالنّار بمجرّد غيرة الزّوج وبمجرّد أن تتّهم بالزّنى. ولا يترك لها المجال للدّفاع عن نفسها. وقدّم كلّ ذلك على أنّه من التّشريع الإسلامي. وفي نفس الشريط نرى رجلا مسلما من كوسوفو يبحث عن أمّه في مخيّم للاّجئين يعتني بشؤونهم الصّليب الأحمر الدّولي والمنظّمات الإنسانيّة الغربيّة.
والهدف من هذا البرنامج هو تقديم صورتين متناقضتين للإسلام والمسيحية: فالأوّل دين التّوحّش والعنف والثاني دين المحبّة والتّسامح. واختار هذا البرنامج استعار الحرب في كوسفو ليمرّر الرّسالة العنصريّة التالية: إنّ المسيحيّين اليوغسلاف لهم الحقّ وهم يتّبعون عقيدة سمحاء هي المسيحيّة تهتمّ بكلّ المستضعفين في الأرض بدون تمييز أن يطهّروا بلادهم من أناس يتّبعون عقيدة متوحّشة هي الإسلام تعامل المرأة مثل تلك المعاملة الفظيعة.
كما قامت إحدى القنوات الفرنسيّة، لمّا عجزت عن تأمين ريبرتاج مصوّر عن الجزائر يتلاءم مع التعليق الذي أعدّته عن تصاعد نفوذ الجبهة الإسلامية للإنقاذ، باستعمال صور من الأرشيف عن الحرب الأهليّة في لبنان.
والرّدّ على هؤلاء يكون بعقل واع ونظرة فاحصة واطلاع على برامجهم مستمرّ لنبرز حقدهم على الإسلام وجهلهم الشّنيع بقيمه وقوانينه وسوء نيّتهم فيما يروّجونه حوله من أباطيل. وهم بذلك لا يسخرون من الإسلام بقدر ما يسخرون من عقول سذّج تصدّقهم.
لقد قال الزّعيم الزّنجي لوثركنغ للبيض الأمريكان "إمّا أن نعيش سويا كإخوة وإلاّ فسوف نموت سويا كأغبياء". والمسلمون يقولون لهؤلاء المشوّهين للإسلام "إمّا أن نعيش سويّا كإخوة يحترمون بعضهم بعضا وإلاّ فسوف نموت سويّا محترقين في أتون الحقد والتّعصّب والأنانيّة".
(*)أستاذ تعليم عال متميز بكلّيّة العلوم الإنسانيّة والاجتماعية بتونس
هوامش
1) - وزّع المنظمون على المؤتمرين كتابا في جزءين يحتويان على المداخلات التي استمع إليها الحاضرون خلال الجلسات العلميّة الستّ
.(2) تساءل بعض المشاركين عن مصير هذه البحوث التي بذل أصحابها جهدًا مشكورًا في إعدادها . هل ستطبع كما طُبعت المداخلات التي ألقيت خلال الجلسات العلميّة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.