بطولة مدريد المفتوحة للتنس: روبليف يقصي ألكاراز    حالة الطقس ليوم الخميس 02 ماي 2024    محمد بوحوش يكتب .. صرخة لأجل الكتاب وصرختان لأجل الكاتب    نَذَرْتُ قَلْبِي (ذات يوم أصابته جفوةُ الزّمان فكتب)    مصطفى الفارسي أعطى القصة هوية تونسية    المهرجان الدولي للثقافة والفنون دورة شاعر الشعب محمود بيرم التونسي .. من الحلم إلى الإنجاز    عاجل/ وزيرة التربية تكشف بشرى سارة وتعلن عن انتدابات جديدة..    وفاة غامضة ثانية لمسؤول كشف العيوب في طائرات 'بوينغ'    اليوم: وزارة التربية وجامعة التعليم الأساسي تمضيان اتفاقا هذه تفاصيله    اليوم: دائرة الاتهام تنظر في تقرير ختم البحث فيما يسمّى بقضيّة التآمر    وفاة حسنة البشارية أيقونة الفن الصحراوي الجزائري    تركيا ستنضم لجنوب إفريقيا في القضية ضد إسرائيل في لاهاي    أمطار غزيرة بالسعودية والإمارات ترفع مستوى التأهب    الشرطة تحتشد قرب محتجين مؤيدين للفلسطينيين بجامعة كاليفورنيا    مندوب روسيا لدى الامم المتحدة يدعو إلى التحقيق في مسألة المقابر الجماعية بغزة    طيران الكيان الصهيوني يشن غارات على جنوب لبنان    بعد اتفاق اتحاد جدة مع ريال مدريد.. بنزيما يسافر إلى إسبانيا    حالة الطقس يوم الخميس 2 ماي 2024    المرسى.. الاطاحة بمنحرفين يروّجان الأقراص المخدّرة    مدرب بيارن : أهدرنا الفوز والريال «عَاقبنا»    في خطإ على الوطنية الأولى: دكتور وكاتب يتحول إلى خبير اقتصادي    الجمعية العامة للأمم المتحدة تستأنف الدورة الاستثنائية الطارئة بشأن الشرق الأوسط يوم 10 ماي    وفاة الفنانة الجزائرية حسنة البشارية    سعيد يعود احد مصابي وعائلة احد ضحايا حادثة انفجار ميناء رادس ويسند لهما الصنف الأول من وسام الشغل    اتفاقية تمويل    وزارة الشباب والرياضة تصدر بلاغ هام..    غدا الخميس: وزارة التربية والجامعة العامة للتعليم الأساسي يوقعان اتفاقا ينهي توتر العلاقة بينهما..    الاحتفاظ بعنصر تكفيري مفتش عنه من اجل الانتماء الى تنظيم ارهابي    جندوبة: فلاحون يعتبرون أن مديونية مياه الري لا تتناسب مع حجم استهلاكهم ويطالبون بالتدقيق فيها    وزارة السياحة تقرّر احداث فريق عمل مشترك لمعاينة اسطول النقل السياحي    الاحتفاظ بتلميذ تهجم على استاذته بكرسي في احد معاهد جبل جلود    القصرين: وفاة معتمد القصرين الشمالية عصام خذر متأثرا بإصاباته البليغة على اثر تعرضه لحادث مرور الشهر الفارط    المؤتمر الإفريقي الأول حول "آفاق تنمية الدواجن بإفريقيا" على هامش الدورة 20 للصالون المتوسطي للتغذية الحيوانية وتربية الماشية    المجلس الوطني للجهات والاقاليم ...