خليط من التجار والفلاحين والوسطاء الصغار الذين لا يملكون محلات قارة أججوا الظاهرة تونس الصباح: أينما وليت وجهك في هذه الايام الرمضانية، إلا وإعترضتك مظاهر النشاطات التجارية في كل المجالات والمواد المطلوبة للاستهلاك.. وقد تعتقد أن هذا النشاط وهذه التجمعات من التجار المختصين في عرض الخضر والغلال على وجه الخصوص يقومون بنشاطهم في إطار قانوني ضمن مسالك التوزيع الرسمية، وقد خصصت لهم البلديات هذه الفضاءات والمساحات العامة للنشاط فيها، لكن بفعل التعامل وطرق الانتصاب، ووسائل الغراء التي يمارسونها تدرك أن نشاطهم مواز، وحضورهم وقتي، وما إن تحل دورية مراقبة أو أمن بالمكان، أو تصل الساعات الاخيرة من الظهيرة حتى يتبخر هؤلاء بعرباتهم وشاحناتهم، ولا يبقى منهم سوى أثرهم المتمثل في أكداس من الفضلات على اختلاف أنواعها. كيف ظهرت هذه التجارة التي كانت إلى وقت قريب محجرة، ويقتصر تعاطيها على المسالك الرسمية والمنخرطين فيها عبر نقاط بيعهم المعروفة؟ ما مدى تأثير الظاهرة على الاسواق اليومية ونقاط البيع المنفردة؟ من أين جاؤوا بسلعهم هذه؟ لماذا يعرضونها بأثمان مغرية؟ وهل من حقهم تزويد باعة الخضر والغلال ببضاعتهم دون المرور بها من أسواق الجملة؟ وفوق كل هذا كيف تسمح لهم البلديات بهذا النشاط غير القانوني، أم كما يقول المثل "قيد على رمضان". الظاهرة وتفشيها في كل الجهات أينما توجهت في ضواحي العاصمة وأحيائها التي تعد بالمئات تصادفك تجمعات لعربات وشاحنات تعرض الخضر والغلال على كل أصنافها، ففي هذه الايام الرمضانية على وجه الخصوص لا تكاد تقطع مئات الامتار حتى تجد نفسك وسط تجمع من المواطنين المتجمعين حول باعة جاؤوا من كل مكان، وعرضوا كل أنواع الخضر والغلال مثل الفلفل والبطاطا والبصل والخضر الورقية الاخرى مثل السلق والمعدنوس وأنواع السلطات الطازجة. والى جانب هؤلاء اصطفت عربات صغيرة وشاحنات كبيرة وصغيرة تعرض الدلاع والبطيخ والعنب والاجاص وغيرها من أنواع الغلال. ولعل الملفت للنظر في هذه الاسواق الوقتية الخارجة عن المسالك الرسمية، هو ظاهرة التخفيضات التي يقدمونها للمواطن، والسخاء في التعامل معه، وإعطائه الحرية في اختيار ما يرغب في شرائه عبر الانتقاء المباشر. وكل هذه العوامل ساهمت في تجمع المواطنين حول هؤلاء العارضين، والاقبال على سلعهم من الخضر والغلال في نهم كبير بدل التوجه إلى الاسواق اليومية الرسمية. فما سر هذا الاقبال أولا، ثم من أين جاءت جملة هذه الخضر والغلال المعروضة في كل مكان؟ ولماذا تعرض بتلك الاسعار المنخفضة مقارنة بما هو معروض منها في الاسواق؟ مظاهر نقاط بيع من المنتج إلى المستهلك غير مقننة هذه الظاهرة التي تابعناها في أحياء كثيرة مثل الزهور والزهروني وباردو بكل أحيائه، وأيضا في سكرة والنخيلات وبرج الوزير وبن عروس والمروج ولاكانيا وغيرها من الاحياء الكثيرة الاخرى جعل لدينا الاعتقاد راسخا بأنها ليست ظاهرة عابرة كما سبق أن أشار إلى ذلك بعض المسؤولين لما طرحنا عليهم أسئلة بشأنها، وبشأن ما تتعرض له المسالك الرسمية للخضر والغلال من منافسة غير قانونية عبر هذا النشاط الموازي. ويبدو أن نشاط هذه الاسواق، لا يقتصر تعاطيه على دخلاء، بل أنه يجمع تجارا يعملون صلبه منذ أكثر من عشر سنوات، وذلك بالتزود من الفلاحين بشكل مباشر وعرض خضرهم وغلالهم أيضا مباشرة للمواطن. كما ينخرط في الظاهرة عدد هام من الفلاحين الصغار حيث يتولون نقل إنتاجهم إلى هذه البطاح والساحات والشوارع والاحياء ويفرطون فيها بالبيع دون وساطة تذكر ولا معاليم وأداءات بلدية. مما يجعلهم يحتفضون لانفسهم بربح كامل في هذا المجال وبعرض تكون أسعاره مقبولة لدى المواطن. ومن هذه المنطلقات غاب ذلك الضرر حسب ادعائهم الذي كان يلحقهم من كثرة الاداءات وارتفاعها، وكذلك الاسعار المتدنية والبخسة التي تقدم لهم حسب ما أشاروا داخل أسواق الجملة. هذه الظاهرة وتفشيها في كل مكان يمكن اعتبارها نقاط بيع من المنتج إلى المستهلك، لكنها غير مقننة ولا تخضع لمراقبة. فما الحل معها مادام قد سبق حضورها أو غطى كل البرامج الهادفة إلى تطوير آداء مسالك التوزيع الرسمية وما وضع لذلك من برامج منذ أكثر من ثلاث سنوات، دون تقدم يذكر. كما آداء هذه الاسواق الموازية وبعض الناشطين فيها رغم ما لنا من تحفظات حول أساليب العرض، وأحيانا سلامة المعروض يبقى قريبا من المواطن، وبعيدا كل البعد عما يقابل به المواطن من شروط وتعنت من طرف باعة الاسواق، ومن الغش ودس البضاعة الفاسدة في كثير من الاحيان. وضعوا الجميع أمام الامر الواقع إن هؤلاء التجار والفلاحين الذين ينشطون في هذه الاسواق الموازية المختصة في الخضر والغلال، قد وضعوا الجميع أمام الامر الواقع. فلا البلديات وأعوانها باتوا قادرين على منعهم من النشاط، ولا المراقبة الاقتصادية بإمكانها محاصرتهم. ولعل أهم ما يمكن ملاحظته أن المواطن كان مستفيدا جدا من حضورهم، قريبا منه في كل الاحياء، علاوة على رضاه عن الاسعار التي يعتمدونها، وأيضا فوزه بخضر وغلال طازجة، لم يمض على جنيها وقطفها في بعض الاحيان سوى سويعات قليلة. كيف الحل مع هذه الظاهرة التي لا تروج سلعا مجلوبة من الخارج، بل إنتاجا وطنيا، وبأسعار مقبولة ومعقولة وقابلة أيضا في كل وقت للنزول. فإذا كانت موازاتها على القنوات الرسمية هو ما نأخذه عليها، فأنه بالامكان تنظيمها وتطويرها مع الحفاظ على أساليب عملها، وذلك بجعل الاختيار قائما بين من يرغب من الفلاحين عرض سلعه في أسواق الجملة وبين من يريد بيعها مباشرة للمواطن ودون وساطات. إن هذه الاسواق بات لها حجم كبير، ونعتقد أن ما تروجه من كميات خضر وغلال قد يوازي أو يفوق ما يعرض بالاسواق الرسمية والجملة. وهذا ما يجعل من الصعب تجاهلها.