خصصت هيئة مهرجان قرطاج الدولي سهرة الاثنين 11 أوت لأمير الدانسهول شين بول وهو العرض الجاماييكي الثالث في برنامج الدورة 44... وقد أوفى هو أيضا بوعوده ولعل مردوده المادي والمعنوي فاق كل تصورات من اعتقدوا أنهم جازفوا باختيارهم 3 عروض في هذه الدورة من نفس البلد ومن نفس النوع الموسيقي. فقد غصت مدارج قرطاج بالمراهقين والمراهقات وبالشبان والشابات ولكن أيضا بنوع معين من الكهول تذرعوا باصطحاب الأبناء ولكنهم في الحقيقة جاؤوا تكريما لروح بوب مارلي الأب الروحي للريغي والمسؤول الأول عن نشره في العالم خلال الستينات وليقفوا على الاضافات التي جعلت الريغي يواصل ويؤكد حضوره بقوة دون أن يهفت له بريق وهناك من جاء محاولا استرجاع ذكريات أيام تعلق خلالها بموسيقى وكلمات جيمي كليف وبيتر توش وغيرهم ممن ساهموا بموسيقاهم وأغانيهم في التعريف بجزيرتهم الصغيرة المتوسطة للبحر الكاراييبي والتي لا يتجاوز عدد سكانها 2598000 ولا تتعدى مساحتها 11.425 كلم2 ولم تنفصل عن انقلترا الا سنة 1962. والجاماييك لم تغز العالم بالريغي وحده وإنما صدرت المنتو والسكا والروكستيدي والريغي الدوب والراغا والدنسهول وقد وصلتنا منها أصوات بوب مارلي والبارت غريفث وجيمي كليف ولورال أيتكين وبيتر توش وبوني ويلر وبارنغتون ليفي ويعقوب ميلر ودونيس براون ولي بيتر وكينغ توبي وشاغي وديلنجر وغارنيت سيلك وكابلتون وغيرهم.. ولعل اختلاط الأجناس في هذا البلد الصغير ذو الامكانيات المحدودة هو الذي ساعده على أن يتميز بموسيقاه (سكان الجاماييك من أصول افريقية وآسيوية وأوروبية) وان يجعلها ثروة يصدر منها للعالم أجمع. صحيح أن الريغي تفرع مع مرور الوقت الى أربعة أنواع من الموسيقى مع مرور الوقت وضرورة التطور والباحث الدائم عن الاضافة وهي - الروتس ريغي - والدوب - والدانسهول - والرغا - ولكنها حافظت صلبها على الجوهر وبقيت تصب كلها في خانة واحدة هي الايقاع الثقيل الذي يعتمد في الأصل على القيثارة والطبول والأورغنات وخاصة على الكلمات الملتزمة بأهم قضايا العالم ومن بينها الدعوة الى الحرية والسلام واحترام الآخر والتقرب إلى اللّه خاصة أن كلمات والحان عدد كبير من الأغاني كانت تخرج من بين أسوار الكنائس وأماكن العبادة باختلاف انواعها إضافة الى الحب والعشق والانفصال عن الأحبة. وفي هذه الأغراض المختلفة غنى أمير الدانسهول شين بول فكهرب الجو والهب الدماء في العروق وجعل الذي لا يرقص رافعا يديه الى السماء يريد منها نجما أو حلما يلمسه يدور حول نفسه ويرتعش في مكانه حد الارتجاف وقد اندلعت الهستيريا اندلاع الشرارة في الهشيم وصاحت الفتيات بصوت واحد الى أن بحت الحناجر وردد الفتيان كلمات أغاني شين بول الذي تفاجأ مفاجأة سارة بالحضور المكثف للجمهور وبسعة اطلاعه على أغانيه وفهمه وحفظه لكلماتها فسكر وأسكر العازفين معه والراقصات اللائي تحركت كل قطعة في اجسامهن وحدها حتى خيل لنا أنه تم ايصال اعضائهن بخط كهربائي ذو ضغط عال فارتجفن وارتجف معهن الجمهور وصاح صيحة الرضى عندما التحف شين بول بالعلم التونسي ضمه اليه ثم رقص ملوحا به في الفضاء عندها برز اللونان الأصفر والأخضر وارتفع علم الجاماييك بين الحضور. لم يهفت شين بول ولا مرافقوه على الركح من مغنيين مرددين وراقصين ولم يهدأ وانتفض طيلة ساعة ونصف الساعة بين أرضية الركح المزدان بالالوان والاضواء الساطعة التي قربته من منصة علبة ليلية وحولت المدارج الى حلبة رقص هستيري وفصل بين أغانيه بمداخلات قصيرة ولكنها مؤثرة عبر فيها عن اعتزازه بحفله في تونس وعن احترامه لشعبها والهب مشاعر وأحاسيس الجمهور طالبا تحية لتونس ولشبابها مناديا في كل مرة بمزيد التفاعل والصياح ورفع الايدي الى السماء. وطالب هو ايضا بان يضاء له المسرح بالولاعات ولكن في هذه المرة ايضا اشتعلت شاشات الهواتف الجوالة وكاميرات التصوير وتلألأت اضواؤها فبدت وكأنها النجوم ترصع السماء. في هذه الجواء غني شين بول «قات بوزي» و«بايبي بوي» و«مازلت أحبك» و«تمبيراتشر» و«قيف إيت أوب تومي» و«ستيج وان» و«دوتي روك» و«ذي ترينيتي» و«بريك إيت أوف» و«بوش إيت بيبي أي وأنا ي يو» وعدد آخر من الأغاني التي لم تترك الهيستيريا والصياح المتواصل مجالا لسماع عناوينها ولا كلماتها والحقيقة أنها لم تكن لتهم الحاضرين الذين أتوا للرقص والصياح ولا شيء غير ذلك ووجدوا ما جاؤوا من أجله وسجلوا في تاريخهم أنهم حضروا حفلا لشين بول مغني الريغي الممزوج بالهيب هوب وهو في قمة تألقه ونجاحه وتصدره لأعلى مراتب تصنيف الاغاني عالميا.