لجنة صياغة النظام الداخلي تنطلق الخميس في النظر في الاحكام العامة والعضوية والحصانة (الناطق باسم اللجنة)    عقوبات مكتب الرابطة - ايقاف سيف غزال بمقابلتين وخطايا مالية ضد النجم الساحلي والملعب التونسي ونجم المتلوي    الكاف: اليوم انطلاق فعاليات الدورة التاسعة لمهرجان سيكا جاز    ندوات ومعارض وبرامج تنشيطية حول الموروث التراثي الغزير بولاية بنزرت    بعد تتويجه بعديد الجوائز العالمية : الفيلم السوداني "وداعا جوليا " في القاعات التونسية    النادي الافريقي- جلسة عامة عادية واخرى انتخابية يوم 7 جوان القادم    روبليف يقصي ألكاراز ويتقدم لقبل نهائي بطولة مدريد المفتوحة للتنس    عيد العمال العالمي: تدشين المقر التاريخي للمنظمة الشغيلة بعد أشغال ترميم دامت ثلاث سنوات    مدينة العلوم بتونس تنظم سهرة فلكية يوم 18 ماي القادم حول وضعية الكواكب في دورانها حول الشمس    القيروان: إطلاق مشروع "رايت آب" لرفع الوعي لدى الشباب بشأن صحتهم الجنسية والانجابية    اعتراف "أسترازينيكا" بأن لقاحها المضاد لفيروس كورونا قد يسبب آثارا جانبية خطيرة.. ما القصة؟    تفاصيل الاطاحة بمروجي مخدرات..    هام/ إصدار 42 ملحقا تعديليا من جملة 54 ملحقا لاتفاقيات مشتركة قطاعية للزيادة في أجور العاملين في القطاع الخاص    هام/ وزارة التربية تدعو إلى تشكيل لجان بيداغوجية دعما لتلاميذ البكالوريا..    وزارة التجارة: لن نُورّد أضاحي العيد هذه السنة    كلاسيكو منتظر بين التّرجّي والسّي آس آس...    تونس تشارك في معرض ليبيا للإنشاء    غرفة القصابين: معدّل علّوش العيد مليون ونص    مهرجان سيكا جاز: تغيير في برنامج يوم الافتتاح    اليوم: تونس تحيي عيد الشغل    وزارة الفلاحة تضبط قيمة الكيلوغرام من التن الأحمر    عاجل/ "أسترازينيكا" تعترف..وفيات وأمراض خطيرة بعد لقاح كورونا..وتعويضات قد تصل للملايين..!    مختص في الأمراض الجلدية: تونس تقدّمت جدّا في علاج مرض ''أطفال القمر''    يوم 18 ماي: مدينة العلوم تنظّم سهرة فلكية حول وضعية الكواكب في دورانها حول الشّمس    خبراء من منظمة الصحة العالمية يزورونا تونس...التفاصيل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل آن الأوان حقا ليتوقف هذا المشروع الإبداعي الكبير؟
رحيل يوسف شاهين
نشر في الصباح يوم 31 - 07 - 2008

إن الموت حينما حاول مهاجمة الشاعر العربي الكبير محمود درويش نجح في مراوغته بتعلة أن له أحلاما كثيرة لم يحققها بعد وذنوبا لم يرتكبها بعد ونجح في جعله يمهله حتى ينهي ما بين يديه من مشاريع.
وإن كان محمود درويش يتحدث في قصيدته "جدارية" عن حاله فإنه قد عبر عن مأساة الكائن البشري على الارض وعن مأساة المبدع بالخصوص الذي يتهيأ له أنه بالابداع هو قاهر للموت فإذا به يتخفى ويترصده في زاوية ما حتى ينقض عليه في اللحظة التي يكون معتقدا أنه بعيدا عنه أميالا ومشغولا عنه بمشاريعه الابداعية التي لا تعرف حدودا... ولا نخال الموت قد أمهل الراحل الكبير يوسف شاهين حتى ينهي ما لديه من مشاريع ابداعية ونخالها كثيرة...
ولان الموت حقيقة يأتي حينما لا نتوقعه، فإن الرحلة مع الابداع تظل دائما بلا نهاية.
مشوار الابداع طويل، وما يكاد المبدع يخلص من مشروع حتى ينخرط في آخر إلى أن يأتي الموت تاركا حلما ما معلقا وفكرة ما بدون تجسيم ومشروع لا يرى النور ومبدع انتزع من بين أحلامه. لا نخال السينمائي الكبير يوسف شاهين قد أنهى كل ما لديه من مشاريع رغم ما جادت به نفسه لجمهوره من أعمال عديدة ومن اقتراحات فنية متنوعة وهادفة.
رحلة الابداع لا تنتهي
ولا نخاله قد استوفى أحلامه ولا نخاله كان مستعدا لوضع بعد نقطة النهاية لرحلته مع الابداع قبل موعده مع الموت...
وفيلم "هي فوضى" الاخير في رصيده لا نخاله قد كان الاخير في ذهنه. كل مشروع ابداعي جديد إلا ويكون ولودا لمشاريع أخرى متلاحقة.
فيلم "هي فوضى" الذي فتح النار على الفساد في المجتمع المصري وكشف ممارسات السلطة التي يجسمها في الفيلم عون الشرطة والانحلال الاخلاقي ما هو إلا بداية الرحلة في الغوص في أعماق المجتمع المصري الجديد المنخرط في العولمة الذي صارت العشوائية حسب هذا الفيلم فيه سيدة الموقف بعد تراجع القيم التي كانت تحكمه لتحل محلها المخدرات والرشوة والتسلط والظلم وشيوع أخلاق أخرى تجعل الناس لا تسجد إلا لسلطان القوة والمال ولا تحركها إلا الرغبات والبحث المستمر على إرضاء حواسها الحيوانية... لكن يوسف شاهين على طريقته المعهودة لم يغلق باب الامل تماما ولم يقطع الرجاء في استيقاظ الشعب في يوم ما وقيامه بتكسير القيود والثورة في وجه الظلم على غرار ما قام به أبطال فيلم "هي فوضى" ضد عون الشرطة.
يوسف شاهين ذلك الرجل الذي أبى أن يكبر. رحل في الوقت الذي كان جمهوره يتساءل عن الفيلم الجديد لشاهين لان شاهين لم يركن للراحة ولم يعلن استقالته ولا تقاعده. لم تنجح تلك الايام القليلة التي قضاها في غيبوبة بالمستشفى في تغيير صورة يوسف شاهين لدى جمهوره الذي نخاله لم يكن ينتظر بالمرة أن لا يستفيق الرجل من غيبوبته أبدا. نجح يوسف شاهين في أن يكون شخصية يحبذها الكبير والصغير وعن الوجوه الشابة التي قدمها شاهين في أعماله لا تسل دون أن نتحدث عن الحلم الذي كان يساور كل فنان شاب في العمل يوما ما مع يوسف شاهين.
الموسيقى لا تغيب من أفلامه والرقص والغناء وأجواء الفرحة تكاد تتكرر حتى وإن تختلط أحيانا دموع الفرح بدموع الحزن واللوعة. يوسف شاهين لعله من بين آخر العباقرة الذين حفل بهم تاريخ الابداع العربي الذي يغادرنا هذه الايام. أفلامه لا تتركك على حالك. سواء تلك التي تتناول المجتمع المعاصر أو تلك التي تحفر في تاريخ المجتمعات خاصة منها المجتمع العربي والاسلامي من خلال تناول شخصية الفيلسوف ابن رشد أوشخصية البطل صلاح الدين الايوبي... 35 فيلما طويلا وفيلم قصير (حول أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 ذلك هو رصيد يوسف شاهين السينمائي). ولئن كان هذا الرصيد الثري والمتنوع من الافلام التي من بينها الفيلم الاجتماعي والتاريخي والسياسي وأفلام السيرة الذاتية وغيرها كفيلا بجعل شاهين يتحلى بسمعة كبيرة في بلده وبالخارج فإن أفكار الرجل التي جعلت أبرز الشخصيات السياسية في العالم من رؤساء دول ووزراء تسعى لاعلان رد فعلها بالمناسبة الاليمة كانت وراء اتساع مساحة انتشار سينما شاهين. وقد هرعت مختلف الشخصيات في العالم إلى تحية روح الانسان قبل الفنان. وكان يوسف شاهين لا يفوت فرصة دون الدعوة إلى الحوار مع الاخر وإلى نبذ العنف. كان مناضلا ضد مختلف أشكال العنف والتطرف.
فلسفة خاصة حول الجمال
لكن الاجمل في مسيرة يوسف شاهين السينمائية أن أفلامه ورغم طابعها الملتزم فهي تبقى سينما مفتوحة لكل أصناف الجماهير. الكل يمكن أن يجد فيها نفسه. هي سينما إن كانت مفتوحة على الخارج من حيث الافكار والتقنيات فإنها تبقى منخرطة في تقاليد السينما المصرية من حيث ترتيب الافكار ومن حيث بساطة الحوار ومن حيث التعويل على النجوم المصرية: عمر الشريف ونور الشريف وليلى علوي وأحمد عدوية وطبعا يسرا. وكان شاهين يقوم في كل مرة بضخ دماء جديدة في أفلامه من خلال التعويل على نجوم شابة من مصر والبلدان العربية. فمن تونس قدم مثلا يوسف شاهين لطيفة العرفاوي في فيلم "سكوت حنصور" وأخيرا درة زروق في فيلم "هي فوضى". كما قدم ماجدة الرومي في فيلم "عودة الابن الضال" إلخ... وهو لا يتردد إزاء اتخاذ موقف مختلف تماما مع موقف الصحافة المصرية إزاء حكمها القاتل على بعض الاسماء الشابة على غرار المطربة روبي مثلا التي منحها دورا في فيلمه "سكوت حنصور".
يوسف شاهين يبقى مهما اختلفت الاراء في تقييمه فنانا حرا. والحرية بالنسبة له يمارسها في أقواله وأفلامه. والجائزة التي حصل عليها سنة 1997 بمهرجان كان السينمائي حول مجمل أعماله لم تكن هدية ولم تكن محاباة له. شاهين كان يستحق الجائزة ليس لانه صديق الغرب كما يحرص المعلقون من الغرب على وصفه وهواختيار خاص به وليس لانه صديق "جيل جاكوب" المندوب الدائم لمهرجان كان السينمائي الذي رثاه بكلمات مؤثرة وليس فقط لانتفاضته ضد الارهاب والتطرف وإنما لانه فنان حقيقي. وكانت أغلب أفلامه لحظات ممتعة لجمهور متعطش لسينما تخاطبه مباشرة دون حاجة لاستعمال طرق ملتوية.
الاكيد أن يوسف شاهين وكما سبق وذكرنا قد رحل وهو مازال لم يرى البعض من أحلامه قد تحقق من بينها مثلا أن يرى بلده مصر وقد حققت أشواطا من الحرية وانخرطت في الديمقراطية بالشكل الذي يرتضيه هذا المبدع لمجتمعه.
ربما لم يكن هذا المبدع يتمتع بقدر من جمال الخلقة ولكنه فرض نفسه من خلال ابداعاته أولنستعد ما صرح به عمر الشريف إذ قال: كان شاهين يريد أن يكون ممثلا ولكنه فهم أنه لن ينجح في ذلك لانه لم يكن وسيما بالقدر الكافي فغير وجهته نحو الاخراج ليصور الجمال من خلال النجوم التي يقترحها في أفلامه. ولنعترف أن العديد من أفلامه كانت قطعا سينمائية جميلة. ومن الصعب ان تشاهد فيلما لشاهين أيا كانت نوعيته دون أن يؤثر فيك بطريقة ما.
وينتهي المرء في خاتمة الامور إلى أن يصبح شبيها بأعماله وابداعاته وهكذا من الصعب جدا أن نتلقى خبر رحيل شاهين حتى بعد تجاوزه الثمانين من العمر دون أن نتحسس هول الخبر ودون أن نتيقن من أننا إزاء خسارة حقيقية، عسى أن تكون الاجيال التي اقتربت منه تواصل المسيرة خاصة أن الفيلم الاخير كان بامضاء مشترك بين شاهين والمخرج الشاب خالد يوسف... الاختيار ربما كان مقصودا من الرجل الذي قدم يوما فيلما عن الاختيار.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.